19-مايو-2019

الثلاثي الإبرهيمي وعبدالنور وبن يلس (أ.ف.ب)

وجّهت ثلاث شخصيات سياسية بارزة في الجزائر، دعوة إلى القيادة العسكرية، لفتح حوار مباشر مع ممثلي الحراك الشعبي والطبقة السياسية، ومختلف فعاليات المجتمع المدني. وبحسبها، تهدف هذه الدعوة إلى إيجاد مخرج توافقي للأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد منذ ثلاثة أشهر.

وجّهت ثلاث شخصيات سياسية بارزة في الجزائر، دعوة إلى القيادة العسكرية، لفتح حوار مباشر مع ممثلي الحراك الشعبي والطبقة السياسية

ونشر وزير الخارجية الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، والمحامي والناشط الحقوقي علي يحيى عبد النور، والجنرال السابق في الجيش رشيد بن يلس؛ رسالة تدعو بإلحاح شديد القيادة العسكرية، إلى "فتح حوار صريح ونزيه مع ممثلي الحراك الشعبي والأحزاب السياسية المساندة لهذا الحراك، و كذلك القوى الاجتماعية المؤيدة له، من أجل إيجاد حلّ سياسي توافقي في أقرب الآجال يستجيب للطموحات الشعبية المشروعة المطروحة يوميًا منذ ثلاثة أشهر تقريبًا"، مثلما جاء في نص الرسالة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الجمعة الـ13.. هل يضم الحراك الشعبي قايد صالح لـ"العصابة"؟

تشريح الوضع العام

وفي تشخيص للواقع السياسي، جاء في الرسالة أن "الوضع العام في البلاد لا يسمح بتنظيم انتخابات رئاسية في موعدها المقر في الرابع من تموز/يوليو المقبل"، موضحةً أن "حالة الانسداد التي نشهدها اليوم تحمل أخطارًا جسيمة تضاف إلى حالة التوتر القائم في محيطنا الإقليمي،وهذه الحالة الناجمة عن التمسك بتاريخ الرابع من تموز/يوليو القادم، لن تؤدي إلا إلى تأجيل ساعة الميلاد الحتمي للجمهورية الجديدة".

وربطت الرسالة الأحداث المتواترة والتطورات في علاقة بمآلات النظام السياسي السابق خلال الـ20 سنة من حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، والحراك الذي انخرط فيه الشعب من 22 شباط/فبراير الماضي. وطرحت فكرة حوار مباشر بين السلطة الفعلية، أي المؤسسة العسكرية، والحراك الشعبي ممثلًا في بعض رموزه، والنقابات والشخصيات التي لم تتورط مع النظام السابق.

الحراك الشعبي

وأكدت الشخصيات الثلاثة أنه "لا يمكن أن نتصور إجراء انتخابات حرة ونزيهة ترفضها من الآن الأغلبية الساحقة من الشعب، لأنها من تنظيم مؤسسات مازالت تديرها قوى غير مؤهلة ومعادية للتغيير والبناء"، لتزكي بذلك الشخصيات الثلاثة مطالب الشارع الجزائري المطالب بتنحية رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، علاوة على محاسبة رموز الفساد أو ما باتت تعرف بـ"العصابة".

مرحلة انتقالية ضرورية

وعرجت المبادرة إلى ضرورة بدء "مرحلة انتقالية محدودة"، استجابةً لمطالب المتظاهرين، الذين قالت إنهم "بلغ عددهم رقمًا قياسيًا تاريخيًا، ويطالبون اليوم، بعدما أرغموا الرئيس المترشح المحتضر على الاستقالة، ببناء دولة القانون في ظلَ ديمقراطية حقة، تكون مسبوقة بمرحلة انتقالية قصيرة المدّة"، محددةً أن يُعنى بقيادة هذه المرحلة "رجال ونساء ممن لم تكن لهم صلة بالنظام الفاسد في الـ20 سنة الأخيرة".

واعتبرت الشخصيات الثلاث أن المرحلة الانتقالية "ضرورية"، موضحةً: "حتى يتسنى وضع الآليات واتخاذ التدابير التي تسمح للشعب صاحب السيادة، بالتعبير الحر الديمقراطي عن خياره، بواسطة صناديق الاقتراع. إنها عملية تنسجم تمامًا مع مسار التاريخ الذي لا أحد، ولا شيء بقادر على اعتراضه"، بحسب ما جاء في نصّ البيان.

