03-أبريل-2024
المدارس الخاصة في الجزائر

(الصورة: المسار العربي)

تعكف وزارة التربية الجزائرية على تحضير دفتر شروط جديد يتعلق بنشاط المدارس الخاصة في الجزائر، والذي ينتظر أن يطبق خلال الموسم الدراسي المقبل، في خطوة يرجى منها إنهاء الفوضى التي تطبع نشاط المدارس الخاصة، وبالخصوص ما تعلق منها بتطبيق المنهاج الفرنسي في بعضها بدل المقرر المتعمد من قبل الوصاية.

رغم مرور أكثر من عقدين على بدء نشاط المدارس الخاصة في الجزائر، إلا أن تجربتها ما تزال محل شد وجذب بشأن مدى مساهمتها في تحسين التعليم بالبلاد

ورغم مرور أكثر من عقدين على بدء نشاط المدارس الخاصة في الجزائر، إلا أن تجربتها ما تزال محل شد وجذب بشأن مدى مساهمتها في تحسين التعليم بالبلاد، إذ أن نتائج الامتحانات الرسمية الوطنية ما تزال تصب لصالح التعليم الحكومي، وهي تجربة تختلف عن باقي التجارب في العالم التي يشكل فيها التعليم الخاص مجالا للتفوق والنجاح.

قيد الإعداد

أعلن وزير التربية عبد الحكيم بلعابد الخميس الماضي خلال زيارته لولاية المدية  انشغال مصالحه بإعداد دفتر شروط جديد خاص بفتح مدارس خاصة للتعليم.

وقال بلعابد إن مصالحه تحضر لإعداد دفتر شروط جديد في إطار دعم التعليم الخاص وضمان تأطير أفضل لهذه المؤسسات التعليمية، مبينا أن التعليمين الخاص و العمومي "متكاملان ويخضعان للمعايير والبرنامج نفسها و يشتركان في نفس الأهداف المتمثلة في ضمان تعليم أفضل للمتمدرسين".

ولفت وزير التربية إلى تسجيل "هذا المسعى يندرج ضمن الجهود التي تبذلها الدولة منذ عدة سنوات بهدف تحسين مستوى التعليم".

وأشار بلعابد إلى"وجود طلب في هذا المجال الذي يقتضي الجدية والضرورة بالنسبة للمدارس الخاصة المستقبلية لاستيفاء المعايير الضرورية مع الامتثال للتشريع في المجال".

ويرتفع عدد المدارس الخاصة من سنة إلى أخرى، فقد أصبحت مجالا للاستثمار الرابح رغم السمة التعليمية والتربوية التي يحملها، حيث تحصي وزارة التربية اليوم 680 مدرسة خاصة معتمدة، فيما كان العدد لا يتجاوز 586 سنة 2021، وهو ما يعني أن هذه السوق في توسع متواصل، بالرغم من الانتقاد الذي يوجه لها.

ويرى رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين صادق دزيري أن قطاع المدارس الخاصة يعيش فوضى وجب على الوصاية إنهائها، لذلك فإن خطوة وضع دفتر شروط جديد من قبل الوزارة هدفه ألا تبقى هذه المؤسسات التربية معزولة عما يجري بالمدارس العمومية، وذلك من خلال جعلها على الدوام تحت عين رقابة الدولة والمفتشين العموميين المكلفين بذلك، وفق ما قاله لـ"الترا جزائر"

17 سنة

تستند المدارس الخاصة في الجزائر في نشاطه على دفتر الشروط الصادر عام 2004، والذي يراه الجميع أنه أصبح غير صالح للتطبيق اليوم، بالنظر إلى المتغيرات التي عرفها المجتمع والمدرسة ككل، إضافة إلى أن القانون حمل في طياته منذ البداية ثغرات لم تعالج حتى الآن، وهو الذي أدخلت عليه تعديلات عام 2020 خلال فترة جائحة كورنا جراء الوضع الذي حدث بسبب امتناع إدارات بعض المدارس عن تسليم كشوف النقاط لرفض الأولياء دفع كافة التكاليف.

وقالت مديرة مدرسة خاصة بالعاصمة الجزائر لـ"الترا جزائر" إن مؤسستها التربوية كانت تخضع عند افتتاحها في 2018 لدفتر الشروط الصادر عام 2004، إلا أنه تم التحول خلال السنة الدراسية 2020 -2021 للعمل بدفتر الشروط المعدل الصادر خلال فترة كورونا.

