تعكف وزارة التجارة على تحضير نص قانوني ينظم المساحات التجارية الكبرى التي تزايد عددها بشكل لافت في السنوات الأخيرة، بسبب الإقبال الكبير عليها من قبل المستهلكين، فهل سيكون التشريع الجديد مشجعا للاستثمار في هذا النشاط التجاري أم أنه سينهي فوضى طبعته في السنوات الماضية.
الدكتور عبد الصمد سعودي لـ"الترا جزائر": المراكز التجارية الكبرى تحرص على القيام بتخفيضات في السلع والخدمات المعروضة وهو ما يجذب الزيون إليها
ومع تغير النمط الاستهلاكي للجزائريين في السنوات الأخيرة، وتراجع القدرة الشرائية عند بعض المنتمين للطبقة المتوسطة، أصبحت المراكز التجارية الكبرى المقصد المفضل لعديد الجزائريين بالنظر إلى الأسعار التنافسية التي تباع بها السلع في هذه الفضاءات، وتقديمها منتجات عديدة سواء تتعلق بالمواد الغذائية أو الألبسة في مكان واحد، إلا أنه رغم ذلك ما تزال تحتاج إلى تنظيم أكبر كون لا يختلف بعضها عن محل تجاري بسيط.
إقبال واسع
قرر الثلاثيني عمر أن يعود لاقتناء حاجيات عائلته اليومية من المركز التجاري متجر "فور ويكس" شرقي العاصمة الجزائر، والذي كان يحمل اسم "أرديس" سابقًا، واستأنف نشاطه منذ أكثر من أسبوعين من قبل وزير التجارة الطيب زيتوني، وذلك بالنظر إلى أن الأسعار به وبالمراكز التجارية الكبرى منخفضة، وتمكن أي موظف براتب شهري من اقتصاد بعض المال حتى ولو كان قليلا، مثلما قال لـ"الترا جزائر".
ولا يقتصر هذا الإقبال على عمر، فعديد العائلات أصبحت تفضل شراء حاجياتها من المحلات الكبرى حتى ولو كانت متخصّصة في نوع واحد من السلع سواءً الألبسة أو المواد الغذائية،وفق ما سرده الأربعيني علّام الذي يقطن بأحد المدن الداخلية، والذي قرّر أن يغير البقال الذي كان يشتري من عنده حاجياته الأسبوعية من المواد الغذائية بعدما تم افتتاح محل كبير كان سابقًا سوقًا للفلاح بولاية البويرة.
يبرّر علام ذلك بأن فارق الأسعار بين بقالية حيّه وهذا المحل الكبير واضح في مختلف السلع، والذي يصل في بعض الحالات حتى إلى 20 أو 30 دينارا في المنتج الواحد، ما يساهم في اقتصاد المصاريف، خاصة وأن هذا المحل الكبير به قصابة وخضّار وشباك للحلويات، وعرضه إضافة للمواد الغذائية مواد التنظيف والتجميل.
وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة الدكتور عبد الصمد سعودي في حديثه مع "الترا جزائر" أن تفضيل الجزائريين للمساحات التجارية الكبرى والإقبال عليها، يعود إلى توفر هذه الفضاءات على كل ما يطلبه المستهلك من ملابس ومواد غذائية وسلع وخدمات في مكان واحد، على عكس المحلات الصغيرة التي تكون مختصة في سلعة معينة واحدة.
وأضاف سعودي أن المراكز التجارية الكبرى تحرص على القيام بتخفيضات في السلع والخدمات المعروضة، وهو ما يجذب الزيون إليها، إضافة إلى عرضها لمختلف الموديلات والماركات العالمية، بالنظر إلى أنها تتعامل مع المصدر مباشرة، وهو ما يجعل أسعارها تفضيلية.
اهتمام حكومي
إلى هن، أعلن وزير التجارة الطيب زيتوني لدى إشرافه على افتتاح متجر "فور ويكس"، بالمركز التجاري "مارينا مول" المقابل لجامع الجزائر بداية الشهر الجاري توجه الحكومة لزيادة الاعتماد على المساحات التجارية الكبرى كأداة فعالة لتنظيم تموين السوق الوطنية وضبط الأسعار.
وقال زيتوني إن "الفضاءات التجارية الكبرى تعد أحد الوسائل التي يعول عليها لضمان تموين السوق بالسلع بطريقة منتظمة، وتقليص عدد الوسطاء في مسار التوزيع، ما من شأنه توفير أسعار تنافسية وكسر المضاربة."
