أحدثت رسالة وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الجزائرية وبين الناشطين، إذ بات الرجل الذي بقي بعيدًا عن السلطة منذ نهاية الثمانينات، أحد الشخصيات البارزة التي طالبها الشارع الجزائري بأن يكون لها دور في المرحلة الانتقالية، وذلك من الأسابيع الأولى للحراك الشعبي.
أحدثت رسالة وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الجزائرية وبين الناشطين
رسالة بعد بيان
خلال الأسبوع الحالي، توجه الإبراهيمي للشعب الجزائري وللفاعلين في السلطة في الجزائر، برسالتين: الأولى جاءت موقعة مع من يسمى بـ"أب الحقوقيين في الجزائر"، المحامي علي يحي عبد النور، والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس.
اقرأ/ي أيضًا: طالب الإبراهيمي: الدستور وُضع ليوافق هوى السلطة الحاكمة
ودعا الثلاثي في رسالتهم، أو بيانهم، الجيشَ إلى فتح أبواب "حوار صريح ونزيه مع ممثلي الحراك الشعبي والأحزاب السياسية المساندة لهذا الحراك، وكذلك القوى الاجتماعية المؤيدة له؛ من أجل إيجاد حلّ سياسي توافقي في أقرب الآجال يستجيب للطموحات الشعبية المشروعة المطروحة يوميا منذ أزيد من ثلاثة أشهر تقريبا".
أما الرسالة الثانية، فطرح فيها الإبراهيمي منفردًا، رؤيته لحل الأزمة السياسية في البلاد، لتضاف إلى غيرها عشرات المبادرات المقترحة للخروج من أزمة الاحتقان السياسي.
وجاءت رسالة الإبراهيمي الثانية موجهةً للمؤسسة العسكرية، بالتأكيد على عدم نجاعة الاستناد فقط على "الحل الدستوري"، واصفًا الدستور بأنه "وضع ليوافق أهواء السلطة الحاكمة" أيام عبدالعزيز بوتفليقة.
ودعا الإبراهيمي فيها، للمرة الثانية، المؤسسة العسكرية إلى الإصغاء لمطالب الشعب، مطالبًا بـ""تغليب المشروعية الموضوعية على المشروعية الشكلية، انطلاقًا من حق الشعب في التغيير المستمر".
وجاءت رسالة الإبراهيمي الثانية، بعد خطاب لقائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، الذي اتهم فيه ضمنيًا الشخصيات الوطنية بالانعزال وعدم التجاوب مع الظرف الراهن، مطالبًا إياهم بـ"إبداء الموقف لدعم جهود حل الأزمة"، ليخرج الإبراهيمي ببيانه لينفي الاتهام المبطن لقايد صالح، مع تأكيده على أن "هناك مبادرات عديدة طرحتها أحزاب ونقابات وشخصيات وأفراد، والتي أستغرب كيف غابت كلها عن أصحاب القرار!".
تعليقات على الرسالة وخطاب قايد صالح
في قراءة أولية لرسالة الإبراهيمي الثانية، يصفها حكيم بلحسل، الأمين الوطني الأول لجبهة القوى الاشتراكية، بأنها "تشريح دقيق للوضع، سعيًا منه لإيجاد مخارج للأزمة السياسية في الجزائر، إذ أماط اللثام عن عدة نقاط من شأنها أن توضح الرؤية في قادم الأيام؛ إذا ما كانت المؤسسة العسكرية تريد حلًا عاجلًا للأزمة أم لا".
وقال بلحسل لـ"الترا جزائر"، إن "الجيش ليس من حقه أن يتجاهل نداءات السياسيين والشخصيات الوطنية والشارع الجزائري، خصوصًا أن موعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الرابع من تموز/يوليو، بات قريبًا، في ظل جو يتسم بالضبابية سياسيًا، ومشحون في الشارع".
