تتناقل تقارير الحماية المدنية الجزائرية بشكلٍ يومي، أخبارًا عن حوادث مرور مميتة، يكون مسرحها الطريق السيّار (شرق – غرب)، تتسبّب فيها غالبًا السرعة المفرطة، واهتراء بعض مقاطع الطريق وعدم مطابقته لمعايير السلامة، إذ كثيرًا ما تناولت الصحف التلاعبات التي رافقت إنجاز الطريق السيّار، وملفّات الفساد التي طُرحت على العدالة منذ الانطلاق في إنجازه.
لم تنته أشغال الطريق السيّار (شرق_غرب) منذ أكثر من 13 سنة على انطلاقها
مؤخّرًا، قرّرت الحكومة الشروع في صيانة الطرق السيّار (شرق-غرب)، وأعيد طرح عدّة تساؤلات حول مدى تمكّن السلطة من تفادي نهب المال العام باسم المشاريع العمومية، مثلما حدث في عهد وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول، خاصّة وأن مستوى تقدّم إنجاز الطريق السيّار (شمال- جنوب)، يسير بالوتيرة نفسها، بعيدًا عن التطلّعات التي ينتظرها المواطنون.
اقرأ/ي أيضًا: موجة عالية للقضاء: نائب عام جديد والمزيد من ملفات الفساد أمام المحاكم
رغم ملايير الدولارات، التي رُصدت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لإنجاز البنى التحتية للبلاد، خاصّة في مجال تشييد الطرقات، إلا أن الأشغال تظلّ دون المستوى المنتظر، ولا تعكس حجم الأموال التي صُرفت لهذا الغرض.
تدارك الأخطاء
في شهر أوت/ أغسطس الماضي، خصّصت الحكومة الجزائرية اجتماعًا كاملًا لدراسة ملف الطريق السيّار شرق –غرب الذي لم تنته عملية إنجازه بعد، رغم أنّ انطلاقته الجديدة، كانت سنة 2006، إضافة إلى التأخّر الواضح في مجال المرافق الخدماتية التابعة له، ويتعلّق ذلك بغياب الإنارة والمرافق الخدماتية في محطّات الوقود مثل الفنادق والمطاعم.
ترأّس الوزير الأوّل نور الدين بدوي في 24 أوت/ أغسطس الماضي، اجتماعًا وزاريا مشتركًا، خُصّص لدراسة إشكالية صيانة الطريق السيّار (شرق- غرب)، والتدابير التي يتعيّن وضعها حيّز التنفيذ، من أجل وضع نظام الدفع بهذا الطريق.
ونظرًا لارتباط المشكل بعدّة قطاعات، حضر الاجتماع عدّة وزراء من الطاقم الحكومي، من وزارة المالية، الطاقة، الصناعة والمناجم، البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، الأشغال العمومية والنقل والموارد المائية، بالإضافة إلى الأمين العام لوزارة الداخلية، ومدير المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق، والمدير العام للوكالة الوطنية للطرق السريعة.
من جهته، كشف وزير الأشغال العمومية والنقل، بصفته المسؤول المباشر عن الملّف، أن أشغال الطريق السيار (شرق-غرب)، الذي يصل طوله إلى 1216 كلم لم ينته بعد، موضّحًا أن كل ما تعلق باستكمال مشروع تجهيز الطريق السيّار بإقامة محطّات الخدمات، وفضاءات الراحة، ومراكز الدفع، ومختلف أنظمة الاتصال والمراقبة والأمن، وصلت نسبة تقدم إنجازها عند حدود 72 في المائة. على حدّ قوله.
أمّا الوزير الأوّل، فقد أمر بضرورة الإسراع في جعله مصدرًا لمداخيل مالية، بهدف المساعدة في التكفّل بمصاريف صيانته وعصرنته، إذ لم تنطلق الحكومة بعد في إنجاز نقاط الدفع على مستوى الطريق السيّار، ومازال استغلاله مجانيًا حتى اليوم.
ورغم مرور أكثر من عقد على انطلاق أشغال الطريق السيّار، تعترف الحكومة بأنها فشلت في إكماله في الآجال المحدّدة، فشطر منطقة الذرعان بولاية الطارف أقصى الشرق الجزائري، نحو الحدود التونسية على طول 84 كلم لم ينته بعد، رغم أهميّته في الحركة التجارية بين البلدين، سواءً بالنسبة للجزائريين الذين يقصدون الجارة الشرقية للسياحة، والذين فاق عددهم منذ بداية السنة الحالية 1.5 مليون سائح، أو بالنسبة للتونسيين الذين يقصدون سوق العلمة بسطيف، بهدف التسوّق والتّجارة.
بهدف إعادة تأهيل الأجزاء التي تعرف نوعًا من التدهور، تقرّر إنشاء لجنة متعدّدة القطاعات، تتولّى متابعة استكمال إنجاز مشروع تجهيز الطريق السيّار (شرق-غرب)، ووضع نظام الدفع حيز الخدمة، وفق جدول زمني محدّد، على أن تضمّ لجانًا فرعية تتكفّل بكل المسائل ذات الصلة، لاسيما رفع العراقيل التقنية والمالية والإجرائية، واستكمال وضع الإطار القانوني المتعلّق باستغلال الطريق السيّار والمحافظة عليه.
