08-يوليو-2022

أجواء العيد في حي القصبة العتيق بالعاصمة (فاروق بتيش/ أ.ف.ب)

يرتبط انتشار باعة الأرصفة في الجزائر في كثير من المناسبات الاجتماعية الدينية، إذ تنشط حركة البيع والشراء في الأسواق والمحلّات وحتى على الأرصفة خاصة في الأحياء الشعبية، فتزامنًا مع مناسبة عيد الأضحى، تتجدّد تجارة الفحم وأدوات الشّواء إضافة إلى التّوابل بمختلف أنواعها، رغم ارتفاع أسعار الأضاحي وغلاءها حتّى الأيام الأخيرة قبل يوم النحر.

أخرجت هذه الحِرفة عشرات المهنيين من دارة البطالة خصوصًا وأن الآلات المستخدمة في الشحذ تستحقّ الكثير من العناية والمهارة

العيد في الشّوارع

في حي "بلكور" الشعبي، بقلب العاصمة الجزائرية، يفترش كريم ذو الـ21 سنة الأرض ويضع الكثير من أدوات الذبح والمشاوي الحديدية والسكاكين والحبال إضافة إلى أكياس من الفحم، إذ تعود على أن يلجأ لبيع هذه الوسائل في كل عيد الأضحى وحتى في المناسبات الأخرى كرمضان وعيد الفطر.

هذا الشاب لم يكمل دراسته في الثانوية، وصار بائعًا متجولًا حينًا وحمالًا في الأسواق أحيانًا كما أنه يسترزق من خلال اتّباعه للمناسبات والمواسم والفصول أيضًا، إذ قال لـ"الترا جزائر" إنه يبيع كلّ ما يتيسر له في مثل هذه المناسبات، معتبرًا ذلك "موضة البيع" التي تنسجم مع متطلّبات المواسم والأعياد التي تقتنيها الأسر الجزائرية.

كريم كغيره من الشّباب العاطل عن العمل، وجد ضالته في مثل هذه التجارة التي تبرز مع المواسم والمناسبات، إذ يعرِض البعض سلعهم في مداخل الأحياء الضيّقة، ولا يبالون بالاكتظاظ بل باتت عدة أحياء شعبية في قلب الجزائر، محلّ اهتمام الزبائن ومحط إقبالهم من القادمين من مختلف الأحياء المجاورة.

في الأعياد، يذعن الباعة لطلب الزبائن، إذ لا يستقرون على بيع سلعة واحدة، خصوصًا وأن عملية البيع تتمّ في إطار غير محدد، بل في ناصية الشارع أو أمام السوق البلدي المغطى، خاصة وأن السلطات المحلية لم تتحرك لمنعهم خاصة في مثل هذه المناسبات.

حال حي بلكور الشعبي، هو الحال نفسه في الأحياء الشعبية الأخرى، عبر مختلف مناطق العاصمة الجزائرية والمدن أيضًا، ففي منطقة الكوف، بولاية ميلة شرق الجزائر، يتوزع الباعة الصغار أيضًا، إذ يبيعون أكياس الفحم بمناسبة العيد، إذ تلقى هذه التجارة رواجًا كبيرا في عيد الأضحى لاستعمالها في الطهي وشواءً اللحم.

وقال وليد بورزامة لـ" الترا جزائر" لا عيد أضحى دون فحم وشواء، فهو نكهته المتميّزة"، لافتًا إلى أن الكيلوغرام من الفحم يعادل 100 دينار جزائري أي ما يعادل نصف يورو، غير أنه تعود على بيعه حتى قبل العيد، خاصة لمحلات الشواء والمطاعم الكبرى.

