10-يونيو-2019

في نفق الجامعة المركزية بشارع أودان في العاصمة (أ.ف.ب)

مطاردات في الشارع، وتعاليق ساخرة، وتهمٌ جاهزة بالتخوين والتسّلق وركوب الموجة، هكذا هي بعض علاقة السياسيين في الجزائر مع المواطنين منذ أربعة أشهر، أي منذ بدء الحراك الشعبي في الـ 22 فيفري/ فبراير الماضي.

تجلّت حالة من الخوف لدى كثير من الأحزاب السياسية من الحراك الشعبي وبقيت متردّدة من اتخاذ مواقف واضح منذ بدء المسيرات

صوت الملايين في المسيرات التي شهدتها الجزائر، ألغى حضور الأحزاب السياسية وممثليها وأبعدتهم عن المشهد السياسي في الشارع، الذي أصبح ملكًا للشعب وحده بمختلف فئاته وأطيافه وحساسيّاته، حتى تحرّك وزراء الحكومة أصبح مدروسًا ويتفادى مواجهة المواطنين، خلال تدشين المنشآت والمشاريع أو تنظيم الجولات التفقّدية وغيرها.

اقرأ/ي أيضًا: تأجيل الانتخابات في الجزائر.. أحزابٌ "معارضة" تفقد توازنها!

في مقابل ذلك، يصعب في هذه الفترة، أن  يتّفق الجزائريون على فكرة واحدة، إلا على رحيل الباءات الثلاث؛ وهم رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، والوزير الأول نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب.

مستقبل غامض

تجلّت حالة من الخوف لدى كثير من الأحزاب السياسية من الحراك الشعبي وبقيت متردّدة من اتخاذ مواقف واضح منذ بدء المسيرات في ثاني جمعة من الحراك، أي في الفاتح من مارس/ آذار الماضي، إذ غابت الوجوه السياسية من الاحتجاجات في الجمعة الأولى، وهو ما جعل رؤساء الأحزاب أوّل المتّهمين بالتّخندق مع السلطة وفريق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

"في بدايات الحراك الشعبي، وجد ممثّلوا أحزاب سياسية في الجزائر أنفسهم مطاردين في الشارع، بعدما قرّروا النزول مع جموع المتظاهرين، إذ بات الغضب الشعبي موجّهًا إلى كلّ الوجوه المألوفة في الساحة من أحزاب موالية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وحتى أحزاب معارضة له، فخسرت هذه الأحزاب معركة الشارع، وخسرت معها ثقة الشعب بأن تكون صوته مستقبلًا" يقول الباحث في العلوم السياسية محمد بلخير في حديث إلى "الترا جزائر".

يُضيف بلخير، أن الأحزاب السياسية فهمت رسائل الشارع، ومعها ضعفت خطواتها نحو توجيه الرأي العام وإخراج مبادرات جادّة أو مبادرات قوية يُمكنها إدارة الأزمة، مستشهدًا أن ذلك يتّضح جليًّا عقب فقدان خطابات السلطة ومواليها لخطاباتها الحادّة والواثقة ببقاء بوتفليقة في الحكم، على حدّ قوله.

الحراك يشتدّ

يستطرد الباحث محمد بلخير: "في منحىً تصاعدي عرفته الاحتجاجات والمطالب الشعبية، والشعارات التي رُفعت في المسيرات، كانت خطابات بعض الأحزاب المعارضة تصدر خافتة حينًا وباهتة أحيانًا، رغم اجتهاداتها في تكوين نسق سياسي، لصياغة مبادرات حلحلة الأزمة، في مقابل ذلك، اعتمدت أحزاب السلطة خطابًا ليّنًا لمدّة تزيد عن شهر كامل إلى غاية استقالة الرئيس السابق في الثاني من أبريل/ نيسان الماضي ثم صمتت طوال فترة بدء حملة الاعتقالات والتحقيقات  التي طالت عددًا من المسؤولين ورجال أعمال موالين للسلطة".

على الأرض، ارتفعت وتيرة المطالب بعدها استقالة بوتفليقة من الحكم قبل انتهاء عهدته الرابعة، واشتدّ حنق الشعب على أغلب الأحزاب دون استثناء، وعمد على صدّها لها، ومواجهتها في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تعّرض بعهم للطرد من المسيرات في العاصمة الجزائرية رغم خطابات المداهنة وبيانات مباركة الحراك.

