11-نوفمبر-2022
رضوان طاهري

رضوان طاهري (الصورة: فيسبوك)

حظي وثائقي "الساورة البرّية" لمخرجه رضوان طاهري، بمتابعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكونه عملًا وثائقيًا يرصد تفاصيل صغيرة عن الحياة البرية في الجزائر، ليس فقط بجودة عالية، بل بعين الخبير الباحث في المجال المطلع على أسراره.

رضوان طاهري: الفهد الصحراوي لم ينقرض، بل موجود في صحراء الطاسيلي

"هذا العمل حتمًا سيقود الأخ رضوان إلى مشاريع كبيرة تكتسح عالم وثائقيات الحياة البرية في العالم"، "هؤلاء هم المؤثرون الذين يستحقون كل التشجيع والإشادة ".. كانت هذه بعض ردود أفعال المعلقين حول عمل وثائقي للمخرج رضوان طاهري، وهو شاب قضى أسابيع وأشهر في البرية ليصيد لقطة نادرًا أو يعرض صورة لحيوان نادر ربما لا يعرف كثيرون أنه لم ينقرض بعد، ويعود بأسرار كثيرة كانت مخبّأة في الصحراء الجزائرية.

حيوانات

يتحدث طاهري وهو خبير في التنوع الحيواني والنباتي ومنتج أفلام وثائقيةتعنى بالبيئة والحيوانات، في حوار مع "الترا جزائر" عن عمله "الساورة البرّية" وكواليسه وأسراره ومفاجآت الحلقات المقبلة، وعن حياة البرّية والصحراء الجزائرية. وطموحاته وأهدافه .. وغيرها.

"الساورة".. "أعجوبة الجزائر"

منطقة الساورة تقع في الجنوب الغربي الجزائري، وتشمل ثلاث ولايات وهي بشار وتندوف وأدرار، وتمتد على مساحة تفوق 762 ألف كم، وأمّا تضاريسها فتتميز بسلسلة جبال الأطلس الصحراوي (جبل قروز وجبل عنتر)، إضافة إلى مساحات رملية (العرق الغربي الكبير وعرق شاش)، والوديان وأبرزها وادي الساورة، ولديها مناخين؛ مناخ شبه صحراوي ومناخ صحراوي جاف.

وللحديث عن الساورة وعجائبها، نعود إلى وثائقي "الساورة البرية" لرضوان طاهري، فرحلته ر لم تبدأ بعرض هذا الوثائقي على التلفزيون الجزائري وقناته على اليوتيوب، بل الرحلة انطلقت منذ 2001، عندما أوكل لنفسه مهمة الدفاع عن البيئة والتحسيس بالمخاطر المحدقة بها وبما تزخر به من ثورة نباتية وحيوانية.

يقول طاهري في الصدد: " في 2001 بدأت أدافع عن البيئة والنبات والحيوان في منطقة الساورة، ثم تخطيت حدود الساورة وتوسعت طموحاتي وبلغت مختلف ولايات الوطن من أجل حماية البيئة. كان تركيزي منصب على الحفاظ على البيئة والتحسيس بالأخطار التي تحيط بها وتهددها خاصة الدفاع عن الحيوانات المهددة بالانقراض. وضعها حرج جدًا".

ومقارنة ببدايته تأخر ظهوره إعلاميًا وفي الساحة الوطنية كناشط وخبير في التنوع الحيواني، بحيث أرجع ذلك قائلًا: " نعم ظهوري الإعلامي وبروزي في الساحة تأخر نوعًا ما، بحكم أنني قضيت وقتا طويلًا أبحث عن تمويل للوثائقي الذي يعرض حاليًا على التلفزيون الجزائري وعلى قناتي بموقع يوتيوب، لكن أشير إلى أنّ الوثائقي كان جاهزًا منذ 2018 والحمد لله رأى النور".

وحول الوثائقي وردود فعل الجزائريين، يوضح أنّ "التفاعل بعد عرضه على التلفزيون واليوتيوب وصفحته على فايسبوك كان إيجابيًا جدًا، والتعليقات كثيرة، تعكس شغف الجمهور والناس وتعكس محبتهم وإعجابهم بهذا العمل".

