10-يوليو-2019

في ذكرى رهبان تيبحيرين بالمغرب (ريفلاكس كريتيان)

طالب أهالي رهبان تيبحرين، المغتالين على يد الجماعات المسلّحة في الجزائر سنة 1996، في رسالة موجّهة إلى  قاضي التحقيق بمحكمة باريس، استدعاء كل من رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومدير المخابرات الأسبق الجنرال المتقاعد محمد مدين المدعو توفيق، وذلك لسماعهم في قضية مقتلهم.

رهبان تيبحرين نجحوا في خلق علاقات قويّة مع سكان القرية إذ وجدوا في الدير ضالتهم من علاج ودواء

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن محامي الأهالي باتريك بودوان "إن العائلات طالبوا باستدعاء الرئيس السابق بوتفليقة، بعد التأكّد من سماح حالته الصحيّة، وإعداد طلب دولي بذلك". وينتقد المحامي ما وصفه بـ "عدم تعاون السلطات الجزائرية في جمع كل المعلومات اللازمة عن ظروف اختطاف واحتجاز وإعدام رهبان تيبحيرين من قبل الجماعة الإسلامية المسلحة".

اقرأ/ي أيضًا: عن سنوات المصالحة العشر في الجزائر..

الموت في الجنّة

تيبحيرين، هي قرية صغيرة تقع في أعالي جبال ولاية المدية الداخلية، ارتبط اسمها بالكنيسة التي تأسّست بها سنة 1938خلال الحقبة الاستعمارية، مباشرة بعد الاستقلال هاجر كثير من الفرنسيين والمعمّرين الأوروبيين وتركوا وراءهم منازلهم ومزارعهم، العديد من الكنائس أغلقت أيضًا  بعد أن غادرها رهبانها ومسيّروها، فيما بقيت بعض الكنائس خاصّة الكبيرة منها مفتوحة، كما هو الأمر بالنسبة لدير تيبحيرين الذي وافقت السلطات الجزائرية على أن يبقى الرهبان فيه شريطة أن لا يتجاوز عددهم 12 راهبًا.

بقي رهبان الدير متعايشين مع أهل القرية، ويستغلّون الأراضي الفلاحية نفسها، إلى حين بداية العشرية السوداء مطلع التسعينيات، حينها طلبت أغلب الدول الأوروبية من رعاياها مغادرة الجزائر وحذّرت من السفر إليها والعمل بها، خاصّة بعد بداية نشاط الجماعات الإرهابية التي كانت تستهدف مباشرة  مؤسّسات الدولة والأجانب المقيمين في الجزائر.

رهبان تيبحرين نجحوا في خلق علاقات قويّة مع سكان القرية، فالقرية التي كانت تفتقر إلى مستوصف وجد سكانها في الرهبان ضالتهم في العلاج والحصول على الدواء، فضلًا على ذلك لم يُحاول رهبان الدير تنصير الأهالي، بل كان القرويون يشاركونهم في زراعة الأراضي الفلاحية ويشتغلون في مزارعهم ويشترون غلالهم ومحاصيلهم. لقد أصرّ الرهبان على البقاء في القرية رغم التهديدات وغياب الأمن.

في ليلة السادس والعشرين من مارس/ آذار 1996، اقتحمت الجماعات الإرهابية الدير، واختطفت سبعة رهبان من أصل تسعة كانوا موجودين في المكان وقتها، لتنطلق مفاوضات ماراطونية مع السلطة لإطلاق سراحهم، لكن الأمر انتهى ببيان أصدرته الجماعة المسلحة في 21 مايو/ أيّار من السنة نفسها، تُعلن فيه تصفيتها لجميع المختطفين، أيامًا بعدها يتمّ العثور على رؤوس الرهبان مفصولين عن أجسادهم التي لم تظهر إلى اليوم.

بعد مرور أزيد من عشرين عامًا عن الحادثة، وبعد عودة الأمن لمنطقة تيبحيرين التي عانى سكانها من ويلات الإرهاب، أصبحت تلك القرية مزارًا أسبوعيًا لعديد المجموعات السياحية القادمة من ربوع الوطن، وبات دير تيبحيرين المقصد الأوّل لزائري القرية، مكان هادئ وجميل يتوسّط غابات كثيفة، يتجوّل الزوّار داخل الدير، يكتشفون المكان الذي تطوف في زواياه أرواح الرهبان، الماثلة في صورهم المعلقة على أسوار الحجرات الصغيرة، يحاولون جمع أكبر قدر من المعلومات الرهبان القائمين عليه اليوم، والذي يفرحون كثيرًا بعودة الحياة إلى ديرهم الذي ارتبط قبل سنوات بذكريات أليمة.