مواقف مكلفة

من جهته، يرى محمد تليلي، الأستاذ في علم الاجتماع السياسي والناشط السياسي، أن الأحزاب السياسية باتت تقدّم مواقف سياسية في علاقة بالتطوّرات الراهنة في الجزائر، وفقًا لمتطلّبات الشارع أكثر منها لمتطلبات العقلانية السياسية.

وما يبرّر هذه المواقف بحسب تليلي، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الأحزاب متخوّفة من كلفة المواقف السياسية التي لا تروقُ للحراك الشعبي أو تتجاوزه، فضلًا عن مخاوف من عقاب انتخابي ضدّها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة على حدّ تعبيره.

وواصل المتحدّث أن الأحزاب تتعامل مع الحراك كقائد ومحدّد لتطوّرات ومسارات الأحداث، "فيما يُفترض أن يكون الأمر في اتجاه مخالف، بحيث تكون الأحزاب جزءًا من محدّدات المسار، وهو ما نجم عنه حاجز نفسي بين الأحزاب السياسية والحراك؛ بسبب رفض الأخير لقادة الأحزاب في المظاهرات، وهو بدوره  شكّل حالة ردعية لدى الأحزاب، وخوفٌ من ردة فعل الحراك تجاه أيّ مواقف قد تخرج عن إطار مطالبه".

من يقود من؟

تُحاول أحزاب سياسية في الجزائر، اللحاق بالحراك ومجاراته في مطالبه وتطوّراتها منذ الـ22 فيفري/ شباط إلى يومنا هذا، بل ولكنها لا تُغامر بتأطيره أو تمثيله، هنا، يشير الصحافي رياض هويلي، إلى عدّة مبّررات أهمّها أن الحراك انطلق عفويًا ولم يكن بدعوة من هذه الأحزاب أو غيرها، ولهذا شعرت الأحزاب بأنّها على قارعة الطريق، فكان لابدّ على قياداتها أن تتخلّى عن شعاراتها وبرامجها وتُحاول تكييفها مع الحراك ومطالبه، يقول المتحدّث.

وأوضح هويلي في حديث إلى" الترا جزائر"، أن الحراك الشعبي رفض أيّ تمثيل وأي اقتراح خارج رحيل رموز النظام البوتفليقي، مردفًا بالقول: "شرعت الأحزاب في محاولات التموقع كما شهدناه في الجمعات الأخيرة، كما أن بعض النشطاء أو القيادات السياسية التي مُنعت من تأسيس أحزاب في وقت سابق، أرادت أيضًا بل كان لها دور في إحراج الأحزاب التقليدية وتبنّي الخطاب الشعبوي الحراكي، كما هو الحال مع الحقوقي مصطفى بوشاشي والسياسي كريم طابو، ما جعل لغة العقل تغيب، وفرص الحلّ تتعثّر".

الحصان قبل العربة 

يتعاملُ الحراك الشعبي الممثّل بمختلف فئات الشعب الجزائري وأطيافه، مع الأحزاب السياسية كملحقٍ سياسي، وليس كطرفٍ لإعادة صياغة مطالبه أو وسيط بينه وبين السلطة، غير أن هناك اتفاقًا مبدئيًا لدى كثير من النشطاء السياسيين، أن حلّ الأزمة لن يكون عبر صمّ الآذان عن أصوات متعدّدة والاكتفاء بالرأي الواحد.

يتعاملُ الحراك الشعبي الممثّل بمختلف فئات الشعب الجزائري وأطيافه، مع الأحزاب السياسية كملحقٍ سياسي، وليس كطرفٍ لإعادة صياغة مطالبه 

مقابل ذلك يقترح بعض النشطاء، أن تظلّ شعارات الحراك أوراقًا للضغط من أجل افتكاك المزيد من المكاسب. ذلك لأن عملية تفكيك للنظام القديم وبناء نظام جديد، وتجسيد الانتقال الديمقراطي عملية تقودها النخب مستأنسة بشعارات الحراك ومطالبه، وليس العكس بأن تصنع الحشود السياسية أو تحوّل الشّعارات إلى سياسات قابلة للتنفيذ.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هكذا سخر الجزائريّون من خطاب عبد القادر بن صالح

رسائل الإبراهيمي.. مبادرات تلقي بالكرة في ملعب الجيش