وتضمّن العقد النموذجي الموقَّع بين وزارتي التربية والتجارة عام 2020، جملة من الشروط المحددة لكيفيات تمدرس التلاميذ في المؤسّسات التربوية الخاصّة، والتي جاءت في 25 مادة تبيّن حقوق وواجبات كل طرف.

ونصّت المادة السابعة من العقد على  ضمان حق تمدرس التلميذ إلى غاية سن 16 سنة كاملة، واحترام شرط السن القانونية للالتحاق بالسنة الأولى ابتدائي والتربية التحضيرية، وضمان حق أولياء التلاميذ في استلام كل الوثائق الخاصّة بتمدرس أبنائهم، وإلزامية تسجيل التلميذ على الأرضية الرقمية لوزارة التربية الوطنية، واكتتاب عقد تأمين للتلاميذ.

وجاء في المادة الثامنة على أنه "يتم تعليم التلاميذ على مستوى المؤسسة الخاصة أساسًا حضوريًا وفي حال حدوث طارئ تضمن المؤسسة الخاصة استمرارية التعليم عن بعد وعند استحالة تطبيق نظام التعليم عن بعد، تلتزم المؤسسة الخاصة بإرجاع مستحقات التمدرس".

وتطرقت المادة 12 هي الأخرى ملف المستحقات الذي كان محل خلاف بين الأولياء وبعض المدارس الخاصة عقب جائحة كورنا، فقد بينت أنه "يلتزم ولي التأمين بدفع مستحقات التمدرس بعنوان السنة الدراسية، حيث تحدد هذه المستحقات لكل مرحلة ومستوى تعليمي بأقساط على شكل دفعات لثلاثة أشهر مجزأة شهريًا وباحتساب كل الرسوم.

لب التعديل

يعتقد متابعون للشأن التربوي أن السبب الرئيس لحرص وزارة التربية على تعديل دفتر شروط عمل المدارس الخاصة هو وضع حد للتجاوزات التي تحدث بشأن تطبيق المنهاج الفرنسي في بعضها، والذي جرت بشأنه عملية تفتيش واسعة في بداية الموسم الدراسي الحالي.

وقالت مديرة المدرسة الخاصة التي تحدثت مع "الترا جزائر" إن الوزارة تعمل منذ عامين على إعداد دفتر الشروط الجديد، لتنظيم هذا القطاع وجعله فاعلا أساسيا في المنظومة التربوية الوطنية.

وتؤيد المديرة ذاتها القرار الذي يمنع تدريس المنهاج المزدوج أي الجمع بين المقررين الدراسيين الجزائري والفرنسي، مشيرة إلى أن ذلك غير مقبول على الإطلاق، لكنها شددت على أن يحرص دفتر الشروط المرتقب على ضمان رخصة الساعات الإضافية لتعليم اللغات الأجنبية سواء الفرنسية أو الإنجليزية، وهو ما تقوم به مؤسستها التي حصلت على ترخيص إضافة خمس ساعات فوق المقرر الدراسي لتدعيم التعليم في اللغات الأجنبية.

وتلزم المادة الخامسة من دفتر الشروط المعدل الصادر في 2020  المدارس الخاصة بـ "التعليم باللغة العربية في جميع المستويات التعليمية، وتطبيق البرامج التعليمية الرسمية لوزارة التربية الوطنية، واحترام الحجم الساعي، والتقيد بنفس شروط توظيف المستخدمين التربويين والإداريين المعمول بها"، إلا أن عديد المؤسسات الخاصة تخرق هذا الشرط وتدرس المنهاج الفرنسي خفية، وبطلب بعض الأولياء أحيانا، بالنظر إلى أن ذلك يسمح لأبنائهم بدخول امتحان البكالوريا الفرنسي عند بلوغ السنة الثالثة ثانوي، والنجاح فيه يسهل بعدها إكمال الدراسة خارج البلاد في الجامعات الفرنسية.

غير أن رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين الصادق دزيري يرى أن التعديل المرتقب لا يمكن حصره في توفير حماية أكبر تمنع تطبيق المنهاج الفرنسي في المدارس الخاصة، إنما يرتبط بضرورة إنهاء الفوضى التي تطبع نشاط هذه المؤسسات التربوية.

وباشرت وزارة التربية في الجزائر مع مطلع  السنة الدراسية الجديدة حملة تفتيش ومراقبة واسعة استهدفت المدارس الخاصة، بهدف وقف ظاهرة تدريس المِنْهاج الفرنسي في المؤسسات التربوية الجزائرية، متّخذة في حق المخالفين قراراتٍ تصل حتى الغلق النهائي.

