16-أغسطس-2019

هشام قاوة (الموسطاش)

شغل هروبُ نمر من حديقةٍ للحيوانات في مدينة تُقُرت بمحافظة ورقلة (800 كلم جنوب الجزائر العاصمة) اهتمام روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، خصوصًاً أنَّ الحادثة شهدت نهايةً حزينة تمثّلت في قتله رميًا بالرصاص.

كُلّفت فرقة مختصّة بمطاردة النمر لإرجاعه إلى القفص غير أن تدخّل الجيش انتهى بإطلاق النار عليه

وبينما انشغل البعض، خصوصًا المدافعون عن حقوق الحيوانات، بمصير النمر ووحشية الصور التي تُظهِر أشخاصًا ينكّلون بجثّته، التفت آخرون إلى الواقع المُزري لقطاع الصحّة في المدينة الصحراوية التي كشفت الحادثة أنّ مستشفياتها لا تتوفّر على مواد مخدّرة.

اقرأ/ي أيضًا: بعوض النمر في الجزائر.. فيروسات الأماكن النظيفة

بدأت الحكاية مع انفلات النمر، صباح أمس الخميس، من حديقة "مسعودي بارك" التي تعود ملكيتها لأحد الخواص، وهو ما أثار حالةً من الهلع بين سكّان المنطقة، خصوصًا بعد تداول فيديوهات تُظهره وهو يتجوّل بحريّة في شوارع المدينة.

خُصّصت فرقة مختصّة في صيد الحيوانات لتتبّع النمر والقبض عليه وإرجاعه إلى قفصه. غير أنَّ عملية التمشيط، التي قامت بها قوّاتٌ من الدرك والجيش مع بعض مواطني المدينة، انتهت بإطلاق الرصاص على النمر الهارب وقتله، وهو ما برّرته مصادر محليّة بتعذُّر السيطرة عليه ومحاصرتِه في منطقة خالية من السكّان.

وأثارت تلك النهاية استياءً عارمًا على الشبكات الاجتماعية التي تداول روّادها صورًا لأشخاصٍ مع النمر بعد قتله، مُستنكرين قتل وتعذيب حيوان مهدَّد بالانقراض.

على صفحتها في فيسبوك، تساءلت الصحافية فاطمة بارودي: "بعد قتله، لماذا تُرك النمر بين أيدي أشخاصٍ يلتقطون صورًا معه؟ مَن أمر بسلخه ولماذا؟ وهل ستُتّخَذ إجراءات عقابية ضدّ الجهلة الذين صنعوا حدث اليوم؟".

واعتبر آخرون أنَّ قتل النمر كان ضروريًا درءًا لمفسدة أكبر تتمثّل في تعريضه حياة الناس للخطر، بينما ذكّر البعض بحوادث مماثلة؛ من بينها قتلُ نمر فرّ من سيرك في العاصمة الفرنسية قبل سنتَين.

في حديثه إلى "الترا الجزائر"، يقول الصحافي أبو طالب شبّوب إنَّ الحادثة جعلته يكتشف عدم توفُّر مستشفيات المدينة على مواد مخدّرة، مضيفًا أنَّه، وبسبب ذلك، يجري إرسال كثير مِن المرضى إلى مدنٍ أُخرى لإجراء عمليات بسيطة، معلّقًا: "لنُلاحظ بأنّنا نتحدّث، هنا، عن مواد لتخدير البشر، فما بالكم بالحيوانات؟".

يُوضّح شبّوب بأنّ النمر ظلّ، بعد انفلاته، يتجوّل قريبًا من الأحياء السكنية، ما يعني أنَّ كلّ دقيقةٍ تمرّ وهو خارج القفص كانت تُشكّل خطرًا حقيقيًا على حياة المواطنين، وهو ما جعل التدخُّل الأمني بمثابة حلٍّ وحيد في ظلّ تلك الظروف.

لكن، هل كان قتلُ النمر ضروريًا، إذا كان بالوُسع الاكتفاء بإصابته؟ يُجيب الصحافي، الذي ينحدر من مدينة تقرت،بالقول إنَّ "وحشًا جريحًا أخطرُ من وحش سليم".لكنّه يضيف: "أمّا ما حدث من تنكيلٍ به، فهو جريمة قطعًا، وما كان يجدر بالمسؤولين الأمنيّين السماح بها.كان عليهم مصادرة الجثّة والتحفُّظ عليها ودفنها لاحقًا بالتنسيق مع المصالح البيطرية".

