15-أغسطس-2022
(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تعتزم الحكومة الجزائرية زيادة أجور موظفي القطاع التابعين للدولة وزيادة منح العاطلين عن العمل بداية العام المقبل في خطوة تأمل من خلال تهدئة الأجواء قبل دخول اجتماعي متوتر في ظلّ موجة غلاء ابتلعت آخر مراجعة لسلم الأجور في الربع الأول من العام الجاري، فهل تشكل هذه الزيادات أعباء إضافية على الخزينة العمومية.

زيادات الأجور التي أعلنت عنها الحكومة في الثلاثي الأول من السنة الجارية لم تكن مرضية

وتعهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حواره الصحفي الأخير بأن أن يبدأ العمل بالزيادات الجديدة بدءًا بالعام المقبل. قائلًا: "الموازنة تسمح بذلك"، في تلميح لتحسن المؤشرات الاقتصادية وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات  بفضل تعافى مداخيل مبيعات النفط والغاز والمرتقب أن تبلغ سقف 48  مليار دولار عند إغلاق العام 2022 بحسب قانون الموازنة الاضافي الصادر في الجريدة الرسمية.

واستقبل القرار الذي أعلنه الرئيس الجزائري بزيادة الأجور بارتياح لدى العمال غير الراضين عن الزيادات التي منحتها السلطات في الثلاثي الأول من العام الجاري 2022، والتي لم تتجاوز بضع آلاف من الدينارات الجزائرية، فلم تساعدهم تلك الزيادات الرمزية على مواجهة غلاء المعيشة وخصوصًا ارتفاع أثمان المواد الغذائية.

وأفاد الناشط النقابي نبيل فرقنيس "الترا الجزائر"، باتت الزيادات ضرورية  لأن آخر مراجعة للأجور التي تمت مطلع العام الجاري لم تحقق اهدافها، إذ سرعان ما تبخرت بسبب التضخّم.

وأوضح يقف الجزائريون مشدوهون أمام ارتفاع وتيرة تضخم الأسعار الذي بلغ مستويات قياسية وخصوصًا في فصل الصيف الحالي، وتابع "تصوروا أن مثلًا أن قارورة المياه سعة لتر ونصف التي يتم تعبئتها بمبلغ رمزي تباع في منطقة سياحية بـ 100 دينار جزائري، أي بزيادة قدرها 300 في المئة  أما فاكهة الموز فتضاعف ثمنها لتقارب سقف 1000 دينار جزائري  رغم انخفاض سعرها في السوق العالمية بحوالي عشر مرات".

و في هذا السياق أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة الدكتور أحمد شريفي في تصريح لـ "الترا الجزائر" أن الوضع الحالي يساعد الحكومة على اتخاذ إجراءات لتهدئة الجبهة الاجتماعية المتضررة كثيرًا بسبب أزمة كوفيد والتضخم الذي مس أسعار المنتجات الغذائية، لمساعدة العمال والموظفين الأهداف على تحسين مداخليهم، ومواجهة التضخم".

وأوضح قائلًا "انهارت القدرة الشرائية بدءًا من العام 2015 بتراجع نصيب الفرد من الدخل الوطني وار تفاع التضخم والضرائب والرسوم على المنتجات الطاقويةوغيرها وانخفاض قيمة الدينار وجمود الأجور ".

تحديات 

و بحسب نبيل فرقنينس فإن هذه الزيادات لن تكون ذات منفعة إلا إذا أرفقت بسياسات لضبط السوق المحلي، وتابع نخشى أن ترتفع الأسعار من الجديد فالتجار أيضًا يريدون الحصول على حصة من هذه الزيادات مما يوجب بإجراءات لمراقبة النشاط التجاري .

من جهته طرح الأستاذ شريفي قضية التحديات التي تواجه موازنة الدولة  في ظل الاعتماد  المفرط على مداخيل المحروقات وليس على أساس إقتصاد حقيقي قائم على الإنتاج وتنوع الصادرات ، موضحًا "نعلم أن تحسن أرباح صادرات المحروقات واستعادة التوازنات المالية الداخلية والخارجية حدث بفعل متغيرات خارجية غير مستقرة "، في إشارة الى الظروف التي ساعدت على انتعاش أسعار المحروقات والتي ترتبت عن الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو في مجال الطاقة خصوصًا. متوقعًا ان تفرض الزيادات في الأجور أعباء إضافية عالى الخزينة العمومية.

وفي هذا السياق حذّر البنك الدولي في أحدث تقرير له بعنوان "تعزيز الصمود في الوقت الملائم" من صعوبات قد تواجه الاقتصاد الجزائري بعد عامين، وقال في تقريره الصادر في الثالث من شهر آب/أوت الجاري "بالنظر إلى سياق عدم اليقين المحيط بتطور الاقتصاد العالمي، فمن الممكن أن يؤدّي انخفاض متوقع في أسعار صادرات الهيدروكربونات وفي أحجامها في 2023-2024 إلى تدهور تدريجي في أرصدة المعاملات الخارجية والميزانية".

توزيع للريع أم شراء  السلم ؟

تفتقد الجزائر في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون لاحتياطيات مالية كبيرة  بعكس ما تمتع به سلفه عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) في سنوات حكمه الأولى، ما مكن الأخير من ترسيخ سلطته على البلاد،وإسكات أصوات الاحتجاج والمقاومة، من خلال تقسيم ملايير الدولارات على الموظفين في شكل منح وهبات فيم عرف بالأنظمة التعويضية.

ورغم اختلاف الظروف و القدرات يسير الرئيس تبون، الذي يعتقد أنه يطمح لتبوأ عهدة رئاسية ثانية، على الطريق ذاته بتوزيع الريوع على الجزائريين لخدمة أهدافه  في خطة تضم لتنفيس الغضب الشعبي، والتي ارفقت سياسات ضمت التراجع عن ضرائب وخفض رسوم فرضت في قانون الموازنة السنوي 2022،زادت في متاعب اقتصاد محلي لازال يحاول تجاوز أثار الركود الاقتصادي الذي ضاعفته أزمة كوفيد،والذي تسببت في فقدان آلاف مناصب الشغل وشلل قطاعات اقتصادية كانت رافدًا للنمو الاقتصادي في البلاد وأهمها قطاع الإنشاءات.

يعتقد كثيرون أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون يطمح لعهدة رئاسية ثانية 

وتحتل الجزائر حسب البنك العالمي صدارة الدول العربية في عدالة توزيع الريع  استنادًا لما ذكره استاذ المستقبليات الأردني من أصل فسلطيني وليد عبد الحي  في بحث له، برغم عمليات النهب والفساد التي شهدتها البلاد في أعوام سابقة.