18-سبتمبر-2021

الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة (الصورة:Getty)

منذ أن وصل عبد العزيز بوتفليقة (1937 - 2021) إلى سدّة الحكم، ظلّ الجزائريّون ينقسمون على وجوده والقرارات التّي اتّخذها أو اتُّخذت باسمه. ففي الانتخابات الرّئاسيّة الأولى التّي فتحت له قصر المراديّة، انسحب زملاؤه في التّرشّح وأنصارهم فيما واصل هو وأنصاره.

مثلما انقسم حوله الجزائريّون حيًّا هاهم ينقسمون حوله ميّتًا؛ بين معدّد لعيوب سنوات حكمه، ومترحّم عليه ومذكّر بإنجازاته وخصاله

وفي الانتخابات الثّانية عام 2004 وقف شطر من الجزائريّين مع خصمه ورئيس حكومته علي بن فليس ووقف شطر معه. غير أنّه حاول تدارك ما فاته من أصوات ذهبت إلى منافسيه بطرح قانون المصالحة الوطنيّة الذّي كان أنصاره أكبرَ من معارضيه؛ ثمّ عاد الانقسام الشّعبيّ عام 2008 حين عدّل بوتفليقة الدّستور بما يجعل عهداته الرّئاسيّة مفتوحةً، وهو المعطى الذّي أثار عليه كثيرًا من الاعتراضات حين ترشّح لعهدة رابعة عام 2014؛ وكان ذلك مقدّمةً لانقسام شعبيّ عليه بسبب الجلطة الدّماغيّة التّي أصابته؛ فجعلت ظهوره طفيفًا ونقلت ختم الجمهوريّة لشقيقه ومستشاره بوتفليقة السّعيد على مدار خمس سنوات انتهت باعتراض عارم على عهدة خامسة له جسّدها الحراك الشّعبيّ والسّلميّ مطلع 2019؛ بما دفعه إلى الاستقالة والدّخول في نوبة من الصّمت والغياب إلى أن أعلنت رئاسة الجمهوريّة؛ الجمعة، رحيله عن عمر ناهز 84 سنة.

اقرأ/ي أيضًا: وفاة سابع رؤساء الجزائر عبد العزيز بوتفليقة

ومثلما انقسم حوله الجزائريّون حيًّا هاهم ينقسمون حوله ميّتًا؛ بين معدّد لعيوب سنوات حكمه التّي نافست في عددها كلّ سنوات حكم سابقيه الثّمانية، ومترحّم عليه ومذكّر بإنجازاته وخصاله. تقول المصوّرة ياسمنة فرحات: "اللّهمّ لا شماتة في الموت. من أراد أن يترحّم فليترحّم؛ ومن لم يرد فليكفّ أذاه عمّن يترحّم. حرّيتك تتوقّف عند حرّيّتي. وأصلًا الإنسانية لا تتجزّأ. هو الآن عند مولاه". ويقول الصّحفيّ أبو طالب شبّوب في السّياق: "صحيح إذا مات الإنسان فقد انتهت الخصومة الدّنيويّة؛ ولكنّ البعض شرع في المزايدة! بل إنّ بعضهم أخذته (القشعريرة) فراح يخترع للرّجل حسناتٍ لا يقرّها هو نفسُه.

نداء لجميع الإخوة مرهفي الحسّ المتعاطفين: من فضلكم. اضبطوا مشاعركم كي نضبط ألسنتنا. رحم الله محمّد تامالت". في إشارة إلى موت الكاتب الصّحفيّ في سجن بوتفليقة عام 2016 بتهمة الإساءة إلى الرّئيس. وفيما تساءل النّاشط الرّياضيّ جمال مسعودان عن طبيعة جنازة الرّئيس السّابق هل ستكون عاديةً بحكم أنّه مخلوع من طرف قوى الحراك الشّعبيّ أم ستكون رسميّة بحكم امتلاكه للقب رئيس، وفي مقابل كتابة الفنّان المسرحيّ بودشيش بوحجر: "مات من أخّر الجزائر عشرين عامًا. سيتولّاك الله يا بوتفليقة"، كتب الفنّان المسرحي أمين قناديل: "لم يجد الرّجال. لم يجد إلّا الخونة والسّرّاقين. رحمك الله أيّها الرّئيس". 

ولأنّ الأطفال الذّين ولدوا في العام الذّي تولّى فيه عبد العزيز بوتفليقة الحكم، صارت أعمارهم عشرين عامًا بالضّبط عند استقالته، فقد راح بعض المعنيّين يذكرون ما حصل لهم خلال سنوات حكم الرّجل. من ذلك ما كتبه الجامعيّ ماهر بودمر: "يوم تولّيتَ أنت الرّئاسة كنت أنا أدرس في الصفّ الابتدائيّ الثالث. وحين عزلوك كنت أقول "ارحل" لك وللنّظام ولمن أتوا بك ولمن عزلوك. وبين هذا وذاك ذهبت عشرون سنةً من عمري".

هنا نقرأ تدوينة فيسبوكيّة للكاتب والنّاشط السّياسيّ عبد العزيز غرمول: "سيبقى يتحكّم فيكم من قبره"؛ في إشارة منه إلى انعدام الفرق بين مرحلة الرّئيس الرّاحل ومرحلة الرّئيس الحالي. وتمنّى النّاشط الثّقافيّ أيّوب روباش لو تكلم الرجل أو كتب شيئًا للتّاريخ، قبل أن يغادر كما هو الحال في كلّ دول العالم، "فليس هيّنًا أن يرحل رجل عاش الكفاح الثّوريّ، وحضر مع الكبار باكرًا في التّأسيس لبناء دولة الاستقلال بكلّ ما لازمها من تاريخ ثقيل لم يبق للأجيال منه غير ذاكرة قليلة؛ ثمّ انتهى به الحال رئيسًا للجزائر لعقدين كاملين، بعد مسكه لخيوط اللّعبة الأمنيّة ونجاحه في تفجير نادي الكبار، فتشييد دولة الرّئيس!".

تفوّق بوتفليقة الرّئيس، يواصل محدّث "الترا جزائر"، ونجح في امتحانات سياسيّة كثيرة أوّلها مشروع المصالحة وتحسين الشّروط الأمنيّة وتحدّي واقع "ربع رئيس"؛ وأخفق كثيرًا في مشروع المجتمع وامتحان التّنمية والاقتصاد الوطنيّ وحفظ المال العامّ. وأقدّر أنّه جنى شوك نرجسيته وتعاظم ذاته من خلال ما قرأته وسمعته من بعض من اشتغلوا معه رئيسًا، فانتهينا جميعا إلى أيّام أهلكت الحرث والنّسل.

إنّ موت عبد العزيز بوتفليقة قادر على أن يشكّل محطّةً مهمّةً للنّخب المختلفة فتطلق نقاشًا وطنيًّا بخصوص مآلات البلاد

إنّ موت عبد العزيز بوتفليقة قادر على أن يشكّل محطّةً مهمّةً للنّخب المختلفة؛ فتطلق نقاشًا وطنيًّا بخصوص مآلات البلاد؛ في ظلّ منظومة يبدو أنّها لا تختلف عن منظومة الأمس القريب؛ عوضًا عن الغرق في الشّكليات من قبيل هل يجدر التّرحّم عليه أم لا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جون أفريك: تجريد زوجة بوتفليقة من امتيازات دبلوماسية في فرنسا

عصر بوتفليقة.. من تقديس الوطن إلى تقديس الفرد