01-أغسطس-2022

السلطات الجزائرية ترحّل بانتظام المهاجرين الأفارقة قسريًا (فاروق باتيش/الأناضول)

تعمل الحكومة الجزائرية  حاليًا على إعداد مشرع قانون لمكافحة الاتجار بالبشر،والذي يراد منه وقف هذا الظاهرة بالجزائر، ووضع حد للتقارير الدولية التي اتخذت من هذا الملف في مجال حقوق الإنسان، خاصة حول التعامل  مع المهاجرين الأفارقة.

عبد الغني مرابط: إصدار قانون خاص بتجريم الاتجار بالبشر أصبح  ضرورة في الجزائر

ورغم أن القانون الجزائري يتضمن نصوصًا تشريعية تجرم الاتجار بالبشر، وتكفل جميع حقوق الإنسان التي نص عليها الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة، إلا أن ذلك يبقى بنظر تقارير دولية و"حقوقية" غير كاف، وهو ما أصبح يشكل صداعًا للجزائر التي ترفض على الدوام جل هذه التقارير الخارجية، وتعتبرها مجانبة للحقيقة وتصفها بـ "العلومات المغلوطة".

تشريع جديد

أفاد الأسبوع الماضي بيان لوزارة الخارجية الجزائرية بأن  الحكومة تعمل حاليًا على  وضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون يتعلق بمنع ومكافحة الاتجار بالأشخاص، حيث ينتظر عرضه على البرلمان للمصادقة عليه.

وقالت وزارة الخارجية إن "هذه التدابير تعد جزءًا من السياسة والاستراتيجيات الوطنية لمنع ومكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز حقوق الإنسان، من خلال العمل المنسق بين مختلف الفاعلين الوطنيين وممثلي المجتمع المدني الجزائري، وكذا مع شركاء الجزائر الدوليين".

وأشارت الوزارة إلى أن "اللجنة الوطنية لمنع ومكافحة الاتجار بالبشر، التي أنشئت في عام 2016 وترأسها وزارة الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، خطة عملها 2022-2024 والتي توفر سلسلة من الأنشطة في مجالات الوقاية والمتابعة القضائية وحماية الضحايا وتطوير شراكات وطنية ودولية".

وسبق لرئيس اللجنة الوطنية للوقاية من الاتجار بالأشخاص ومكافحته عبد الغني مرابط أن أعلن  شهر أيار/ماي الفارط عن  قرب صدور قانون جديد خاص بمكافحة الاتجار بالأشخاص.

ونقلت  تقارير إعلامية عن مرابط قوله إن مشروع هذا القانون سيكون شاملًا وخاصًا بجريمة الاتجار بالأشخاص التي يعاقب عليها القانون حاليًا، بالنظر إلى عدم وجود قانون خاص بهذه الظاهرة، ما عدا الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، موضحًا أن لجنته انتهت من إعداد هذا المشروع وتم إرساله إلى الأمانة العامة للحكومة.

وأوضح مرابط أن مشروع هذا القانون جاء لحماية الضحايا والتكفل بهم طبيًا ونفسيًا وماديًا، نظرًا لهول ما يتعرضون له من معاناة تمس كرامتهم وحقوقهم الإنسانية.

وقال " يكتسي نظام الإحالة الذي يشمل كل الآليات التي من شأنها التكفل بالضحايا أهمية قصوى لأنه يحدد بوضوح مسؤولية كل هيئة من الهيئات المتدخلة، سواء الرسمية منها أو التي تنتمي إلى المجتمع المدني".
وينبه مرابطة، بأن اللجوء لإصدار قانون خاص بتجريم الاتجار بالبشر أصبح  ضرورة في الجزائر حتى وإن كانت هذه الظاهرة غريبة عن المجتمع الجزائر، مبينًا أن ذلك لا يعني أنها في منأى عنها.

التزامات دولية

لم يغفل المشرع الجزائري ملف الاتجار بالبشر رغم عدم إصدار قانون خاص به، فقانون العقوبات جرم مختلف الأفعال المؤدية إلى الاتجار بالأشخاص بدءًا بالهجرة السرية وصولًا إلى التسول بالأطفال والدعارة.

ويُعرّف القانون رقم 09-01 المتضمن قانون العقوبات الصادر في 2009 في مادته 303 مكرر الاتجار بالأشخاص بأنه كل "تجنيد أو نقل أو تنقيل أو إيواء أو استقبال شخص بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة، أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة على شخص آخر بقصد الاستغلال، ويشمل الاستغلال استغلال دعارة الغير في التسول أو السخرة أو الخدمة كرها أو الاسترقاقّ أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء".

