قبل أيام قليلة من انطلاق السنة الدراسية الجديدة، تترقّب المدارس الخاصة صدوردفتر الشّروط الجديد المنظم لنشاطها؛ إذ من المنتظر أن تُفرج عنه وزارة التربيةقريبا؛ ويستهدف تنظيم عمل هذا النّوع من المؤسسات التربوية، ووضع حدّلـ"الفوضى والتسيّب"، كما يقول المتابعون للشأن التربوي في البلاد.
مع الإقبال المتزايد للجزائريين على تسجيل أبنائهم بمدارس خاصة، وبالخصوص في المدن الكبرى، اضطرت الوزارة إلى إعادة النّظر في دفتر الشروط المنظم لهذا النشاط
مع الإقبال المتزايد للجزائريين على تسجيل أبنائهم بمدارس خاصة، وبالخصوص في المدن الكبرى، اضطرت الوزارة إلى إعادة النّظر في دفتر الشروط المنظم لهذا النشاط، وذلك بهدف عدم تكرار الأخطاء السابقة، وعلى رأسها تدريس المنهاج الفرنسي من قبل بعض المدارس، بعدما كشفت التحقيقات تخليها عن المقرر الدراسي الجزائري أو الجمع بينهما دون وجود رخصة من قِبَل الوزارة.
ترقّب
إلى هنا، لم تفرج وزارة التربية عن دفتر الشروط الجديد الذي سيضبط عمل ونشاط المدارس الخاصة، والذي يتوقع أن يرى النور قبل بداية السنة الدراسية الجديدة، وذلك بسب وعود الوصاية بتغيير التشريعات المنظمة لاستثمارات القطاع الخاص في مجال التربية والتعليم.
وقال وزير التربية عبد الحكيم بلعابد في آذار مارس الماضي إنّ دفتر شروط المدارس الخاصة جاهز، وسيصدر قريبا، مبيّناً أنّ التّشريع المنتظر"جاء لدعم التعليم الخاص، وأنه تضمن تحفيزات لتشجيع هذا النوع من التعليم".
ولفتبلعابدإلى أنّ" التعليم الخاص والتعليم العمومي منظومة تربوية واحدة تُنفّذ البرنامج نفسه وبالكيفيات والشروط نفسها، عدا تلك الأمور البسيطة التي يضيفها التعليم الخاص والمرخصة من طرف الوزارة، غير أنه يبقى منظومة واحدة موحّدة تدور حول البرنامج والقيم و الأهداف".
وأضاف الوزير بأنّ المدارس الخاصة ستكون ضمن مجهودات الدولة بمشاركتها في خلق تكامل مؤسساتي، حيث ستغطي العجز المسجل في بعض المدن وفق الخريطة الولائية الخاصة بكل ولاية.
ورغم أن الوزارة لم تكشف عن دفتر الشروط الجديد، إلا أنّ المستشار التربوي كمال نواري أكد لـ"الترا جزائر" أن التشريع المنتظر لم يؤجل وسيصدر في الأيام المقبلة بالنظر إلى أن " المنشور الإطار للدخول المدرسي 2025/2024 أشار إلى أن الدخول المدرسي الجديد سيتميز بتطبيق أحكام المرسوم التنفيذي المحدد لشروط و إجراءات اعتماد مؤسسات التربية و التعليم الخاصة وسيرها ومراقبتها".
وأشار نواري إلى أنّه" تمّ عقد جلسات بين عدة قطاعات لها علاقة بالملف كالتجارة والصحة والداخلية والتجهيزات العمومية، والتي كللتبإعداد دفتر جديد هو جاهز اليوم".
ضرورة
يتّفق المتابعون لقطاع التربية من نقابيين وناشطين تربويين وأولياء تلاميذ أنّ الطريقة التي تشتغل بها المدارس الخاصة في الجزائر تستحق التعديل، بالنظر لكثرة المشاكل التي يغرق فيها هذا النشاط الذي يجمع بين التجارة والربح الاقتصادي.
ومن أبرز هذه المشاكل نقص المؤطرين، وبالخصوص في المستوى المتوسط، الأمر الذي يجعل أصحاب المدارس الخاصة يوظفون الأساتذة وفق نظام الساعات، وليس براتب كما هو الأمر في الطور الابتدائي، مثلما أوضحته مدير مدرسة خاصة لـ"الترا جزائر".
وأشارت المديرة ذاتها إلى إن المدارس الخاصة تخضع لزيارات تفقدية عديدة من قبل مفتشي التربية للنظر في مدى التزامها بالقوانين المنظمة لنشاطها.
ويعتبر الخبير التربوي كمال نواري أن نشاط المدارس الخاصة "ملف شائك، والكثيرون يعتقدون انه لا يمكن فتحه لارتباطه برجال المصالح التي لها علاقة بالخارج، لذا من الواجب إعادة النظر في هذا الملف لسببين هما السيادة الوطنية، ونمطية البناء المدرسي".
