27-يونيو-2019

مغنّي الراب سولكينغ (فيسبوك/ الترا جزائر)

رغم الجماهرية الواسعة التي يحظى بها فنانو الجزائر في المغرب، خاصّة الذين يؤدّون أغنية الراي والأنواع الشبابية، إلا أن بعضهم  وقعوا عدّة مرّات ضحية تجاذبات سياسية بين البلدين، بسبب مواقفهم من قضية الصحراء، إذ كان آخرهم مغني الراب سولكينغ الذي يحظى بانتشار واسع بين شباب اليوم في فرنسا والدول المغاربية.

تؤيّد الجزائر مقترح البوليساريو بتنظيم استفتاء شعبي في ملف الصحراء،  بينما تتمسّك الرباط بالحكم الذاتي الذي يُبقي الإقليم مغربيًا

تؤيّد الجزائر مقترح جبهة البوليساريو، المطالب بتنظيم استفتاء في الصحراء المُدرجة قضيتها ضمن ملفات "تصفية الاستعمار" على مستوى الأمم المتّحدة، في حين تتمسّك الرباط بمقترح الحكم الذاتي الذي يُبقي إقليم الصحراء مغربيًا.

اقرأ/ي أيضًا: سولكينغ ستايل.. مزيج بين موسيقى الراب والأنمي الياباني

تتّهم المغرب الجزائر بأنها طرفٌ في هذا النزاع، في مقابل ذلك تعتبر الأمم المتحدة، الجزائر وموريتانيا، مجرّد بلدين ملاحظين في المفاوضات بين البوليساريو والرباط.

شكّل هذه الملفّ على الدوام نقطة خلاف بين الجزائر والمغرب؛ ومطيّة لجدال كبير تغذّيه الاتهامات المتابدلة بين السياسيين وأحزاب البلدين، وخلافًا تقليديًا أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حين يتعلّق الأمر بمواقف النجوم من فنانين ولاعبي كرة القدم في هذا الموضوع، إذ في كثير من الأحيان تسعى وسائل إعلامية إلى توريط هؤلاء الفنانين، وتدفعهم لإبداء مواقفهم من قضية الصحراء.

ليس آخر الضحايا

لم يشفع الانتشار الواسع الذي حقّقه في المغرب، مغنّي الراب الجزائري عبد الرؤوف دراجي المعروف بـ"سولكينغ"، في تجنيبه انتقادات لاذعة من معجبيه هناك،عقب حفل أحياه مؤخّرًا بمدينة بلباو الأسبانية رفع خلاله علم الصحراء الغربية.

ورافق هذا الانتقاد هجومًا من طرف الصحافة المغربية، خاصّة وأن منظّم الحفل من أصل مغربي، والذي وجد نفسه هو الآخر وسط زوبعة من الانتقادات وصلت حتى إلى تهم بالتخوين، ما جعله يوضح أن سلوك سولكينغ كان عفويًا ولا يحمل أي خلفية سياسية.

وحسب ما رواه سولكينغ في فيديو نشره على حسابه في إنستغرام، ولقي تداولًا واسعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإنه كان يعتقد أن العلم الذي رفعه رفقة العلمين الجزائري والمغربي، علمًا فلسطينيًا بالنظر إلى التشابه الكبير بين رايتي الدولتين.

وقال سولكينغ، "لقد غنيّت في حفل ببلباو نظّمه متعهّد مغربي، وحضر جمهور من المغرب وتونس والجزائر كالعادة، فأعطاني الحضور علم المغرب فرفعته وأعطوني علم الصحراء الغربية فرفعته أيضًا لأنني اعتقدت أنه علم فلسطين.

واستدرك سولكينغ "ولكن حتى لو كنت أعلم أنه علم الصحراء الغربية، فإنني لن أرفضه وأتركه على الأرض، فقبل كل شيء نحن كلّنا مسلمون ومغاربة ولا داعي للدخول في قضايا سياسية".

لكن هذا التوضيح لم يستطع إيقاف موجة الانتقادات التي وجّهت إلى صاحب أغنية "لا ليبارتي"، فقد اعتبرته الصحافة المغربية اعتذارًا، بينما اعتبره بعض الجزائريين تراجعًا عن موقف دعم الحركات التحررية التي يؤمن بها جميع الجزائريين من أجل الحفاظ على مصالحه الفنية الشخصية.

