يعود النشاط الطلابي في الجزائر إلى عام 1912، في إطار منظمة "الطلبة المسلمين لشمال أفريقيا"، تمييزًا لهم عن الطلبة الفرنسيين المسيحيين، في ظلّ الاحتلال الفرنسي، لكنّ التأسيس الحقيقي كان في الـ19 من أيّار/ مايو من عام 1956، برئاسة أحمد طالب الإبراهيمي، وأدّى انخراط الطلبة في مسعى ثورة التحرير، التي كانت قد اندلعت قبل سنتين، أن يكون تنظيمهم محلّ مضايقات واسعة.
كانت المجلات الحائطية، واحدة من أهم وسائل النضال الطلابي في الجامعات الجزائرية سابقًا إذ كانت تنتشر حاملة شعارات وتوجهات مختلفة
في عام 1964، أي بعد سنتين من الاستقلال الوطني، عقد التنظيم الطلابي مؤتمره الرابع، وقام بتغيير اسمه إلى "الاتحاد الوطني للطلبة"، غير أن المضايقات هذه المرّة كانت على يد النظام الجزائري، بسبب موقف الاتحاد من انقلاب هواري بومدين على الرئيس المنتخب أحمد بن بلّة، حيث تمّ تجميد نشاطه عام 1967، وحلّه عام 1972، ليعاد بعثه في شكل فرع مدمج ضمن "الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية" الموالي للحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: الجامعة التونسية..تاريخ من النضال والصراع
بعد الانفتاح السياسي عام 1989، أعيد بعث الاتحاد الوطني للطلبة في شكل تنظيم مستقل، لكنه لم يعد الممثل الوحيد للطالب الجزائري؛ إذ ظهرت العديد من التنظيمات، التي كانت في العادة أجنحة طلابية للأحزاب السياسية اليسارية والإسلامية وغيرها: أشهرها "الاتحاد الوطني الطلابي الحر" و"الرابطة الوطنية للطلبة الجزائريين".
في هذه المراحل كلّها، لم يتوقف الطلبة الجزائريون عن مباشرة خطوات نضالية وتوعوية، من أجل الإصلاح الجامعي، داخل المؤسسات الجامعية التي لم تكفّ عن التوسّع، من أجل الإصلاح الديمقراطي ومن أجل الدفاع عن قضايا الهوية الثقافية، خاصّة تلك المتعلّقة بالثقافة واللغة الأمازيغيتين.
وكانت المجلّات الحائطية، واحدة من أهمّ وسائل هذا النضال، إذ كانت تنتشر في جنبات الحرم الجامعي حاملةً شعارات وتوجهات، تختلف باختلاف الخلفية السياسية والأيديولوجية التي ينتمي إليها الواقفون خلفها، ويظهر ذلك شكليًا من خلال اللون الطاغي، فالأحمر كان مهيمنًا على مجلات الشيوعيين، والأخضر على مجلات الإسلاميين، ولم تسلم في بعض الأحيان من التمزيق وإعادة التعليق، بسبب هذه الصراعات الفكرية.
بدأت هذه المجلات تختفي تدريجيًا، من الفضاءات الجامعية، بظهور أجهزة الإعلام الآلي، في تسعينات القرن العشرين، حيث تمّ تعويضها بمجلات توزّع في شكل منشورات، ثمّ في شكل مجلّات إلكترونية، مع انتشار الإنترنت، لتختفي تمامًا في السّنوات الأخيرة، حيث باتت الصفحات الجماعية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بديلًا مثاليًا لها.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. عندما تتحول الجامعة إلى ساحة صراع سياسي
من هنا، كان إقدام "نادي همّة" الطلابي، الذي تأسّس قبل عامين، في المركز الجامعي لمدينة النعامة، 600 كيلومتر إلى غرب الجزائر العاصمة، على إطلاق مجلّة حائطية حملت عنوان "همّة"، خطوة لافتة للانتباه، وباعثة على الحنين إلى زمن النضال الطلابي الحقيقي.
بدأت المجلات الحائطية تختفي تدريجيًا من الفضاءات الجامعية الجزائرية، بظهور أجهزة الإعلام الآلي وخاصة مع مواقع التواصل الاجتماعي
يقول رئيس تحرير المجلّة طالب الطاقة شيخ ضيف الله، 1992، لـ"الترا صوت" إن الخطوة لم تكن ثمرة لقلّة الإمكانيات المالية المؤهلة لإصدار مجلة مطبوعة فقط، بل لرغبتنا في أن نجمع الطلبة في مكان واحد، حتى يتبادلوا الأفكار ويثيروا النقاشات، "إن المجلات الالكترونية والورقية، تتيح مجالًا أوسع لمواضيع أكثر، إلا أن التفاعل الذي تنتجه يبقى فرديًا، بالتالي فإن جرعة الحميمية تكون محدودة، وهكذا انتقلنا من برودة "اللايك" إلى حرارة النقاش".
يقول ضيف الله لألترا صوت "يكتب في المجلة طلبة يدرسون الأدبين العربي والإنجليزي، وقد ركّزنا في العدد الأوّل على كلّ ما يساهم في التحفيز على تكوين الذات وتطويرها إنسانيًا ومعرفيًا، والانفتاح على الفتوحات العلمية والفنية التي يشهدها العالم المعاصر، وهذا سرّ اختيارنا لـ"همّة" عنوانًا، مع الاهتمام بالجوانب الجمالية في إخراج المواضيع، ذلك أن الأناقة واحدة من العوامل الجاذبة للانتباه والتفاعل والاهتمام".
كما قال ضيف الله إن الطلبة، على اختلاف تخصّصاتهم، تفاعلوا مع الخطوة، بالتثمين والقراءة وتقديم المواضيع والنقاشات التي كانوا يباشرونها في عين المكان، "لقد تحوّل المكان الذي علّقنا فيه المجلّة إلى حلبة للنقاش والحوار، وهذا ما باتت الجامعة الجزائرية تفتقر إليه في سنواتها الأخيرة، حيث بات سائدًا أن الجامعة فضاء للنوم والأكل واستنساخ البحوث".
اقرأ/ي أيضًا: