01-فبراير-2024

احتجاجات نقابات التربية (صورة أرشيفية/الترا جزائر)

لطالما أنبأت احتجاجات الأساتذة ومعلمو التربية بانفجار الوضع الاجتماعي في بقية القطاعات، فهي غالبًا ما تسبق أي احتجاجًا يرفع مطالب اجتماعية لقطاع معين في الوظيف العمومي، ولذلك لقدرة نقابات التربية وعددها كثير، على توحيد إضرابها في بقية الولايات، ولأن قطاع التربية حساس جدًا للحكومات المتعاقبة، ويستدعي معالجته في أقرب الآجال، لارتباطه بمصير التلاميذ.

يترقّب عمال قطاع التربية بمختلف رُتبهم الإفراج النهائي عن القانون الأساسي المنتظر منذ 12 سنة

اليوم، يترقّب عمال قطاع التربية بمختلف رُتبهم الإفراج النهائي عن القانون الأساسي المنتظر منذ 12 سنة على أمل معالجة الاختلالات الموجودة في التشريع الحالي، والذي من شانه أن يضع حدًا للاحتجاجات التي شهدتها المؤسّسات التربوية في السنوات الماضية في حال استجابة الوزارة لمطالب الشريك الاجتماعي الذي هدّد في أكثر مرّة بعدم السكوت عن أيّ إجحاف جديد قد تتضمّنه الوثيقة المنتظرة.

وظلّ القانون الأساسي موجودًا على رأس مطالب نقابات التربية، التي انتقدت في عدّة مناسبات التعديلات التي مسّته، بالنظر إلى أن الوصاية لم تأخذ انشغالاتها على محمل الجد.

نسخة جديدة

وعد الرئيس عبد المجيد تبون منذ وصوله إلى الحكم بتحسين المستوى المهني والاجتماعي للمعلم والأستاذ، بالنظر إلى أن قطاع التربية أساس تطور المجتمع.

وقال تبون في تهنئته للمعلمين المصادف للخامس أكتوبر من كل عام في تغريدة نشرت على حسابه الرسمي بموقع "إيكس" "نجدد لكم التزامنا الدائم بدعمكم، وأملنا فيكم كبير، من أجل تعليم متطور وحديث".

وقامت الحكومة بإجراءات كثيرة لفائدة المعلمين من خلال ترسيم ألاف الأساتذة المتعاقدين، وفتح مناصب شغل لأساتذة اللغة الإنجليزية والتربية البدنية، ما قلّص  الضغط على معلمي الطور الابتدائي، لكن بقي قرار مراجعة القانون الأساسي لعمال التربية القرار الأبرز الذي اتخذه، حيث أمر في ديسمبر 2022 بإنهاء مشروع قانون الأستاذ قبل نهاية العام نفسه.

 غير أن تعقيد هذا الملف أجله حتى العام الحالي، فوزير التربية عبد الحكيم بلعابد كان قد صرح في تشرين الثاني نوفمبر 2022 بالانتهاء من إعداد مشروع القانون الأساسي الخاص بموظفي الأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية، معلنا وقتها بالشروع في لقاءات مع الشركاء الاجتماعيين للمشاورات بشأنه، وهو ما كان وراء تأجيل الملف إلى الوقت الحالي، بالنظر إلى اختلاف مقترحات كل نقابة، مع العلم أن قطاع التعليم يظم أكثر من 20 تنظيمًا عمّاليًا.

وفي أيلول/سبتمبر الماضي، جدد تبون تعليماته للحكومة بضرورة الإفراج عن القوانين الأساسية لأستاذ التربية الوطنية، ووعدت الوزارة بأن يكون ذلك قبل نهاية 2023، وهو ما لم يتم بعدما بعدما شدد  تبون على "ضرورة إثراء وتوضيح مضامين القانون الأساسي والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية، وبشكل أعمق، على أن يتم الفصل فيها، بداية من شهر فيفري202، مع احتساب الأثر الرجعي للرواتب والعلاوات بدءًا من شهر كانون/جانفي 2024".

والأسبوع الماضي، درست الحكومة في اجتماعها برئاسة الوزير الأول نذير العرباوي عرضًا حول مراجعة وإثراء مضمون  القانون الأساسي والنظام التعويضي للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية، وهو العرض الذي  ينتظر أن يجتمع له مجلس الوزراء في اجتماعه المقبل.

تخوف

غير أن الطريقة التي تعتمدها وزارة التربية، أثارت مخاوف لدى الشركاء الاجتماعيين، فقد عبّرت أربع نقابات هي المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية ومجلس أساتذة الثانويات الجزائرية، والنقابة الوطنية المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، والمجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس ثلاثي الاطوار للتربية، عن عدم رضاها بالمسار المنتهج من قبل إدارة عبد الحكيم بلعابد في التعامل مع مراجعة القانون الأساسي.

وقالت النقابات في بيان مشرك إن "عدم التزام وزير التربية الوطنية بتعهده، وإصراره على سرية ما تضمنه المشروع وعدم تسليم نسخة للنقابات، أثار حفيظتنا وزاد من تخوفاتنا في استهداف مكاسب الأساتذة خاصّة ما تعلق منها بالمهام والتصنيف في الرتب، وحيادًا على أوامر رئيس الجمهورية التي دعت إلى الرفع من مكانة الأستاذ والارتقاء بمهنة الأستاذية داخل القسم".

وسجّلت النقابات الأربع ما أسمته "استمرار سياسة الغموض والتعتيم المعتمدة اتجاه قانون الأستاذ وعدم مباشرة تطبيق أوامر رئيس الجمهورية بمراجعته واثرائه وتصحيحه بعمق".

