14-يونيو-2022

(الصورة: الخبر)

مع نهاية كل موسم دراسي، تترقب العائلات الجزائرية نتائج أبنائها في مختلف الأطوال التعليمية، وخاصة إن كان بينهم مرشّحين لأحد الامتحانات المصيرية في نهاية الأطوار التعليمية، التي يمكن أن تحدد مساره التعليمي والمهني، خاصة امتحاني شهادة التعليم المتوسط والبكالوريا اللذين يرتبط النجاح والرسوب فيهما إلى حد بعيد بخطط و"طقوس" التحضير وإعداد التلميذ  لهذا الموعد السنوي على المستوى الشخصي والعائلي وداخل المدرسة.

بالنسبة لكثير من الأسر الجزائرية فإن الوصول إلى امتحان كالبكالوريا والنجاح فيه قد يعرض المترشح للإصابة بالحسد والعين لذلك فإن إخضاعه لرقية شرعية من الضروريات قبل إجراء الامتحان 

ومع  التطور الذي يشهده مجال التعليم والتربوية، ظهرت عدة طرق لأعداد التلاميذ للامتحانات الرئيسية، إلا أن الوضع في المدرسة الجزائرية لازال كما كان، الأمر الذي يجعل الأسر تبحث عن طرق مختلفة لتحضير أبنائها لهذه الامتحانات، والتي تمتزج في الغالب بين طقوس تغلب عليها العادة والخرافة، وأخرى جديدة مرتبطة بمراكز التنمية البشرية والحساب الذهني.

عادات راسخة

عندما يتعلق الأمر باجتياز امتحاني شهادة التعليم المتوسط والبكالوريا، فكلّ الطرق تصير مباحة عند بعض الأسر حتى وإن كانت لا تتطابق مع مستواهم التعليمي الذي لا يؤمن بالتحضير النفسي للامتحانات الوطنية، لذلك لا تزال إلى اليوم عادة إطعام المترشحين لامتحانات نهاية السنة قطعًا من السكر صباح إجراء الاختبارات متّبعة من قبل الأمهات اللواتي يرفقن ذلك برمي الماء وراء الممتحن حين توجهه إلى مركز الإجراء، والذي يفضل أن يكون من ماء الزهر في بعض المناطق، بالنظر إلى مكانة هذه الماء في الثقافة والمطبخ الجزائريين.

عادة ما يحضر للتلاميذ أيام امتحانات البكالوريا والتعليم المتوسط حلوى "الخفاف"، ويقدم لهم العسل الممزوج بالحلبة، لوجود اعتقاد سائد يقول إنه يساعد على التذكر وإعطاء طاقة إضافية. وبالنسبة لكثير من الأسر الجزائرية، فإن الوصول إلى امتحان كالبكالوريا والنجاح فيه قد يعرض المترشّح للإصابة بالحسد والعين، لذلك فإن إخضاعه لرقية شرعية من الضروريات عند البعض، بل إن الاستعانة بالأولياء الصالحين وزيارتهم في مناطق أخرى لا يخرج عن خطط توفير جميع الظروف لنجاح الممتحن حتى وإن خالف ذلك الدين الإسلامي.

ويعتبر الدكتور عبد العزيز عرجان مدير أكاديمية الأطفال العباقرة المهتمة بتنمية مواهب الأطفال وتطوير الذات أن الاعتماد على مفاهيم وموروثات ثقافية في تحضير التلاميذ للامتحانات سلوكا موجودا في مختلف المجتمعات وليس خاصية جزائرية بحتة، وفق ما أوضحه لـ"الترا جزائر"

وإذا كان سابقا إجراء الامتحان من مسؤولية التلميذ، فإن اهتمام الأسر بتعليم أبنائهم وعدم ثقة البعض في قدرة التلميذ على السيطرة على رهبة الامتحان، جعلت اليوم الكثير من الأمهات تحرصن على مرافقة أبنائهن طيلة أيام الامتحان، بل إن البعض من الأولياء يأخذ عطلة مؤقتة لمساندة أبنائه في هذا الموعد الهام.

التنمية البشرية

في السنوات الأخيرة، ومع دخول عالم التنمية البشرية وتطوير الذات وصناعة القادة وغيرها من التسميات الجزائر،  تكاثرت مراكز تحضير التلاميذ للامتحانات كـ"الفطر" في المدن الجزائرية، وراج أنها تقدّم طرق حديثة وسهلة للمراجعة والحفظ كالحساب الذهني والخريطة الذهنية والبرمجة العصبية وغيرها، والتي أصبحت مقصد التلاميذ طول السنة الدراسية، وبالخصوص قبل أيام من اجتياز امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا بالنسبة للمترشحين لهاذين الاختبارين.

