11-ديسمبر-2022

وزارة التربية باشرت عدة لقاءات مع نقابات الأساتذة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

يتجدّد الجدل في الجزائر حول الإصلاحات التربوية، وضرورة إعادة النظر  للبرنامج الدراسي في مختلف المستويات خاصّة منها الابتدائي، وتتجدد معها معاناة الأولياء بين مهمة تدريس أبنائهم لتحسن مستواهم الدراسي وبين فرض معلومات غزيرة ومعقدة تفوق قدرات أطفالهم، فما هو الحل؟

الكاتب حمد يعقوبي: بعض النصوص التربوية في الابتدائي تعذيب نفسي للتلميذ، قد تكون الفكرة بسيطة لكن صياغتها معقّدة وعباراتها مكررة ولغتها ركيكة

باتت تلك المعاناة هي المواجهة اليومية بين الآباء وأطفالهم فور عودتهم من المدرسة للبيت، إذ هي أشبه بعقوبة متعددة الأوجه، منها إعادة مراجعة الدروس التي أصبحت في نظر الأغلبية "عقوبة سالبة لبراءة الطفولة" كما يصفها المختص النفسي عبد الحق ضراوي لـ" الترا جزائر"، وبين محاولة تخفيف البرنامج الدراسي ومتاعبه على الأبناء، مثلما يفعل الكثير من الآباء وهذا ما نرصده يوميًا عبر شكاوي الأسر في الفضاءات العامة وفي الفضاء الافتراضي عبر سرديات في وسائل التواصل الاجتماعي.

يرى قطاع واسع من التربويين أنه من الضروري الاستعجال بوضع مخطط للإصلاح التربوي، إذ أشار أستاذ الرياضيات نور الدين بوقايلة إلى أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وعد بهذا الأمر، مشددًا على أن الرؤية موجودة لدى مختصين في المجال التربوي، كما يتعين أن يتم إشراك مختلف الكفاءات اللغوية والتربوية والمختصين في المناهج.

وقال الأستاذ بوقايلة أن هناك " مأساة في حق الأبناء في المستويات الأولى من التعليم، ومن المهم الآن وضع الأصبع على مكامن الأخطاء أو الزلات خصوصًا في النصوص التربوية وتحديد الأهداف حتى يمكن إنقاذ جيل كامل".

من خلال هذا التصريح، يبدو أن مخاوف التربويين بخصوص المناهج والعبء الثقيل على الجيل الصاعد نحو المتوسط والثانوية ثم الجامعة، ليست بالهين، خصوصًا وأن التدريس اليوم بات مفتوحًا على العديد من الطرائق والعديد من المحتويات والمضامين التي تضر بعقل تلميذ مازال عوده طريًا.

 عقول الصغار

أبناءنا يدرسون ويقرأون أشياء لم يعرفوا بعد حروف كلماتها، أولادنا يدرسون التاريخ القديم والجغرافيا والأماكن والدول والشخصيات في عمر صغيرة جدًا، في الوقت نفسه لايزال جميعهم لم يعرفوا التفريق بين الكلمة والجملة والأرقام.

هنا، يعبّر الكاتب الصحفي محمد يعقوبي عن ذلك بقوله: "بعض النصوص التربوية في الابتدائي هي تعذيب نفسي للتلميذ، قد تكون الفكرة بسيطة لكن صياغتها معقّدة وعباراتها مكررة ولغتها ركيكة".

ويعتقد يعقوبي وهو يروي حالته أثناء مراجعة الدروس مع ابنته بأن " كاتب النص يتعمد إجهاد التلاميذ نفسيًا بعد الإجهاد الجسدي الذي تسببه لهم ثقل وزن المحفظة".

وتعتبر مراعاة الحالة النفسية للطفل في سنواته الأولى من الدراسة مهمة جدًا أثناء وضع المناهج والدروس، بحسب الأستاذ يعقوبي، لافتًا في هذا السياق، أنه من خلال متابعته اليومية لأبنائه؛ وقف على عدة نقاط مهمة منها أنه "لا يوجد أي إبداع أو ابتكار أو مقاربة نفسية تتلاءم مع سن التلميذ وتراعي الإكراهات المحيطة به".

كما نبّه إلى أن الأطفال الصغار لديهم مهارات وجب الاستفادة منها، خاصة تلك التي "اكتسبها البعض منهم من التكنولوجيا والألعاب"، مشيرًا إلى "غياب التشويق وضعف التلخيص وكثرة النصوص المملة التي تتطلب جهدًا مضاعفًا لحفظها".

التلقين والفهم

يبدو أن معاناة الآباء، هي نفسها تلك الملاحظات التي نبه إليها الجهاز التربوي، إذ تميل الدروس اليوم في الأقسام حسبهم إلى التلقين والحفظ على حساب الفهم والإدراك، إذ شددت العضو في نقابة عمال التربية الأستاذة سعيدة لعجالي على أن هناك مشكلة عميقة في البرنامج التربوي منها استخدام مفردات لا يستوعبها عقل تلميذ صغير السن، وذلك ما يُشكّل صعوبات كبرى على التلاميذ دون فهمهم للمعاني واستيعابها بطرق سهلة وميسرة.