إلى هنا، قال الأمين العام لمجلس أساتذة الثانويات الجزائرية زوبير روينة لـ"الترا جزائر"، إن ما تسرب في الكواليس للشريك الاجتماعي يتمثّل في معالجة القانون الأساسي وفق نظرة إدارية لا تعليمية، حيث تم جعل رتبة مدير أعلى درجات الترقية للأستاذ، وهو ما لا يخدم التعليم، حيث يُفضّل بعض الأساتذة جعل كامل مسيرتهم المهنية داخل القسم لتقديم خبراتهم، وهو ما يتطلّب الرفع من رتبهم وتصنيفهم إلى أعلى الدرجات الممكنة بعيدًا عن المهن الإدارية.

وتطالب النقابات بـ" إفراد وتمييز الأستاذ بقانون خاص به، وتسليمها نسخة ورقية عن المشروع الذي تم إعداده وعرضه خلال مجلس الوزراء دون اطلاعها عليه".

وتلح النقابات على "إشراك نقابات الأساتذة في مراجعة وإثراء وتصحيح القانون الأساسي الخاص بالأستاذ، وعدم المساس بالمكتسبات المادية والمعنوية والاقتصادية والاجتماعية للأستاذ والعمل على الارتقاء بها إلى مراتب عليا خدمة للعملية التعليمية التعلمية التربوية للأستاذ".

إجحاف؟

حرصت النقابات الأربعة على التوضيح في بيانها الذي بحوزة "الترا جزائر"، بأن " القانون الأساسي الخاص بالأستاذ يعد مطلبًا أساسيًا وجوهريًا يتطلب نقاشًا جادًا ومعمقًا بتشاركية فعلية، حيث أنه لا يمكن التغطية عن الاجحاف الذي سيلحق بالأساتذة من خلاله، بتوجيه النظر إلى النظام التعويضي الذي لا يعد بديلًا عنه بل مكملا له".

وأشار زوبير روينة في حديثه لـ"الترا جزائر" إن أطرافًا من الوصاية ترد على انشغالات النقابات بشأن المطالب التي قد لا يتضمّنها القانون الخاص بالقول إن تلك النقاط ستعالج في النظام التعويضي، رغم أن التشريعين مختلفين، وهو ما لن يقبله الأساتذة.

وشدد روينة على ضرورة أن تكون معالجة القانون الأساسي وفق خلفية بيداغوجية تعليمية لا خلفية تسييرية إدارية، مبينا أنه يمكن للنقابات أن تقدم تنازلات من أجل المدرسة في حدود المعقول لكن دون المساس بالحقوق المهنية والاجتماعية للأستاذ ومكانته داخل قطاع التربية لأنه يظل أساس التعليم والنقطة المركزية فيه.

تشبث الأساتذة بهذه المطالب، بحسب المتحدث، ليس معاداة لمهن أخرى في سلك التربية أو انتقاصًا منها، إنما هو دفاع عن الأستاذ والمعلم الذي وضع ثقته في هذه النقابات، ومن ثمة فلكل رتبة الحقّ في الدفاع عن انشغالاتها وفق ما تراه مناسبا لها.

وتتخوّف النقابات من تكرار التجارب السابقة لمراجعة القانون الأساسي، حيث أشار زوبير روينة أن الأخطاء المرتكبة منذ 2003 يجب تفاديها هذه المرة، وذلك بالحذر من أن لا يكون الأستاذة محور مراجعة القانون الأساسي.

وتسببت الاختلالات التي تضمنها القانون الاساسي رغم مراجعته ثلاث مرات في عقدين في احتجاجات وإضرابات واسعة شلت المدارس الجزائرية، وأثرت على مستوى التحثيل الدراسي جراء عدم إكمال البرنامج المقرر سنويا أو الإسراع في تلقينه، الأمر الذي أوجد في السنوات الماضية وبالخصوص في عهد الوزيرة السابقة نورية بن غبريت ما عرف بـ"العتبة" في امتحاني البكالوريا والتعليم المتوسط.

ونبهت النقابات الأربع من" الضرر الذي قد يلحق بهم جراء المساس بمكاسبهم واستهداف مكانتهم من خلال ما قد يتضمنه مشروع القانون الأساسي الجديد"، داعية إياهم إلى "اليقظة والتجنّد ورص الصفوف والالتفاف حول نقاباتهم لتحقيق مطالبهم المشروعة".

ولتفادي العودة للاحتجاجات، شددت النقابات على "فتح النظام التعويضي وإشراكها في إعداده وإثرائه من أجل استكمال العناية المادية المطلوبة وتثمين المهام الذي يؤديها الأستاذ".

ودعت النقابات الرئيس تبون" للتدخل العاجل لتدارك الأمر وإنصاف الأساتذة الذين يؤثرون البقاء في القسم خدمة لمصلحة العملية التعليمية التربوية، والذين يمثلون أكثر من 70 بالمئة من مستخدمي قطاع التربية الوطنية حفاظًا على استقرار القطاع ومعنويات الأساتذة".

يبقى قطاع التربية يعيش حالة الترقب لأن هذا التشريع المنتظر هو الذي سيحدّد مصير المدرسة بنسبة كبيرة

وفي انتظار ما ستتضمنه النسخة النهائية للقانون الأساسي، يبقى قطاع التربية يعيش حالة الترقب لأن هذا التشريع المنتظر هو الذي سيحدّد مصير المدرسة بنسبة كبيرة، إما الهدوء والاستقرار والاهتمام بالجانب التعليمي أو العودة إلى الغليان والتفكير في الانشغالات الاجتماعية والمهنية.