تجارب سابقة
من جهتها، أكّدت الحكومة أن الشروع في صيانة الطريق السيّار لن يكون إلا بعد إعداد دراسة اقتصادية ومالية دقيقة، إلا أن ذلك لا يُزيح المخاوف من تكرار ما حدث سابقًا من صرف للمال العمومي بلا رقيب ولا حسيب، والتي كانت نتيجته أن يتحوّل ما كان يعرف بـ" مشروع القرن" إلى فضيحة فساد وصلت إلى أروقة العدالة، وقد تفتح من جديد في إطار الحملة التي تقودها السلطة ضدّ المتّهمين بالفساد من رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
في أبريل/ نيسان الماضي، أعلن قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، أنّ المصالح الأمنية تحوز ملفات ثقيلة تتعلّق بقضايا فساد، وتوعد بفتح ملفات سابقة مثل قضايا سوناطراك والخليفة و"البوشي"، وحتى إن لم يذكر قضية الطريق السيّار، بالاسم إلا انه أشار إلى أن الأمر الذي سيطبق على القضايا الثلاث، سيشمل قضايا أخرى ولعلّ من أبرزها ملفّ الطريق السيّار.
في 19 جوان/ يونيو الماضي، نقلت الإذاعة الجزائرية عن مصادر قضائية، أنّ المحكمة العليا قرّرت إعادة النظر في قضية الطريق السيار (شرق-غرب).
وكان مجلس قضاء الجزائر العاصمة قد نظر بين 30 أبريل/ نيسان إلى 7 مايو/ أيّار 2015 في قضية الطريق السيار (شرق –غرب)، التي تمّ التحقيق فيها مع 23 متهمًا، هم 15 شخصًا و7 شركات أجنبيّة.
وصلت أحكام الإدانة إلى 20 سنة حبسًا نافذًا للمتورّطين، غير أنّ محمد بوشامة، الأمين العام السابق لوزارة الأشغال العمومية، وفراشي بلقاسم وهو إطار سابق بوزارة النقل استفادا من البراءة.
خلال المحاكمة، كان يأمل الجزائريون أن تتمّ محاكمة وزير الأشغال العمومية السابق عمار غول، الموجود اليوم رهن الحبس الاحتياطي بالحراش، لكن تمّ وقتها الاستماع له بصفته شاهدًا فقط، وهو ما جعل البعض يشكّك في جديّة تلك المحاكمة، لأنّها استثنت المسؤول الأوّل عن القطاع من المحاسبة، خاصّة وأنّ المشروع كلّف 13 مليار دولار، بعد خضوعه لسلسلة من عمليات إعادة التقييم، بعد أن كانت كلفته الأوّلية لا تتجاوز 6 ملايير دولار.
غموض في الإنجاز
المخاوف من تكرار الفساد في أشغال الصيانة للطريق السيّار (شرق – غرب) يغذيه التعتيم الاعلامي الذي يصاحب تنفيذ الطريق السيّار للهضاب العليا، الممتد على طول 1020 كلم، والذي يعبر ولايات تبسة وخنشلة وباتنة والمسيلة والمدية والجلفة وتيارت وسعيدة وسيدي بلعباس وتلمسان.
ولا يورد الموقع الرسمي لوزارة الأشغال العمومية، تفاصيل كثيرة حول مشروع الطريق السيار للهضاب العليا، خاصّة الجوانب المتعلّقة بكلفة تنفيذه وآجال تسليمه.
يضاف إلى هذا المشروع، مشروع الطريق السريع (شمال – جنوب) الذي يمتدّ من الشمال من ولاية المدية مرورُا بعدّة ولايات أخرى كالجلفة والأغواط وغرداية وصولا إلى تمنراست، والذي لن تنته أشغاله إلا في 2030 مثلما كان مخططًا لدى إطلاقه في أبريل/ نيسان ،2012 من قبل وزير الأشغال العمومية والنقل الأسبق عمار غول.
ويُنجز الطريق (شمال – جنوب)، على رواق الطريق الوطني رقم (1)، الذي يمتدّ من العاصمة الجزائر حتى ولاية تمنراست الحدودية مع مالي، والذي يعد الأكثر تسجيلًا لحوادث المرور، حسب إحصاءات المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرق التابع لوزارة الداخلية، لعدّة أسباب أهمّها، تدهور حالته في عدة ولايات.
ونظرًا لعدم اهتمام الإعلام كثيرًا بمشروع الطريق (شمال – جنوب)، تبقى إلى اليوم تفاصيله وتكلفته غير معلومة لكثير من المواطنين والمختصّين، ومعها تزيد تخوّفات تسجيل حالات فساد جديدة في قطاع الأشغال العمومية، إذ بلغت ميزانية التجهيز الخاصّة بهذا الطريق، في موازنة 2019، حوالي 279.44 مليار دينار أيّ ما يفوق ملياري دولار.
اقرأ/ي أيضًا: