قبل العودة المدرسية؛ يعاني العديد من الأطفال من القلق عند بدء السنة الجديدة، إذ يلوح شهر أيلول/سبتمبر الحالي، بما يوصف بالمواعيد اليومية والالتزامات والدروس والحفظ والمراجعة، فيشعرون بنوع من الخوف من المجهول بسبب البيئة الجديدة، وحالة الانفصال عن الأهل.
يحتاج الأولياء أيضًا إلى عناية نفسية مما يوصف بـ"قلق الانفصال"، خاصة أثناء ترك أبنائهم لأول مرة عند الدخول المدرسي
بحسب مختصين فإن هذه المشاكل تظهر في صورة بكاء وعناد فضلًا عن صعوبات أثناء النّوم، أو حتى رفض الذهاب إلى المدرسة.
عناد وبكاء.. هذا هو الحلّ
ينصح بعض الخبراء في الصحة النفسية بأن الطفل يحتاج إلى بيئة داعمة، خلال هذه المرحلة، وخاصة عن طريق حوار مفتوح مع الأهل، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره.
وفي هذا السياق، تتابع الأخصائية النفسية، سميرة فكراش، ملف الدخول المدرسي منذ سنوات طويلة، فغالبا ما يتم طلب استشاراتها في حالات التلاميذ الذي يجدون صعوبات في الذهاب للمدرسة، ولم يستطيعوا التأقلم مع بيئتهم المدرسية في بدايات مشوارهم أو عند انتقالهم من طور لطور.
وتقول المختصة لـ"الترا جزائر" إنّ أول قاعدة يجب على الأولياء مراعاتها في تعاملهم مع أبنائهم التلاميذ، هي أنّ الذهاب إلى المدرسة ليس شيئًا قهريًا أو عقابًا، وهو ما يعتمد بشكل كبير على سلوك الآباء خلال العطلة الصيفية، والذي يؤثر سلبًا أو إيجابًا على تصور الطفل للمدرسة، مما يجعله إما يخاف منها أو يتحمس للذهاب إليها.
ويبدأ التحضير النفسي للدخول المدرسي من البيت كما تضيف فكراش، لافتة إلى أن الأمر يمكن البدء فيه عن طريق "الحديث الإيجابي عن المدرسة وكأنها بيت ثانٍ، وعن الطاقم التربوي والزملاء وكأنهم عائلة ثانية"
لذلك، يُستحسن حسبها، الاستعداد بشراء لوازم المدرسة من أدوات ومآزر باصطحاب الطفل وتركه يختار بنفسه، وهذا ما يساعده على "خلق ذكريات جميلة تحفّزه للذهاب إلى المدرسة".
كما أكدت على أهمية تنظيم أوقات الأكل والنوم قبل الدخول المدرسي، حتى لا يتعب الطفل خلال الأيام الأولى من الدراسة، مما يعطيه انطباعًا بأن الدراسة أمر متعب ومرهق.
وأضافت المختصة أنّ دخول الطفل إلى المدرسة الابتدائية أو انتقاله من طور إلى طور يستوجب مرافقة الأولياء حتى يتكيف مع البيئة الجديدة.
وفي هذا الإطار أكدت على أنّ ذلك يكون بفتح أحاديث مع الطفل تبدأ بتعريفه بالمرحلة القادمة، مثل زيارة المؤسسة التعليمية والتكلم عنها بإيجابية أمام الطفل، وسرد الذكريات الجميلة للوالدين والنتائج الجيدة التي حصلا عليها، وذكر أهمية المدرسة والانتقال من مرحلة إلى أخرى، والتي ترافقها نضج الطفل والحصول على مستويات تعليمية أعلى وعلاقات اجتماعية جديدة.
وشددت على أنّ هذا الكلام المحفّز يسهل ويسرع من تأقلم التلميذ مع المحيط الجديد.
قلق الانفصال
يحتاج الأولياء أيضًا إلى عناية نفسية مما يوصف بـ"قلق الانفصال"، خاصة أثناء ترك أبنائهم لأول مرة عند الدخول المدرسي، إذ قالت فكراش إنّه من الضروري التحضير النفسي للأولياء أيضًا، لأنّ الانفصال مهم جدًا لتنمية الأطفال اجتماعيًا ونفسيًا وانفعاليًا، ولتكوين شخصية صحية ومسؤولة.
وأشارت إلى أنّ من الطرق الفعالة التي تساعد الأولياء على تجاوز قلق الانفصال هو ترك الأولاد عند الجد والجدة أو أفراد العائلة لفترات زمنية تدريجية، مما يسمح بالتعود على غياب الأولاد.
كما نصحت بالتحكم في المشاعر وعدم إظهار الحزن والقلق والتوتر أمام الطفل عند ذهابه إلى المدرسة، مشددة على ضرورة تقبل الأولياء لهذا القلق الذي يحدث بعد الاحتكاك الأول للطفل بأجواء المدرسة، وعدم الإكثار من طرح الأسئلة حول ما حدث في اليوم الأول، وترك مساحة للطفل حتى يجد طريقته الخاصة للتكيف.