ودعت المتحدثة في تصريح لـ" الترا جزائر"، إلى أهمية تمرير كل الدروس والمناهج على أخصائيين في علم النفس وعلوم التربية، ثم الفصل فيها بناء على الواقع المعيشي أيضًا، وهي بالطبيعي متجددة، متسائلة كيف يعقل لأطفال في عصر التكنولوجيا أن يعيشوا في النهار " انفصامًا عن واقعهم وشروط تنميتهم في هذه السن، خاصة مراعاة طاقة استيعاب الدماغ والألعاب والترفيه؟". 

أين التقويم؟

من منظور تربوي، يتحدث الباحثون في علوم التربية أن الإصلاحات التي أدخلت على المناهج وجب أن تمرر اليوم على عملية التقويم لأجل ملامسة نقاط الضعف والقوة.

وقال المختص في التربية والباحث في سلك الدكتوراه بجامعة الجزائر عبد الله نوبلي لـ" الترا جزائر" إنه وجب أن تقف عملية التقويم على أسس محددة منها أن تكون مبنية على دراسة علمية ميدانية، لمعرفة أولًا مدى مواكبتها للمستجدات العلمية، وتكون ذات قيمة موضوعية عند استنادها على آراء الذين يقومون بالتدريس في هذه الأقسام، والاستناد على طرح أسئلة جوهرية منها: ما مدى تحقيق هذه المناهج لأهدافها؟، ومعرفة مواطن القوة والضعف في المنظومة التربوية من خلال تقويم مدى فعالية المناهج التربوية ونجاعتها.

وفي رده عن سؤال يتعلق بالإصلاحات التي جرت فترة العشرية الأخيرة، قال نوبلي إن الحكم على تلك الخطوات في عهد وزراء سابقين تكون "مجحفة" إذا سلطنا فقط عن مكامن الضعف، لكنها تحصيل حاصل لما وصفه بالإصلاحات الارتجالية، "وهو ما نجم عنه مناهج مشوهة من حيث مستوى المناهج والنصوص واللغة".

معركة المناهج مفتوحة

مع ارتفاع أصوات من قطاع التربية تطالب بمراجعة واسعة للمناهج والبرامج، كثيرًا ما كانت المناهج التربوية في أجندة الفعاليات السياسية، من جمعيات مدنية وأحزاب وممثلي الشعب في المجالس المحلية والبرلمان، خصوصًا الإصلاحات التي شهدتها المنظومة التربوية خلال العقدين الأخيرين.

واعتبر النائب عن حركة مجتمع السلم عز الدين زحوف المنظومة التربوية "مسألة استراتيجية أخطر من الدستور لأنها متعلقة بالإنسان ليست مجرد أرقام تقدم في المناسبات وتدشين المدارس وفقط".

وطرح النائب زحوف مؤخرًا عدة تساؤلات على وزير التربية الجزائري عبد الحكيم بلعابد بالبرلمان، تتعلق أساسًا بعملية تقييم المناهج، وإلى أين وصلت الاستشارات التي وعد بها مسؤول قطاع التربية في بيان بتاريخ 5 ديسمبر/ كانون الأول، بعد إضرابات المدارس الابتدائية؟.

كما تساءل النائب زحوف وهو أستاذ تعليم ثانوي أيضًا عن سبب مناقشة الإصلاحات التربوية في "الغرف المغلقة" كما وصفها، دون الاستعانة بخبرات أساتذة ومفتشين ومدراء وباحثين جامعيين.

وفي سياق آخر، طالب ممثل حركة " حمس" في المجلس الشعبي الوطني، بلجان تقييم سيادية لا توضع تقاريرها في الأدراج، محذرًا من اللجوء لخبراء من الخارج. ورغم رد الوزير على تساؤلات النائب التي تتعلق بأن تقييم البرامج في طريقه الصحيح، وسيتم بطرق مخطط لها من القطاع والحكومة أيضًا.

ممثل "حمس" لم يتحمس لرد الوزير بلعابد، لافتًا في تصريح خاص لـ"الترا جزائر" أن الوعود لا تكفي وأن الوقت يمر والإصلاحات والتقييم لم يتم بعد، مشيرًا إلى أنه من المفترض أنه قبل بداية السنة الجديدة وجب على قطاع التربية أن يفتح نقاشًا حول ميزانية البرامج والأهداف التي تبنى على مؤشرات قياس النجاعة.

الأستاذة سعيدة لعجالي: هناك مشكلة عميقة في البرنامج التربوي منها استخدام مفردات لا يستوعبها عقل التلميذ 

في الأخير دعا المتحدث إلى  "توسيع الاستشارة بإشراك الأساتذة والمفتشين والمدراء والباحثين الجامعيين، فالقرار مصيري لا ينبغي أن ينفرد به الإداري فقط."، متأسفًا على تعامل وزارة التربية مع الموضوع بـ" الآجال المفتوحة"، فيما الأجيال هي من تدفع الثمن.