وأضاف الوزير أن هذا النمط من تجارة التجزئة يسمح للزبائن باقتناء حاجياتهم بأريحية كبيرة، خصوصًا مع تنوع منتجاتها واستعمالها للتكنولوجيات الحديثة على غرار وسائل الدفع الإلكتروني (عبر البطاقة والهاتف النقال).
تدارك حكومي
بالنسبة للطيب زيتوني فإن هذا التوجه الحكومي لا يتعلق فقط بتشجيع نشاط استثماري في البلاد، إنما أيضًا هو العمل على تدارك التأخر المسجل في مجال المساحات التجارية الكبرى (التي تفوق مساحتها 2500 متر مربع) حيث لا يتعدى عددها حاليًا 58 فضاء على المستوى الوطني.
وأشار زيتوني إلى أن مصالحه قد باشرت العمل على تأطير نشاط المساحات التجارية الكبرى، حيث "سنشرع في تحضير الإطار القانوني الخاص بهذه المساحات بالإضافة إلى مراكز الشراء مع تسهيل الإجراءات لاستقطاب المستثمرين".
من جهته، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة عبد الصمد سعودي في تصريحه لـ"الترا جزائر" بأن بعض القوانين المنظمة لعمل المساحات التجارية الكبرى بحاجة إلى تحيين وتعديل، كونها ما تزال تعمل وفق سجل تجاري مشابه لذلك المطلوب للمحلات العادية، الأمر الذي يتطلب تدعيم التشريعات المنظمة لهذه النشاطات بترسانة من القوانين التي تمكن من تنظيم هذه المراكز التجارية الكبرى واستغلالها، وجعلها حالبة لاستثمارات حقيقية تضاف لتلك الموجودة حاليا.
وتعول الحكومة على تنشيط هذا النوع من النشاطات التجارية حتى وإن كانت ذات طبيعة استهلاكية بالدرجة الأولى، حيث أشار الوزير الطيب زيتوني إلى أن السوق الجزائرية ستشهد قريبًا دخول مستثمرين جدد جزائريين وأجانب مجال المساحات التجارية الكبرى ومراكز الشراء والتوزيع.
ويتحدث زيتوني بالخصوص، عن استثمار قطري في هذا المجال من شأنه فتح 500 فضاء تجاري على مستوى ولايات البلاد، مما سيسمح بتوفير 10 آلاف منصب شغل.
تأثير؟
يظهر من خلال تصريحات وزير التجارة أن الجزائر ستعرف في السنوات القادمة نموًا متواصلًا في السنوات الأخيرة، فإضافة إلى الاستثمار القطري المنتظر، ستقوم علامة " فور ويكس" التي حضر إشارة انطلاق عمله الوزير من خلال مخططها التنموي 2024-2032 بفتح 81 نقطة بيع على مستوى الجزائر الكبرى، من بينها 14 نقطة من نوع "هايبر ماركت" (مساحة كبرى)،و43 "سوبر ماركت كبير" و24 متجرًا جواريًا، بالإضافة إلى 12 نقطة بالهضاب العليا،و10 بالغرب الجزائري، و12 بالجنوب من نوع "هايبر ماركت".
لكن هذا التزايد المضطرد يشكل تخوفًا لدى أصحاب المحلات الصغيرة التي تضرر بعضهم من فتح المراكز التجارية بالقرب من مركز نشاطهم، وهو أمر يمكن ملاحظته في أي نقطة من البلاد.
غير أن أستاذ الاقتصاد لا يشاطر هذا الرأي، وبين في حديثه مع "الترا جزائر"، أن المنافسة الموجودة بين المساحات التجارية الكبرى والمحلات الصغيرة عادية، وغير مؤثرة بدرجة كبيرة، بالنظر لأن الأولى تنشط في الغالب في المدن الكبرى، فيما يتمركز نشاط الثانية بالبلديات والأحياء الصغيرة.
مع تغير النمط الاستهلاكي للجزائريين في السنوات الأخيرة وتراجع القدرة الشرائية عند بعض المنتمين للطبقة المتوسطة، أصبحت المراكز التجارية الكبرى المقصد المفضل لعديد الجزائريين
ويرى سعودي أن خصوصية كل نشاط تجعله مختلف عن الثاني وقليل التأثير عليه، فالمحلات الصغيرة تمتاز بقربها وسرعة الاقتناء منها بالنظر لوجودها في جوار الزبون في الغالب، فيما يتطلب التسوق من المساحات التجارية الكبرى وقتًا أكبر ووجود حظيرة للسيارات على الأقل، لذلك يرتفع نشاطها خلال العطلة الأسبوعية والمناسبات على عكس المحلات الصغيرة التي يكون نشاطها متشابهًا في أغلب الأيام.