03-سبتمبر-2022
العاصمة

شارع ديدوش مراد بالعاصمة (الصورة: أ.ف.ب)

خلال اجتماع مجلس الوزراء الماضي، أقر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون زيادات جديدة في أجور الجزائريين، تعد الخامسة من نوعها  منذ جلوسه على كرسي المرادية، وقال الرئيس إن الزيادات الجديدة والتي ستمس الأجور ومنحة البطالة ومعاشات المتقاعدين سيتم إدراجها عبر قانون المالية لسنة 2023، لتدخل حيز الخدمة بداية من الفاتح جانفي/كانون الثاني من السنة المقبلة، ولكن ستكون حسب التوازنات المالية للدولة وعائدات الخزينة خلال سنة 2022، فهل تكفي هذه الإجراءات لتحسين القدرة الشرائية؟

برلماني عن حركة البناء:  الحد الأدنى للأجور  المقدر بـ 20 ألف دينار مبلغ لا يكفي حتى لتأجير شقة من غرفة واحدة

تأتي هذه القرارات ذلك وسط تساؤلات حول طبيعة هذه الزيادة وحجمها، وهل ستشمل القطاعين العام والخاص، أم أنها ستكون حكرًا على موظفي الدولة فقط؟ خاصة وأن أغلب العمال في الجزائر شغالين في القطاع الخاص، أم أن الأمر أكثر تعقيدًا من إضافة آلاف الدنانير في رواتب الموظفين الشهرية؟ فالقضية ترتبط بالتضخم وتقهقر قيمة الدينار، وغلاء الأسعار واستفحال السماسرة والوسطاء في الأسواق، والذين يلتهمون فرحة أيّة زيادة جديدة في الأجور.

وموازاة مع ذلك كله، يتساءل "الباترونا" أو أرباب العمل في الجزائر ، هل ستقرر الحكومة هذه الزيادات بمفردها؟ أم أنها ستشرك النقابات وأرباب العمل في دراسة الأجور؟ عبر عقد لقاء جديد للثلاثية التي لم تلتئم تحت سقف واحد منذ سنوات، فالأمر يستحق حسبها، والظرف يفرض اجتماع أطراف العقد الاجتماعي والاقتصادي من جديد في لقاء عاجل.

4 زيادات

وفي انتظار الزيادة الخامسة، أقر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أربع إضافات في أجور الجزائريين منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية سنة 2019، دخلت جميعها حيز التنفيذ، ورغم الإيجابية التي جاءت بها، ولكنها لم تغير الكثير في الوضع المعيشي للجزائري، يقول الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي.

ويضيف الحيدوسي في تصريح لـ"الترا جزائر": "زيادات أجور الجزائريين حملت الكثير من التفاؤل، خلال السنتين الماضيتين سواءً عبر رفع الأجر الأدنى المضمون أو إقرار تخفيض في ضريبة الدخل الإجمالي أو حتى إلغاؤها لأصحاب أجور أقل من 30 ألف دينار أو تساويها، وحتى من خلال مراجعة قيمة النقطة الاستدلالية، لكن لم تحقق فرقًا كبيرًا في المستوى المعيشي"، خاصة في ظل انخفاض قيمة الدينار بـ 105 %مقارنة مع الوضع قبل 10 سنوات، ما يفرض زيادات لا تقل عن 20 ألف دينار كأدنى حد لتحسين الوضع فعليا.

وحسب الخبير الاقتصادي فإنه من الأفضل للجزائري الاستفادة من زيادات تدريجية في الأجور لا يلتهمها التضخم وارتفاع الأسعار، أحسن من إقرار زيادة معتبرة في فترة متباعدة قد تدوم 10 سنوات، يعقبها التهاب حاد في الأسعار وتضخم غير مسبوق يعود بالموظف إلى النقطة صفر،  أي مرحلة ما قبل الزيادة وربما يكون الوضع أسوأ بعد إقرار رفع الأجور .

سيناريوهات مفتوحة 

وأقر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أول زيادة في الأجور سنة 2020، وكانت عبارة عن إعفاء أصحاب الأجور أقل من 30 ألف دينار أو تساويها من الضريبة على الدخل الإجمالي سنة 2020 متبوعة برفع الأجر الأدنى  المضمون من 18 إلى 20 ألف دينار.

وأعقبها عبر قانون المالية لسنة 2022، تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي بشكل متفاوت حسب تفاوت الأجور مكن أصحاب الرواتب فوق 30 ألف دينار من الاستفادة من زيادات تتراوح بين 2000 و5000 دينار، وفي أعقاب ذلك أقر الرئيس زيادة في قيمة النقطة الاستدلالية مكنت الوظيف العمومي من انتزاع زيادات جديدة.