أضخم وثائقي جزائري عن الحياة البرّية

ويشير المتحدث إلى أنّ "بعض المعلقين صاروا مدمنين على الوثائقي ومتشوقين لمتابعة باقي حلقاته، وما لفت انتباهه تعليقات تترجم مدى تعلّق هؤلاء بعمله، وما اكتشفوه منذ الحلقة الأولى، وتتضمن تشجيعًا ودعمًا له ليواصل الرحلة نحو وثائقيات أخرى خاصة وأنّ أول أعماله "الساورة البرّية" جاء مميزًا شكلًا ومضمونًا، وهو أوّل وأضخم وثائقي عن الحياة البرّية في الجزائر.

 ووفق طاهري "مقارنة بالتعليقات وما قدّمه، هو أنّه حاول جاهدًا ليجعل المشاهد يعيش اللحظة، ويتتبع مسار الأحداث الواحد تلو الأخر وبتشويق كبير، كما سعى لإبراز الحيوانات خاصة النادرة منها والبعيدة عن أعين البشر، ويبرز حالتها وواقعها، من خلال تسليط الضوء عليها حتى يشاهدها الناس وحتى يقاسمه الناس هذا الحمل وهذا الهمّ، همّ الدفاع عنها وحمايتها من الانقراض، كما يفعل هو منذ سنوات؟.

صحراء

وفي ردّه على سؤاله حول تصويره لأماكن يكتشفها المشاهد الجزائري لأوّل مرّة بحسب ما ورد في تعليقات الجمهور على قناته على اليوتيوب مثل "البحيرة" الواقعة في منطقة صحراوية والتي تجمع الأسماك وأنواع مختلفة من الطيور والحيوانات، يلفت طاهري إلى "وجود بحيرات موسمية وأخرى على طول السنة، كما ينبغي متابعة حلقات الوثائقي إلى الحلقة الأخيرة لاكتشاف مسار وتاريخ البحيرات في تلك المنطقة".

وفي تفسيره لوجود بحيرات في قلب الصحراء، بالكاد يعرفها الناس، يرى أنّ "الأماكن البعيدة عن وطأة البشر وكل ما ابتعد عن الناس تجد تلك الأمكنة تنعم بالأمان والسلام، والعكس صحيح، كل ما اقترب البشر منها سواء من خلال التجارة والقوافل أو صيد المتعة يكون هناك فساد، ولا تهمّهم الكائنات الحيّة الأخرى فوق الكوكب".

ما وراء" الساورة البرّية"

وبخصوص هذا الوثائقي، يوضح طاهري وهو ناشط بيئي أيضا أنّ "العمل من 7 حلقات وكل حلقة مدتها 26 دقيقة، وهو عبارة عن توثيق الحياة البرّية في الصحراء الكبرى، وفق قصة سردية وسيناريو مدروس ومحبوك، مع الاعتماد على موسيقى من إنجازه تتماشى والمشاهد الحزينة أو الطريفة أو لحظات الخطر، ووصف عمله بـ"الخطوة العملاقة" في عالم الوثائقيات لاسيما بعد اتصال منتجين سينمائيين من سويسرا وبريطانيا به، إذ عبرّوا له عن تشجيعهم وعن طريقة وأسلوب إخراجه للعمل، مؤكدين أنّ مستقبله كبير في هذا المجال.

ثعلب

وفي الصدد يقول إنّ "القصة تعتمد على فنيات وتقنيات معينة، أمّا الصورة فسهل التقاطها، لكن أن تخلق جوًا من الأحاسيس والمشاعر للمشاهد فهذا أظنّه ميزة عملي، وكل من شاهده يدرك ذلك، وعلى سبيل المثال المقاطع الموسيقية المدرجة من توقيعي وتأليفي، فالعمل جزائري بنحو 100/100، تأليفًا وموسيقى، باستثناء بعض المقاطع العالمية التي وظفتها لوصف بعض المشاهد، لذلك حضرت السيميائية ولغة الإشارات والعناوين أيضًا جاءت متنوعة، فلكل حلقة عنوان معين".