بالنسبة إلى شبّوب، فإنَّ مَن يتحمّل مسؤولية ما حدث هو منَ منح رخصة فتح حديقة للحيوانات لمستثمرين لا يملكون الدراية الكافية بتأمين حديقتهم، ولا يملكون جهازًا بيطريًا يُوفّر مواد تخدير لاستعمالها إذ أُصيبت بأمراض تطلّب التدخُّل الجراحي، أوانتابتها حالات هياج غير مبرّر، أو لمعالجة مواقف غير متوقَّعة.

بحسب ناشطين، فقد طلبت السلطات المحلية حُقنةً مُخدّرةً من مدينة ملية التي تقع في الشرق الجزائري بعد هروب النمر عند الثامنة صباحًا، لكنّ تأخُّر وصولها اضطرّهم للتعامل مع الوضع عند الواحدة ظُهرًا. وكتب بعضهم: "قبل أنْ نطالب الدولة بتوفير حقن لتخدير الحيوانات، علينا أنْ نطالببتوفيرها للبشر".

من جهته، أوضح الناشط في مجال البيئة، إسلام العنقاوي، أنَّ الأمر يتعلّق بذكَرٍ من فصيلة النمر البنغالي المهدَّد بالانقراض، ويبلغ من العمر أحد عشر شهرًاً، قائلًا إنّه فرّ من الحديقة بعد تعرُّضه لاستفزاز من طرف بعض أعوان الحراسة.

وفي شريط فيديو نشره على فيسبوك، قال العنقاوي إنَّ هروب حيوانٍ مفترسٍ أمرٌ وارد الحدوث في جميع حدائق الحيوانات في العالَم، لكنَّ الذين كُلّفوا بالقبض على النمر في تُقُرت تصرّفوا بشكلٍ خاطئ؛ إذْ كانَ بالإمكان إعادته إلى قفصه بسهولةٍ بالنظر إلى صغر سنّه، بعد محاصرته واصطياده بشبكة، مضيفًا أنَّ حالة الهرج والمرج في المحيط عقّدت من العملية.

يُضيف العنقاوي، الذي كان يستعدّ للتنقّل إلى ورقلة قبل أن يجري إعلامه بقتل النمر، بأنَّ غياب مسدّس تخدير عن حديقة الحيوانات يثير تساؤلاتٍ عن معايير منح رُخص لفتح حدائق للحيوانات، مُشيرًا إلى بعض الشروط الضرورية التي يجب توفّرها في حدائق الحيوانات؛ مثل احترام مسافة الأمان بين الأقفاص والزوّار، ووجود بيطري، وتوفير لقاحات ومواد مخدّرة، مُعتبراً أنَّ النمر هرب مرّتَين: من القفص، ومن الحديقة.

وعلّق المتحدّث، أيضًا، على صورة تُظهره وهو يقوم بسلخ نمر، وجرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها للنمر الهارب، موضّحًا أنّ الأمر بتعلّق بلبؤة قام بتشريحها داخل مخبرٍ بـ "حديقة التجارب" بالجزائر العاصمة، بشكل قانوني، ولأغراض علمية.

أثارت الحادثة أيضًا تعليقاتٍ ربطتها بالوضع السياسي في البلاد؛ إذ كتب الناشط  Ab Chington: "كان بالإمكان تنويم النمر بحقنة مخدّرة وإعادته إلى الحديقة. لكنّ هذه الأخيرة لم تكن متوفّرة فجرى قتله على طريقة الجنرال خالد نزار الذي قال يومًا: "لقد استخدمنا الرصاص الحيّ ضدّ الشعب لأنه لم يكن عندنا رصاص مطّاطي".

تعليقات كثيرة ربطت حادثة قتل النمر الهارب بالوضع السياسي في البلاد

أمّا فنّان البوب آرت هشام قاوة، المعروف باسم "الموسطاش"، فنشر رسمةً استعاد فيها بطّانية النمر الشهيرة في الجزائر، وفيها تظهر ذبابةُ، في إشارةٍ إلى "الذباب الإلكتروني" الذي يُكيّف كلّ الأحداث للترويج للسلطة و"إنجازاتها".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مدينة جزائرية تبني بيوتًا للقطط المشردة

اكتشاف "جنون الإبل" في صحراء الجزائر