وجهات نظر متعددة

أحدثت الخرجة غير المتوقعة من الشخصيات الثلاثة، تباينًا في المواقف تجاهها، وجدلًا حول مضمون مبادرتها، إذ أبدى رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، تأييده لفحوى الرسالة، مؤكدًا "استحالة إجراء انتخابات رئاسية في الرابع من تموز/يوليو المقبل"، وأكثر من ذلك بأن وصفها بأنها "لن تكون مشروعة".

وقال جيلالي سفيان في تصريح لـ"التر الجزائر"، إن "الرسالة واضحة، تلك الموجهة للمؤسسة العسكرية التي أصبحت هي الفعل والفاعل في الساحة السياسية".

وبالمفهوم السياسي، فإن هذه الرسالة مبادرة أولية يمكن أن تحدث ثغرة في جدار الأزمة، في حال أمكن القبول بالحوار بين الجيش والمعارضة والحراك الشعبي. 

ويرى الباحث السياسي عبدالنور بوخمخم، أن الرسالة "تدعو جميع الأطراف إلى الحوار مع القيادة العسكرية باعتبارها السلطة الفعلية، والتي تعد الوحيدة التي يمكن الوثوق في جدوى الحوار معها، وليس مع بقايا رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".

وحدد عبدالنور بوخمخم شروط للحوار، متمثلة في "ضمانات نزاهة الانتخابات، وتشكيلة من ينظمها، مع وضع أجندة وجدول للتحول الديمقراطي".

مخيبة للآمال؟

في المقابل، انتقد رئيس حركة البناء الوطني، والوزير السابق، عبد القادر بن قرينة، المبادرة، كونها "تعطي صك على بياض لـ37 سنة من الحكم، وتعتقد أن الفساد في 20 سنة الأخيرة، وهذا إجحاف ومجانبة للحقيقة"، على حد قوله.

وتساءل بن قرينة في تدوينة على فيسبوك حول ما إذا طالب الحراك بمرحلة انتقالية فعلًا، و"كيف يمكن تمثيل الملايين من الحراكيين في كل مناطق الوطن؟".

ومما أثار الانتقاد للمبادرة، أنها "لم تطرح آليات محددة لتحقيق الحوار وضماناته، ولا لكيفية الذهاب إلى مرحلة انتقالية، وتركت الباب مفتوحًا"، كما لفت الباحث في علوم الإعلام والاتصال، دبيش رضوان، الذي قال لـ"الترا جزائر"، إن بيان المبادرة "لم يشر أيضًا إلى كيفية اختيار قيادة المرحلة الانتقالية"، مفسرًا ذلك بأن الشخصيات الثلاثة لا تريد أن تخسر الطرف الأهم في المعادلة وهو الجيش.

"خيب البيان آمال الكثيرين ممن كانوا ينتظرون تحركًا جادًا لحلحلة الأزمة السياسية"، يقول دبيش، لافتًا إلى تطرق البيان إلى نقطة يرفضها الحراك الشعبي، وهي تمثيله والتفاوض باسمه، معتبرًا أن ما أسماها بالقوى غير الدستورية، والتمثلة بحسبه في محيط بوتفليقة، "فشلت في الوصول إلى تمثيل الحراك الشعبي، فقد استدراج الحراك لتعيين ممثلين حين استقدمت الدبلوماسي ووزير الخارجية السابق الأخضر الإبراهيمي، وهو ما فشلت فيه".

ما أثار الانتقاد للمبادرة أنها لم تطرح آليات محددة لتحقيق الحوار وضماناته ولا لكيفية الذهاب إلى مرحلة انتقالية

على الأرض، تبقى الكرة في مرمى الجيش للتقرب من الأحزاب السياسية والحراك الشعبي، بإجراء حوار مضمون حول آليات تحديد خارطة طريق واضحة المعالم للمرحلة الانتقالية، من أجل بناء الدولة الديمقراطية وشروط الذهاب إلى انتخابات رئاسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترجمة الغضب على رؤوس السياسيين.. محاكمات شعبية أم عنف يهدد سلمية الحراك؟

القبض على زعماء "العصابة" وخطاب بن صالح بلا ضمانات