سكاكين الذّبيحة

علاوة على بيع الفحم،  تعرف تجارة السكاكين وشحذها أيضًا رواجًا من قبل حرفيين قبل العيد، إذ تراصت العديد من الآلات الخاصة بشحذ السكاكين على طول الشارع المحاذي لسوق "كلوزيل" بقلب العاصمة الجزائرية، وفي حيّ "ميصونيي" أيضًا، فكلاهما يشهدان حركة واسعة عشية العيد، ما يستقطب المارة والزيائن الذين يدخلون المحلّات المتراصة على أطراف البنايات المجاورة لهما.

كما احترف البعض هذه المهنة في كلّ عيد، بل هناك من يسترزق منها على طول السنة لأنها تشهد إقبالًا كبيرًا من العائلات ولا ينضب الطلب عليها رغم أنه ينقص على خلاف عيد الأضحى، وتنتشر آلات الشحذ في الأماكن الشعبية، وبمحاذاة الأسواق وحتى محطات النقل العمومي، نظرًا لتوافد المارة وازدياد الطلب على شحذ سكين الذبيحة.

الملفِت في هذه الحرفة أنها لصيقة بالعائلة، أي أنّ ممارسوها ورثوها أبًا عن جدّ ما جعلها خاصية ببعض الحرفيين، في المقابل كونها حرفة تحتاج إلى إتقان وفنّ في التّعامل مع السّكاكين بمختلف أنواعها وأحجامها، وحتى التّعامل مع الزّبائن فيه الكثير من الحذر، كما ذكر عمي علي لـ"الترا جزائر" لا يمكنني أن أشحذ سكينًا لأطفال صغار حتّى وإن كنت أعرفهم وأعرف أهاليهم"، لافتًا إلى أنّه علاوة على كونها حرفة إتقان إلا أنها تحوز الكثير من الخطورة أيضًا.

في سياق متّصل، أخرجت هذه الحِرفة عشرات المهنيين من دارة البطالة، وجعلت منهم منافسين لأقرانهم من الباعة والتجار، خصوصًا وأن الآلات المستخدمة في الشحذ تستحقّ الكثير من العناية والمهارة في حسن تدبير عملية تمرير السكاكين تحت آلة الشحذ.

تظهر هذه الآلات بشكل ملحوظ خلال أيام قبل العيد، إذ يطلق عليها " المضّاية " أو" الرحّاية" أي ما تحدّ به السّكاكين وتجعلها حادّة لتسهيل استِعمالها في الذّبح والسّلخ وتقطيع اللّحم.

التّوابل رأس قائمة المشتريات

لا يمرّ عيد الأضحى دون أطباق خاصة تعدّها النّساء في هذه المناسبة وتتفنّن في تحضيرها بتشكيلات مختلفة باستغلال أجزاء متنوعة من الأضحية، إذ تتزيّن الموائد بأشهى الأكلات الشعبية، التي تحضّر أيام العيد، واستعادة العادات المرتبطة بالمناسبة، ذلك ما يجعل العائلات تُقبِل كثيرًا على شِراء التّوابل المختلفة ألوانها وأنواعها ونكهتها.

هذه الغاية جعلت من الشباب يحترفون بيع التوابل أيضًا في الأسواق الشعبية، فضلا عن مستلزمات المطبخ خاصة منها الفلفل الأسود والأحمر والكمون والإكليل والزعتر، وكلها وسائل تستخدمها المرأة في الطبخ خلال العيد ومن الأشياء البسيطة والضرورية لإعطاء نكهة ولذة للطعام المقدم في هذه المناسبة الدينية.

لا يمرّ عيد الأضحى دون أطباق خاصة تعدّها النّساء في هذه المناسبة وتتفنّن في تحضيرها بتشكيلات مختلفة باستغلال أجزاء متنوعة من الأضحية

رغم التغيّرات التي تعيشها الأسر الجزائرية بسبب الغلاء وانخِفاض القدرة الشّرائية، إلا أنّ أجواء تحضيرات عيد الأضحى تظلّ محافظة على جمالها، فهذه المهن المرتبطة بموسم العيد تبقى علامة فارقة تضيف للحياة اليومية فرحة كبرى وبهجة.