ويأتي ذلك وسط ترقب لما ستجود به الزيادة الخامسة والتي يرى الخبير الحيدوسي أنها "تبقى قابلة للتنفيذ عبر كافة السيناريوهات الماضية، كما يمكن أن تكون أيضا عبر إقرار منح مالية ثابتة في أجور الجزائريين".

 الأجر الأدنى 

ويثمن البرلماني عن حركة البناء الوطني كمال بن خلوف قرار الرئيس القاضي برفع أجور العمال لما يحمله من أثر إيجابي على نفسية الجزائريين وقدرتهم الشرائية، التي تأثرت بصفة بالغة بالمطبات الاقتصادية التي شهدتها الجزائر وكافة دول العالم خلال الأشهر الماضية، وكذا ارتفاع الأسعار، وتدني الحد الأدنى للأجور  المقدر بـ 20 ألف دينار،  وهو مبلغ لا يكفي حتى لتأجير شقة من غرفة واحدة، مع العلم أن نسبة هامة من العمال لا يمتلكون سكنًا ويلجأون إلى الإيجار.

ويقول بن خلوف في إفادة لـ"الترا جزائر" نحن كنواب بالبرلمان نتمنى أن تكون الزيادة المعلن عنها قريبًا على شكل جرعة إضافية في الحد الأدني للأجور "سميڨ"،  ورفعها إلى 25 ألف ولم لا 30 ألف دينار  (من 177 إلى 213 دولارًا ) وبالتالي سنشهد تحسنًا كبيرًا في الأجور".

وعاد المتحدث ليقول "لا نتوقع أن تكون الزيادات بهذه الصورة (أي رفع الأجر الأدنى المضمون)، فقد تم في المرة الماضية إلغاء جزء صغير من ضريبة الدخل الإجمالي دون مراجعة هذه النقطة، لذلك نتوقع تكرار نفس السيناريو هذه المرة، ففي حال أيّة زيادة، يفترض أن تكون هنالك إضافة حسب سلم وقواعد معينة"، مردفًا "الزيادة عبر ضريبة الدخل لن يكون لها تأثير على المواطن البسيط لأن المتضرر هو الذي يتقاضى أقل من 40 ألف دينار، أغلب هؤلاء العمال لديهم التزامات كثيرة وهم مضطرين  للبحث عن مصدر دخل ثان بعد الوظيفة".

ويشدد النائب البرلماني على أن أفضل طريقة لرفع الأجور هي رفع قيمة الحد الأدنى للأجر القاعدي للطبقة الشغيلة، فهذه الخطوة الوحيدة التي بإمكانها تحسين أجر العامل، وتمنحه إضافة يعول عليها عند تقاعده".

القطاع الخاص

ويبقى الغموض يلف مصير عمال وأجراء القطاع الخاص، والذين تفوق نسبتهم 50 % من عمال الجزائر، فهل سيحظى هؤلاء أيضًا بزيادة في الأجور أم أن الأمر سيقتصر على موظفي الدولة؟ وفي هذه الحالة فالوضع المعيشي للجزائري لن يتحسن بحكم أن الأغلبية عمال أجراء لدى الخواص.

في هذا السياق، يقول عضو التنسيقية الوطنية لأرباب العمل  (تنسيقية تضم 5 منظمات باترونا) منير روباعي في تصريح لـ"الترا جزائر" إن القطاع الخاص يظلّ أيضًا بحاجة لدعم الدولة حتى يتمكن من رفع أجور العمال خاصة وأن نسبة كبيرة من الشركات تكبدت خسائر باهضة خلال فترة "كوفيد - 19"، كما يدعو المتحدث لحوار وطني مع مسؤولي الحكومة والنقابات لمناقشة إمكانية استفادة العمال من زيادات في الأجور، داعيًا إلى تنظيم لقاء ثلاثية في القريب العاجل.

ويأتي ذلك رغم أن القطاع الخاص استفاد من جملة كبيرة من الامتيازات خلال فترة "كوفيد -19"، لا تزال سارية المفعول إلى اليوم، منها تأجيل تسديد أقساط البنوك إلى تاريخ لاحق، مع عدم تسجيل غرامات التأخّر ضد هؤلاء الزبائن، وإلغاء غرامات التأخر لدى صناديق الضمان الاجتماعي، وأجندة مريحة لتسديد الضرائب، وذلك بهدف الإبقاء على هذه المؤسسات في ظلّ جمود النشاط الاقتصادي وحمايته من الإفلاس أو الاختفاء من السوق، لاسيما المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة.

زيادة الأجور باتت إجراءً إلزاميًا بعد تآكل القدرة الشرائية 

وفي النهاية، تبقى زيادة الأجور فرضية إلزامية في ظل التآكل الذي تشهده القدرة الشرائية للمواطن الجزائري يومًا بعد آخر، إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحًا "كيف ستتم هذه الزيادة؟ وهل ستشمل الجميع"؟ فلا يمكن اليوم إلغاء أي فئة أو استثنائها من هذا الحق مهما كانت الأسباب.