 وتضمن القانون عقوبات على مرتكب جريمة الاتجار بالبشر تصل إلى 20 سنة حبسا مع غرامة مالية يمكن أن تبلغ مليوني دينار.

 ويتطابق التعريف الذي وضعه المشرع الجزائري لظاهرة الاتجار البشري بذلك الوارد في مواثيق دولية وعلى رأسها برتوكول باليرمو الذي حدد تعريف الاتجار بالبشر، وبما أن الجزائر من الدول المصادقة على هذا البروتوكول، فهي ملزمة بتطبيق ما ورد فيها، بالنظر إلى مبدأ التشريع الجزائري الذي ينص على سمو القانون الدولي على القانون الجزائري.

ويتضح من هذا المنطلق أن العمل على إصدار قانون خاص بتجريم الاتجار بالبشر لا يتعلق فقط، بالتحديات التي تواجهها الجزائر على مستوى الحدود وداخليا، إنما أيضًا التزامًا بالمواثيق الدولية التي وقعت عليها، بالنظر إلى أهمية هذا الالتزام في تحديد مضامين التقارير التي تصدرها الأمم المتحدة حول الجزائر في هذا الشأن.

وهنا ذكرت وزارة الخارجية في بيانها بـ"مصادقة الجزائر على جميع الصكوك الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان المعروفة باسم اتفاقية باليرمو وبروتوكولها الإضافي الهادف إلى منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال".

تقارير أميركية

تتعرض الجزائر سنويًا لانتقادات دولية بشأن تعاملها مع ملف الاتجار بالبش والسلوكات المؤدية إليه، ومن ثم فإن إصدار قانون خاص بمكافحة الاتجار بالبشر سيعزز مكافحة هذه الظاهرة، ويستطيع الرد على الاتهامات التي توكل للحكومة التي تقول إن معظم التقارير الدولية لا تعبر عن حقيقة تعامل الجزائر مع معظم القضايا  المتعلقة بحماية الأشخاص وحقوق الإنسان.

وإذا كانت الخارجية الجزائرية قد ثمنت التغير الصادر في تقرير الخارجية الأميركية حول الاتجار بالبشر، إلا أن هذا التغير يبقي الجزائر في مرتبة متدنية مقارنة بنظرائها من الدول العربية المجاورة، لذلك فإن إصدار قانون خاص لمكافحة الاتجار بالبشر قد يحسن من ترتيب الجزائر في تقارير الخارجية الأمريكية التي تكون على الدوام مراجع للمنظمات غير الحكومية في إعداد مناشيرها السنوية.

 والعام الماضي، لم يخل تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان من انتقادات موجهة للجزائر بشأن التعامل مع المهاجرين، وبالخصوص القادمين من الصحراء الأفريقية، والذي بني على ما تضمنه تقرير أصدرته هيومن رايتس ووتش حول هذا الملف، وهي المنظمة الذي تظل تقاريرها لا تلقى الترحاب من الحكومة الجزائرية التي تتهم هذه المنظمة بإصدار تقارير مغلوطة لا تعبر عن حقيقة تعامل الجزائر مع المهاجرين السريين.

وتقرير التعامل مع المهاجرين يعد أساس الأحكام التي تصدر ضد الجزائر بشأن ظاهرة الاتجار بالبشر، بالنظر إلى أن هذه الظاهرة تحدث بالخصوص وسط هذه الفئات، ففي شباط فيفري الماضي، أعلنت مصالح الشرطة بسيدي بلعباس "الإطاحة بشبكة إجرامية دولية منظمة مختصة في تهريب البشر تتكون من 16 فردًا من بينهم أشخاص من جنسية مغربية، شكلوا جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود عن طريق التدبير والتسهيل للدخول والتنقل والإقامة غير المشروعة للمهاجرين ويقومون بتهريب البشر من مدن مغربية مرشحين للهجرة إلى دول أوروبية مرورا بالجزائر".

معالجة ظاهرة الاتجار بالبشر من العوامل التي تؤخذ بعين الاعتبار في مناخ الاستثمار ومدى احترام حقوق الإنسان

وبالنظر إلى التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الجزائر، فإن معالجة ظاهرة الاتجار بالبشر وتحسين الأداء الحكومي في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان أصبح أكثر من ضرورة بالنظر إلى أنه من العوامل التي تؤخذ في تحديد مناخ الاستثمار الاقتصادي ومدى احترام حقوق الإنسان.