وردًا على ما جاء في خطاب قايد صالح، أكرد بلحسل أن جبهة القوى الاشتراكية، "لن تدخر جهدًا للمشاركة في مبادرة سياسية تضمن مرحلة انتقالية تحميها المؤسسة العسكرية، دون أن تتدخل في مساراتها"، معتبرًا أن ذلك هو طرح الجبهة.
أما ناصر حمدادوش، نائب حركة مجتمع السلم الإسلامية، فثمّن كل مبادرة من شأنها أن "تخطو خطوات لبلورة الرؤى والبدائل لحل الأزمة". وقال حمدادوش في تصريح لـ"الترا الجزائر": "أي مبادرة تبذلها أي شخصية وطنية، والطبقة السياسية والمجتمع المدني منذ بدء الحراك؛ من شأنها أن تضع خطوطًا عريضة لتخرج الجزائر من الأزمة".
وعليه يرى القيادي في مجتمع السلم، أن مبادرة الإبراهيمي "تجعل الرؤى تتقارب كثيرًا فيما بين كل الأطياف السياسية والاجتماعية في المجتمع الجزائري"، لافتًا إلى ضرورة الإسراع في اتخاذ مواقف ميدانية من شأنها أن تضع حدًا للأزمة.
وشدد حمدادوش على أن "الانتقال الناجح إلى جزائر جديدة، تتجسد فيها الإرادة الشعبية، لا يتحقق مهما كانت الإجراءات، إلا بالإرادة السياسية الصادقة للقوى الفاعلة والمؤثرة في الجزائر، وعبر الحوار والروح التوافقية والحرص على المصلحة والوحدة الوطنية".
حلول أوضح
يرى أستاذ العلوم السياسية، مصطفى بخوش، أن وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي "يمكن أن يكون رجل إجماع يلتف حوله الجزائريون". ويستنبط بخوش ذلك من أن رسالة الإبراهيمي موجهة "لكل الجزائريين بمختلف أيديولوجياتهم وانتماءاتهم، إذ أكد على المنطلقات النوفمبرية الباديسية، كما حرص على بناء دولة القانون التي تضمن الحقوق والحريات دون الخلط بين السياسة والمال".
واعتبر بخوش أن رسالة الإبراهيمي "تميل إلى الجهة الغالبة التي تعبر عن عمق الحراك الشعبي، مع انفتاحها على الغير، لاستيعابهم ربما ضمن الحاضنة الوطنية، مع تأكيده على ضرورة إبعاد الجيش عن السياسة لاحقًا، كما يُبعد المال الفاسد أيضًا".
من جهة أخرى، هناك من تعاطى مع الرسالة الثانية للإبراهيمي، باعتبارها استكمالًا للمبادرة التي طُرحت في البيان الأول، خاصة وأن البيان الأول، عاب عليه البعض كونه يقترح حوارًا دون آليات واضحة.
ويقول الناشط الحركي توفيق يزلي، إن الرسالة الأولى "تشدد على إمكانية التعايش بين مختلف الخلفيات الفكرية في الجزائر من خلال صدورها من ثلاثة شخصيات ذات انتماءات وخلفيات مختلفة، بينما الثانية واضحة المعالم أكثر، وتقترح حلًا أكثر تماسكًا".
هناك من رأى في الرسالة الثانية للإبراهيمي استكمالًا للمبادرة التي طُرحت في البيان الأول، إذ جاءت واضحة المعالم بحلول أكثر تماسكًا
ومع هذه المبادرة من الإبراهيمي، وغيرها، وإن كانت هي الأكثر صيتًا؛ تبقى الأمور كما هي عليه: يعرف الحراك زخمًا مستمرًا مع جمعة أخرى هي اليوم، في حين يظل الجيش متمسكًا برؤيته للفترة الانتقالية. فلن تعدو أيًا من هذه المبادرات، سوى أنها حبر على ورق، ما لم يقدم قادة المؤسسة العسكرية على الحلحلة بالتقدم خطوة للأمام في اتجاه مطالب الحراك.
اقرأ/ي أيضًا:
مبادرة الإبراهيمي وزميلاه.. حوار سياسي بين الجيش والحراك بلا آليات واضحة!