مطالب

يشدد دزيري على ضرورة أن يتضمن دفتر الشروط  الجديد إجراءات من شأنها أن تفتح آفاقا للمدرسة الخاصة تجعلها أداة عون في العملية التربوية، لتخفيف العبء الموجود اليوم على عاتق المدرسة العمومية،  وذلك بجعل التعليم فيها جذابا ونوعيا.

 ودعا دزيري إلى جعل المدارس الخاصة فضاء تربويا لتخريج التلاميذ النجباء وجاذبا للالتحاق به، لإنهاء الوضع الحالي الذي يتميز بأن  جانب كبير من المنتسبين للمدارس الخاصة هم من المتأخرين في الدراسة وذوي النتائج التربوية غير الممتازة.

وبشأن ظاهرة تضخيم النتائج المتهمة بها المدارس الخاصة، يرى دزيري أن هذا المشكل  لا يعالج في دفتر الشروط إنما من قبل هيئة التفتيش المطالبة بأن تكون خرجاتها ومراقبتها لعمل المدرسة الخاصة مشابه للحرص المطبق بالمدارس العمومية.

رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين: يجب أن يتضمن دفتر الشروط  الجديد إجراءات من شأنها أن تفتح آفاقا للمدرسة الخاصة تجعلها أداة عون في العملية التربوية، لتخفيف العبء الموجود اليوم على عاتق المدرسة العمومية

ومن النقاط التي يراها دزيري ضرورية في دفتر الشروط هو عقود توظيف الأساتذة بالمدارس الخاصة، حيث يشدد هنا على ضرورة استيفائه الإجراءات التي ينص عليها قانون العمل، وبالخصوص ما تعلق بالتأمين ودفع الاشتراكات بصندوق التقاعد.

لكن مديرة المدرسة الخاصة التي تنشط في هذا المجال ترى أن من النقاط الواجب أخذها بعين الاعتبار في مشروع القانون الجديد هو أن ضرورة المستوى الجامعي لمن تمنح له رخصة فتح مدرسة خاصة، ومن  الأحسن أن يكون أيضا من قطاع التربية أو المجالات المرتبطة بها كعلمي الاجتماع والنفس، وليس فتح الباب أمام أي أحد يملك رأس المال للاستثمار في هذا المجال الذي يبقى هدفه الأول تعليمي تربوي حتى وإن كان يحمل أهدافا تجارية مالية.

لكن هذا الشرط قد يقوض من حجم الاستثمار في مجال المدارس الخاصة، لذلك من الأحسن على وزارة التربية المزاوجة بين الجانبين، باشتراط مراعاة الجانب التعليمي وفق شروط محددة ودقيقة لما يكون المستثمر بعيدا عن قطاع التربية ويفتقد للمستوى التعليمي المطلوب.

 ودعت المديرة ذاتها إلى ضرورة اشتراط أن يكون مقر المدرسة الخاصة مهيأ لهذا الغرض بالتحديد أي إقامته وفق التصاميم الخاصة بالمدارس، وليس أقامته في عمارة أو فيلا كما هو الأمر اليوم بالنسبة لبعض المدارس الخاصة، إضافة إلى إلزام كل المدارس بوضع كاميرا مراقبة داخل هذه المدارس من أي تجاوزات أو أخطار سواء تعليمية أو جسدية أو تربوية.

وترى التربوية ذاتها أن يحمل دفتر الشروط المرتقب نظرة جديدة تجعل الوصاية تنظر للتلميذ المنتسب للمدرسة الخاصة بالنظرة نفسها لتلميذ المدارس الحكومية، والتخلص من اعتباره "كدخيل"، حيث يجب النظر إلى المدرسة الخاصة على أنها شريك مهم وأساسي في الرقي بالمستوى التعليمي في البلاد.

لا أحد من التربويين ينكر أن قطاع المدارس الخاصة في حاجة لمراجعة وإصلاحات عميقة وربما جذرية، إلا أن هذا الإصلاح يجب أن لا يكون بمعزل عما يحدث بالمدارس العمومية التي تحتاج برامجها برأي البعض لإصلاحات أيضا تحررها من قرارات الوزيرة السابقة نورية بن غبريت وإصلاحات علي بن زاغو التي صيغت وفق رؤية غربية فرنسية.