15-يونيو-2016

أحد محلات بيع الزلابية في الجزائر(فيسبوك)

تختلف الروايات الذاهبة إلى تحديد منشأ الزلابية اسمًا وموطنًا، غير أن السائد في المغرب العربي، الذي تتنافس بلدانه الواقعة على البحر الأبيض في صناعتها واستهلاكها، أنها كانت ضمن الأطعمة والحلويات التي نزحت من الأندلس، بعد سقوط غرناطة في القرن الخامس عشر، ويقال إن زريابًا هو من أدخلها أصلًا إلى الجنة الأندلسية، جنبًا إلى جنب مع الوتر الخامس، فجمع بذلك بين حلاوة العزف وحلاوة الطعام.

تتنافس بلدان المغرب العربي، الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، في صناعة الزلابية واستهلاكها

يكاد لا يخلو تجمع سكاني في الجزائر، من محل لبيع الزلابية، قد يكتفي بها وقد تكون إلى جانب حلويات شعبية أخرى، مثل المقروض والقطايف وقلب اللوز، ولأن التونسيين هم من أشرف على فتح بعض هذه المحلات، خلال الفترة الفرنسية، ثم تكاثروا في العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال الوطني، 1962، خاصة في الشرق، فقد بقي "الزلابجي" في الجزائر، بائع الزلابية، يسمى التونسي.

يخضع استهلاكها في الشهور العادية للمزاج أحيانًا، وللصدفة أحيانًا أخرى، غير أنه يصبح عادة مجتمع كامل، خلال شهر رمضان، حتى أن فتح محلات جديدة، عادة ما تكون متخصصة في تجارات أخرى قبل رمضان، يشكّل علامة على أنه بات على الأبواب.

تتنوع الزلابية في الفضاء الجزائري، من حيث الأشكال والأذواق والألوان والمكونات، غير أنها لا ترقى إلى منافسة "زلابية بوفاريك"، حضورًا وشهرة وانتشارًا، إلى درجة أنها تشكل مصدر حنين للمهاجرين الجزائريين في القارات الخمس، ومصدر تشهٍ للمقيمين على الحدود الجنوبية، رغم أن المسافة لا تقل عن ألفي كيلومتر.

تنسب هذه الزلابية إلى مدينة بوفاريك، 30 كيلومترًا جنوب الجزائر العاصمة، أنشئت عام 1836 بقرار من برتراند كلوزال في قلب "المتيجة"، أكبر وأخصب سهل في الجزائر، فبات ذكر بوفاريك يحيل عفويًا على ذكر زلابيتها التي ترتبط بعائلات معينة ورثت "الصنعة" عن الأجداد منذ القرن التاسع عشر، أشهرها "شبوب" و"أكسيل" و"لوكيل"، ولها في الحفاظ على الوصفة الخاصة بها، حتى لا تتسرّب إلى الغير، فيتم تقليدها، إجراءات صارمة، منها أنها تشترط على من يخطب بناتها ألا يفرض عليهن الكشف عنها.

يصف بعض الثوريين الذين شاركوا في ثورة التحرير خلال خمسينيات القرن العشرين "زلابية بوفاريك" بالأكلة المجاهدة، لأنها كانت من الإكراميات التي تغدق بها عائلات المدينة على الثوار في الجبال وفي السجون، خاصة "سركاجي"، أقدم وأشهر سجن في الجزائر خلال فترتي الاحتلال والاستقلال.

يصف بعض الذين شاركوا في ثورة التحرير "زلابية بوفاريك" بالأكلة المجاهدة، لأنها كانت من الإكراميات التي تغدق بها عائلات المدينة على الثوار

يعد السير في الطرق الرابطة بين "بوفاريك" والمدن المحيطة بها، العاصمة والمدية وحجوط والأخضرية، نفس المسافة تقريبًا، خلال الساعات الأربع التي تسبق أذان المغرب، مغامرة قد تنتهي بأن يؤذّن عليك وأنت عالق في الزحمة، لأن آلاف السيارات تكون إما عائدة من عاصمة الزلابية أو ذاهبة إليها. شباب وكهول وشيوخ مصحوبون بأصدقاء أو جيران أو أقارب، بعضهم يقصدها مرات محدودة خلال رمضان، والبعض يفعل ذلك طيلة أيامه.

يقول حسين. ن، عون استقبال في فندق بمحافظة بومرداس، 50 كيلومترًا شرقًا، إنه يتوجه بسيارته، رفقة صديقيه، في عطلة نهاية الأسبوع، ليجلب "زلابية بوفاريك": "تستغرق الرحلة أربع ساعات ذهابًا وإيابًا، ولا أكتفي بشراء كمية لأسرتي فقط، بل لأسر أخواتي وإخوتي وبعض معارفي أيضًا، ذلك أنها من أفضل ما يُهدى في رمضان".

تزدهر الزحمة أكثر في المحوّل الذي يربط المدينة بالطريق السريع، حيث يعمد كثير من مستعمليه، قاصدي المحافظات البعيدة، سواء من جهة الشرق أو الغرب، إلى التضحية ببعض الساعات من أجل أن يحظوا بـ"السلطانة الحلوة".

هناك تستطيع أن تجد سيارات من تلمسان ووهران وقسنطينة وعنابة والجلفة والأغواط والمسيلة وسطيف. يقول سليمان. ج، صاحب محل للهواتف النقالة في محافظة عين الدفلى، 150 كيلومترًا غربًا، إنه يسخّر المحل خلال رمضان لبيع زلابية بوفاريك. "أنتقل يوميًا لشحن كميات منها، وإعادة بيعها في محلي، فأجني بذلك في شهر واحد، ما أجنيه من بيع الهواتف النقالة في نصف عام".

كما يمكنك أن تجد أمام محلات الزلابية في شوارع المدينة، منها "شارع بوعلام شرشالي" كتابًا وفنانين وإعلاميين ورياضيين وسياسيين وأطباء ومهندسين ومعماريين وباحثين جامعيين وسائقي سفارات دول إسلامية، ينتظرون أدوارهم في طوابير تمتد مائة متر أمام المحل الواحد.