غير أن هذه المراكز تتهم من قبل البعض على أنها لا تقدم ولا تؤخّر، وهي مجرد دكاكين تبيع الوهم وتستثمر في قلق التلاميذ وخوف عائلاتهم، وهو الموقف الذي يذهب إليه الناشط التربوي كمال نواري الذي يقول لـ"الترا جزائر" إن "ما لاحظناه في الواقع، فإن القليل من الأولياء ينتظرون آخر الدقائق لحث أولادهم على المراجعة والمذاكرة في مراكز تسمي نفسها مراكز التنمية البشرية وتطوير الذات، والتي تقدم دورات حول كيفية النجاح خلال فترة قصيرة تكون بين ساعة أو ساعتين، إنها أكبر كذبة وخدعة".

وأضاف نواري" يعتقد التلاميذ وأولياؤهم أن دروس هذه المراكز توفر الدعم النفسي وترفع الروح المعنوية وتعزز الثقة بالنفس، لكنها في نظري تجارة مربحة دون سجل تجاري وجب علينا محاربتها لأنها تبتز الأولياء بمبالغ مالية كبيرة وتعدهم بنجاح أبنائهم في الامتحانات، وهو ما قد لا يتحقق".

لا ينكر الدكتور عبد العزيز عرجان أن بعض المراكز هدفها ربحي تجاري بالمطلق، حيث تعمد إلى استقطاب أكبر عدد من المشتركين من التلاميذ في دوراتها على حساب تلقينهم الدروس اللازمة التي قد تساعدهم في التحضير للامتحانات، معترفًا أن بعضها تعتمد على أساتذة ومدربين لا يحوزون المهارة والخبرة الكافية الخاصة بالبرمجة والحساب الذهني وتنمية الذات.

غير أن عرجان يوضح أن التجربة أثبتت أن هذه المراكز تساعد في تيسير عملية التلقين والتعليم لدى الأطفال، وبالخصوص في السنوات الأولى من الدراسة، خاصة فيما يتعلق بالعمليات الحسابية اعتمادًا على طريقة الحساب الذهني، والخريطة الذهنية بالنسبة للمواد التي تعتمد على الحفظ كالتاريخ والجغرافيا والتربية المدنية.

ويشير عرجان إلى أن نجاح هذه المراكز في التحضير الجيد للتلاميذ للامتحانات يعتمد بالأساس على مدى رغبة التلميذ في تحقيق ما جاء من أجله لدورة تدريبية ما، وكذا جدية وكفاءة الأستاذ، مبينًا أن هذه المراكز تعتمد على طرق وتقنيات صحيحة تتعلق بتلقي المعلومة وتخزينها واسترجاعها، والعمل على إبعاد كل عامل من شأنه التشويش على الإتقان الجيد للعمليات الثلاث.

الطريقة المثلى؟

يؤكد الناشط التربوي كمال نواري لـ"الترا جزائر" أن الطريقة المثلى للتحضير للامتحانات تكون بعيدة عن تراكمات خرافية وإغراءات تجارية، وذلك  بالمراجعة والتحضير المتواصل منذ بداية السنة الدراسية في شهر أيلول/سبتمبر من كل عام، وكذا بوضع رزنامة تحدد كل النشاطات الواجب القيام بها.

وأضاف أنه يستحسن أن تتضمن هذه الرزنامة تحديد المواد المعنية بالمراجعة والتوقيت خلال الأسبوع، كما يفضل أن تكون المراجعة صباحًا، ويرفق هذا برزنامة أخرى تحدد فترات النوم والأكل وأوقات الراحة وممارسة الهوايات المفضلة، مع تجنب الاستعانة بالمنبهات كونها تتسبب في الأرق وقلة النوم، مبينًا أنه لا ضير في تحديد فترات للمراجعة مع الأصدقاء في مذاكرة جماعية لمختلف الدروس والمواد.

ولفت نواري أن الاستعدادات للامتحانات يتضمن عدم إهمال الجانب النفسي والذهني الذي يجب أن تتولاه المؤسسات التربوية المؤطرة من طرف مستشاري التوجيه المدرسي والإرشاد النفسي، بالتركيز على عوائق النجاح كالقلق والارتباك وضعف التركيز، والتوتر العصبي.

يرى مختصون أن ضياع التلميذ وعائلته في البحث عن طرق خاصة بتحضير الامتحانات دليل آخر على خيبات المدرسة الجزائرية 

إلى هنا، يرى مختصون في قطاع التربية أن ضياع التلميذ وعائلته في البحث عن الطرق المناسبة للتحضير لخوض الامتحانات دليل آخر على خيبات المدرسة الجزائرية التي لم تستطع توفير مستشاري التوجيه بالعدد الكافي لحل مشاكل التلاميذ التعليمية، بالرغم من وجود آلاف المتخرجين في تخصصي علمي الاجتماع والنفس التربويين.