وفي المقابل من ذلك؛ هناك علامات تدل على عدم تأقلم الطفل مع المدرسة ووجود صعوبات في التكيف، وهي تشمل البكاء الشديد قبل دخول المدرسة، والتظاهر باضطرابات هضمية مثل المغص والتقيؤ، وآلام الرأس، والأرق والكوابيس، وتراجع الشهية، وفي حالات قصوى، الهروب من المدرسة.
كما أكدت على ضرورة أخذ هذه العلامات بعين الاعتبار، والتعامل مع الطفل بفهم وحوار لتنمية جو من الاطمئنان والثقة، وإيجاد حلول فعالة بالتعاون بين الأولياء والطاقم التربوي.
إدارة الضغط
وفي علاقة بتلاميذ الأقسام النهائية، قالت المختصة إنّهم يواجهون العديد من التحديات التي تستدعي تحضيرًا نفسيًا جيدًا. وأوضحت أن الشروع في الدراسة من بداية العام الدراسي مهم جدًا، لأن الكثير من الطلاب يرون أن السنة طويلة ويؤجلون المراجعة، مما يدخلهم في حلقة من التسويف تسبب الكثير من الضغوطات النفسية.
وأكدت على أهمية تدريب الطالب على أن الدراسة للامتحانات النهائية تبدأ من اليوم الأول، ووضع نظام حياة يناسب طيلة السنة الدراسية، بحيث تكون المراجعة هي الروتين الأساسي. كما نصحت بالتخلي عن الملهيات مثل الهاتف النقال والألعاب الإلكترونية، واعتماد نظام غذاء صحي يحتوي على جميع العناصر الغذائية المفيدة.
وتحدثت المختصة عن مهارات إدارة الضغط المرتبط بالامتحانات، ومنها التحضير الجيد للامتحان وعدم ترك المراجعة تتراكم للحظة الأخيرة، والدراسة بطريقة منظمة، والالتزام بالمراجعة من اليوم الأول، والحضور اليومي في المؤسسة التعليمية وعدم التغيب غير المبرر، لأن هذا يحافظ على التواجد الذهني في جو الدراسة. وأضافت أن الاعتماد على الدروس الخصوصية، خاصة تلك التي تُحشو أدمغة الطلاب بها في آخر السنة، ليست المفتاح العجيب للنجاح.
وأشارت إلى أن نمط الحياة الصحي يساهم في تطوير القدرات الذهنية للطالب، مثل النوم قبل العاشرة ليلًا وتفادي السهر حتى لأجل الدراسة، مما يعطي الطفل طاقة ونشاطًا وقدرات ذهنية عالية مثل الانتباه والتركيز.
وفي هذا السياق، أكدت على أهمية الأكل الصحي والابتعاد عن السكر الأبيض والمشروبات الغازية التي تشتت الانتباه والتركيز، وخاصة المشروبات المنشطة المنتشرة مؤخرًا، والتي تعتبر سعرات عالية فارغة تضعف الصحة وتدخل الطفل في دوامة شراهة للحلويات. وأوصت بممارسة الهوايات وأنشطة ترفيهية خارج الدراسة خلال العام الدراسي، لأنها تساعد الطالب على اكتساب توازن نفسي، وتنفس عن الطاقة السلبية التي تتراكم عند الطالب أثناء الامتحانات وضغوطات العائلة.
التعبير الإيجابي مفتاح المستقبل
تعزز التربية النفسية السليمة للتلميذ وتحفيزه بالعبارات الإيجابية من ثقته بنفسه وينمي من قدراته الذهنية، إذ أشارت المختصة إلى أهمية تهوين الفشل واعتباره مطبًا من مطبات الحياة، والافتخار به مهما كانت نتائجه، لأنه مفتاح من مفاتيح النجاح في جميع ميادين الحياة.
وذكرت أنّ البيت والمدرسة لهما دور كبير في نجاح الطالب أو رسوبه، ولا يمكن الاعتماد على طرف دون الآخر.
يكمن دور البيت في التحفيز والتشجيع ومساعدة التلميذ على رسم أهدافه في الحياة
وبخصوص دور البيت، فإنّه يكمن في التحفيز والتشجيع ومساعدة التلميذ على رسم أهدافه في الحياة، بينما يتمثل دور المدرسة في اعتماد آليات مشجعة مثل ورشات للطلاب حول الأهداف الحياتية من وراء الدراسة والآفاق التي تفتحها، وتنظيم الأبواب المفتوحة بشكل دوري حول مستقبل التلميذ الذي سيصبح يومًا طالبًا يحتاج إلى التعرف على فرص المهن والعمل التي يمكن أن يميل إلى تعلمها.