إمساك العصا من الوسط

يبدو أن سولكينغ يرغب في إرضاء الجميع وعدم إغضاب أي طرف، والنأي بموسيقاه عن أيّ جدال سياسي، ليحذو بذلك حذو عدّة فنانين حرصوا على أن يتصرّفوا تحت شعار عدم معرفة كواليس السياسة، وأن الفنّ لا جنسية له.

لعلّ أبرز هؤلاء الفنانين إثارة للجدل، ملك أغنية الراي الشاب خالد الذي يعترف في أكثر من مرّة بالصحراء الغربية، كان آخرها إحياؤه حفلًا في ولاية تندوف جنوب غرب الجزائر التي تحتضن مخيّمات اللاجئين الصحراوين الفارّين من الحرب التي وقعت بين جبهة البوليساريو والمغرب.

تسبّب هذا الموقف في هجوم كبيرٍ على الشاب خالد - الذي يحمل أيضًا الجنسية المغربية - من جماهيره في المغرب، ولكنّه كان لا يتردّد في كل مرّة على التأكيد أنه صديق مقرّب من العاهل المغربي محمد السادس.

من جهته، حرص مغنّي الراي الشاب بلال على عدم الدخول في متاهات الصراع السياسي بين البلدين؛ إلا أن ذلك لم يشفع له في الوقوع في زلّات سببت له متاعب مع الصحافة المغربية، بعد أن قال في تصريح تلفزيوني إنه ليس في حاجة للجنسية المغربية لأن حصوله عليها لن يضيف له شيئًا.

رأي محايد

فضّل بعض الفنانين الجزائريين الاصطفاف مع الموقف المغربي الذي يتعارض مع موقف بلادهم من قضية الصحراء، وفي مقدّمتهم مغنّي الراي رضا الطالياني، الذي قرّر العيش هناك بعد أن تزوّج من مغربية، ما جعلهم دائمي الحضور في الإعلام والمهرجانات التي تنظّم هناك.

وكانت إدارتا الإذاعة والتلفزيون الجزائريين الحكوميين، منعتا بثّ أغاني رضا الطالياني عبر تردّداتها، بسبب إقدامه على رفع العلم المغربي، أثناء إحيائه حفلًا في مدينة العيون، التي تعتبرها الجزائر وجبهة البوليسار مدينة محتلّة، وعاصمةً لـ"الجمهورية العربية الصحراوية".

وفي رمضان 2016، نشر رضا الطالياني على حسابه في فايسبوك صورتين للقاء جمعه في الشارع مع الملك المغربي، وعلق قائلًا "في ذكرى ليلة القدر، هديّة من عند الرحمان، ملاقاة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، نعم التواضع، أحبّكم في الله".

تعرّض الطالياني مرّة أخرى لموجة حادّة من الانتقادات بعد نشره لهذا التعليق، دفعته للظهور مجدّدًا والردّ على منتقديه الذين هاجموه بسبب مدحه للعاهل المغربي.

قضية البوليساريو غالبًا ما تظهر في شكل خلافات غير مباشرة بين الجزائر والمغرب بينما ينأى كثير من مثقّفي البلدين عن الخوض في هذه التجاذبات

الأكيد أن متاعب الفنانين الجزائريين مع الصحافة المغربية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي لن تتوقف عند هذا الحدّ، سواء علّقوا أو التزموا الصمت بشأن قضية الصحراء، لكنّ هذا الجدل غالبًا ما يدور مع الجهات الرسمية بين البلدين ولو بشكل غير مباشر، بينما ينأى كثير من مثقّفي الجزائر والمغرب عن الخوض في هذه التجاذبات، وهو ما يتجسّد في البيانات الموقّعة بين الطرفين في التظاهرات الثقافية، تطالب بفتح الحدود بين البلدين ووضع حدّ لهذه الخلافات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"عبد القادر يا بوعلام".. قصيدة صوفية أوصلت الراي إلى العالمية

أمزيك.. ثلاثي الأغنية القبائلية المعاصرة