أداة ضغط؟

لقد كان واضحًا في رسالة أهالي الرهبان الأخيرة، أنّهم يرجّحون تورّط المخابرات الجزائرية في اغتيال الرهبان، وذلك هو سبب طلبهم سماع أقوال المدير الأسبق للمخابرات الجنرال توفيق، كما أن تقرير الخبرة المقدّم في فيفري/ شبّاط 2018، عزّز الشكوك حول النظرية المقدّمة سابقًا من السلطة الجزائرية، حيث أن تقرير الطب الشرعي خلص إلى أن الرهبان قتلوا قبل التاريخ الرسمي للجريمة. بل إن التحقيق اتجه أيضًا إلى فرضية حصول خطأ ارتكبه الجيش الجزائري، وقام بقصف الجماعة الإرهابية والرهائن المختطفين وقتل الجميع.

رغم أن الجزائر قبلت في ديسمبر/ كانون الأوّل 2018، إقامة مراسيم تطويب الرهبان  في كنيسة سانتا كروز بمدينة وهران،  حيث ارتقى رهبان تيبحيرين إلى مصاف الشهداء حسب الأعراف المسيحية، إلا أن ملف اغتيال الرهبان يبقى محل تجاذب بين البلدين؛ فالجزائر تستند إلى اعتراف تنظيم "الجيا" الإرهابي بالجريمة، لكن السلطات الفرنسية تطلب في كل مرّة فتح الملف من جديد وإعادة التحقيق فيه.

من جهته، سبق وأن انتقد الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الداخلية الفرنسي إيف بوني، الحملة المسعورة التي تقودها أطراف سياسية وإعلامية فرنسية ضدّ الجيش الجزائري وضدّ جهاز مخابراته، حيث أكّد أن  المؤسّسات الأمنية الجزائرية قامت بكامل واجباتها تجاه تأمين الرهبان وعرضت عليهم السلطات الجزائرية في ذلك الحين حلولا تأمينية، وقال بأنّ الاعتداء الإرهابي ضدّ الكنيسة ورهبانها كان متوقعًا من قبل أجهزة مخابرات البلدين، لكن الرهبان هم من رفضوا تلك الحلول التي كان من بينها نقلهم للإقامة بالجزائر العاصمة مؤقتًا.

تجارة الموت

لقد كان الجميع يرى في تطويب الرهبان نهاية لهذه القصّة الأليمة، لكن عودة فتح ملف القية مجدّدًا يطرح تساؤلات عديدة عن خلفيات ذلك، خاصّة مع الأحداث الأخيرة التي تعيشها الجزائري، كما يتساءل آخرون عن جدوى استدعاء الرئيس السابق بوتفليقة للتحقيق معه والحادثة جرت قبل تولّيه الرئاسة في الجزائر، ممّا جعل هذا الطلب غير موضوعي، إذ لا علاقة له بالقضية إلا أن كان الطرف المدني في القضية  والمتمثّل في عائلات الرهبان يمتلك معلومات لم يتمّ الكشف عنها وهذا أمرٌ مستبعد.

هل تستخدم فرنسا هذه القصّة المحزنة لتهدّد  بعض كبار ضباط الجيش والمخابرات؟

قبل خمس سنوات تم نبش قبور رهبان تيبحيرين، وتحويل عينات من جماجمهم من أجل الاختبار والتحقيق، وذلك عشية الانتخابات الرئاسية السابقة، فهل تستعمل فرنسا أرواح الرهبان كورقة سياسية رابحة تجني من وراءها نفوذًا لا تريد التفريط فيه؟ وهل تستخدم فرنسا هذه القصّة المحزنة لتهدّد  بعض كبار ضباط الجيش والمخابرات؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإسلاميون في الجزائر...المجد الضائع

تفجير إرهابي يستهدف الجزائر.. ومواطنون: "بلادنا مقبرة الإرهاب"