وحول الصعوبات التي واجهتها، طوال سنوات تصوير العمل، يكشف رضوان طاهري أنّه "قام بتصوير العمل وتمويله من ماله الخاص، ونظرًا لشح الإمكانيات والدعم المادي ومصاعب البرّية تأخر تصوير العمل، في حين مصاعب الحياة اليومية لا يمكنه أن ينقلها للمشاهدين، لألاّ ينغص عليهم متعتهم وليكون هذا العمل بمثابة مصدر راحة وسعادة لهم.

 في السياق ذاته، يوضح محدث "الترا جزائر" أنه "قضى ليال وأسابيع لتصوير مشاهد العمل، ووصل حدّ البقاء نحو أسبوعين كاملين في البراري من أجل أن يرصد لحظات حياة أو موت لحيوانات نادرة في وسطها الطبيعي وأخرى تصور لأوّل مرّة، ويوثق لحياة متخفية في الصحراء الكبرى، فضلًا على أنّ المواسم مختلفة، فكل موسم صيف أو شتاء أو ربيع مثلًا له طقوسه وأجواؤه عند الحيوانات، وكل صخرة أو تلة وراءها حكاية وقصة، وهو ما يلّمح إليه في الحوار الذي يتضمن مصطلحات ببلاغة قوية ووصف دقيق".

ولم يخف المتحدث أنّ "بعض الشخصيات رافقته في إنجاز هذا العمل من بينهم باحثين وخبراء، من خلال مرافقته بأبحاث علمية".

الوحش.. اللغز؟

وبالنسبة لما أسماه في الوثائقي بـ"الوحش" والذي لا يزال مفاجأة للجمهور، يشير إلى أنّ "الوحش الذي يتحدث عنه العمل، سيكون مرفوقًا ببحث علمي سيصدر لاحقًا بعد آخر حلقات الوثائقي، وسيميط اللثام عنه، باعتبار أنّ دلائل علمية تثبت صحة وجود هذا الوحش قبل 60 عامًا في منطقة الساورة والصحراء الجزائرية الكبرى.

وحول ما إذا كان للفهد الصحراوي الذي ظهر قبل نحو ثلاث سنوات في صحراء الطاسيلينازجر، علاقة بـ"لوحش" ينفي ذلك، ويقول: "الفهد الصحراوي لم ينقرض، بل موجود في صحراء الطاسيلي، غاب 10 سنوات، وعاد، لكن تبقى أعداده قليلة جدًا في صحرائنا، وفي العالم موجود حوالي 200 فهد، أمّا "الوحش" الذي يتحدث عنه الوثائقي فانقرض منذ 60 سنة أو أكثر".

محميات طبيعية .. متى؟

 وفي ختام حديثه يكشف رضوان طاهري أنّه يعكف حاليًا موازاة مع عرض الوثائقي على التحضير لعمل وثائقي جديد يعنى دائما بالبرّية والحيوانات والبحوث العلمية في هذا المجال، وفق حديثه.

ويدعو عبر منبر "الترا جزائر" إلى ضرورة أن يكون لدى المواطن وعي بالبيئة وكنوزها النباتية والحيوانية، لأنّه يريد –على حدّ تعبيره- برمجة عقول الناس من أجل فكر أرقى غايته الحفاظ على البيئة وكوكبنا "الجزائري" والتفكير في الخلق والوجود.

رضوان طاهري: "الوحش" الذي يتحدث عنه الوثائقي انقرض منذ 60 سنة أو أكثر

وما تتضمته رسالته أن يتم إنشاء محميات طبيعية في الجزائر" للحفاظ على الثروة الحيوانية والنباتية، فهو بدافع الوطنية ودون بحث عن المال أو الشهرة فضّل أن تكون انطلاقته من الجزائر بعرض عمله على قناة جزائرية، بحيث كان في وسعه عرضه في قنوات عالمية بحسب تصريحه.