وقبل عام، رفعت وزارة التربية في الجزائر مع بداية السنة الدراسية المنقضية عمليات التفتيش والمراقبة التي تجريها بالمدارس الخاصة، لوقف ظاهرة تدريس المِنْهاج الفرنسي في المؤسسات التربوية الجزائرية، متّخذة في حق المخالفين قراراتٍ تصل حتى الغلق النهائي، وذلك اجع إلى أنّ الاتفاق الموقّع بين الوزارة وأيّ مالك لمدرسة خاصة ينصُّ على ضرورة الالتزام بتطبيق البرنامج الدراسي الجزائري، وعدم الاجتهاد أو محاولة الإقدام على تطبيق برنامج أجنبي آخر سواءً كان فرنسيًا أو من دولة أخرى.
وخلال تلك الفترة؛ اتهم أولياء تلاميذ ومالكو مدارس مجمعا يملك 12 مدرسة بالعاصمة تطبق المنهاج الفرنسي وفق نظام تعليمي ينطلق من مرحلة الروضة عند عمر السنتين حتى 18 سنة، والمملوك لسيدة تقول بعض المصادر إنّها مقربة من السفارة الفرنسية في الجزائر.
عقوبات
تشير بعض المصادر إلى أنّ وزارة التربية تحصي 680 مدرسة خاصة معتمدة، فيما كان العدد لا يتجاوز 586 سنة 2021، وهو ما يعني أنّ هذه السوق تزداد اتّساعا، بالرغم من الانتقاد الذي يوجه لها، لكن الوزارة أوقفت منح التراخيص في المدة الأخيرة إلى غاية صدور دفتر الشروط الجديد، حسب متابعين للشأن التربوي.
وحسب الخبير التربوي، كمال نواري، فإن "الوضعية الحالية للمدارس الخاصة تتمثل في وجود أكثر من 500مؤسسة تربوية خاصة بالجزائر، 80% منها موجودة بالعاصمة و ضواحيها، وقد تم غلق حوالي 25 مدرسة لأنها لم تطبق البرامج الرسمية للتعليم المعمول به في مؤسسات التربية و التعليم العمومية التابعة لوزارة التربية، فيما تقدم 1%من المؤسسات الخاصة نشاطات اختيارية تربوية بترخيص من وزارة التربية الوطنية، إضافة إلى وجود مؤسسات خاصة تحصلت على الاعتماد و لم تفتح أبوابها لحد الآن".
وبهدف ضبط سوق المدارس الخاصة، وإنهاء حالة التسيب، يشير المستشار التربوي كمال نواري إلى أن دفتر الشروط الجديد يشدد على "إلزام أصحاب المدارس الخاصة بضرورة التقيد بالقرار الوزاري الذي يحدد نمطية البناءات المدرسية، أي تشييد بناء مدرسي مخصص أساسا للتربية والتعليم، و يشمل كل الضروريات والهياكل البيداغوجية والفضاءات التربوية وفق البرنامج المساحي والمقاطعة الجغرافية لتلبية الطلب الاجتماعي للتربية للمرحلة التعليمية المعنية، بالإضافةإلى وحدة الكشف ومتابعة الصحة المدرسية، مثلا الطور الابتدائي يتطلب حجرات مدرسية، وقاعة إعلام آلي، وقاعة مطالعة، وقاعة متعددة النشاطات، ودورة المياه للتلاميذ والمستخدمين، مكتب المدير ، ساحة...."
ويشدد التشريع المرتقب على ضرورة "تطبيق البرنامج الدراسي الوطني وبالكيفيات نفسها والشروط دون تغيير، وإعطاء مهلة قد تصل ثلاث سنوات للمدارس القديمة للتكيف والتطابق مع الدفتر الجديد، وتحديد العلاقة التعاقدية أو عقد التمدرس بين المدارس والأولياء، وتطبيق شروط التوظيف نفسها المعتمدة في المدارس العمومية:
ويشدّد دفتر الشروط على "تدريس كل المواد باللغة العربية عدا اللغات الأجنبية، والمشاركة الإجبارية في الامتحانات المدرسية التي تنظمها الوزارة، كما أنه على المدارس الخاصة تحديد مصادر تمويلها، وتأمين تلاميذها وموظفيها، ومنع التمويل الخارجي الأجنبيلها، وتحديد عقوبات صارمة لكل مخالف لأحكام هذا التشريع".
أثبتت الممارسة الميدانية أنّ المؤسسات التربوية الخاصة قد أصبحت اليوم واقعا لا يمكن تجاهله في ظل الإقبال المتزايد عليها والذي أصبح لا يقتصر على التلاميذ المنتمين لعائلات ثرية، إنما حتى من أولئك الذين يصنف والديهم ضمن الطبقة المتوسطة، الأمر الذي يُحتّم على الوزارة القيام بمراجعة دقيقة لنشاط هذه المدارس وفق رؤية بيداغوجية وتربوية بحتة تحترم مقوّمات الهوية الوطنية الجزائرية.