25-يوليو-2022
متسولون أفارقة في شوارع العاصمة الجزائرية (تصوير/ مصعب رويبي/أ.ف.ب)

متسولون أفارقة في شوارع العاصمة الجزائرية (تصوير: مصعب رويبي/الأناضول)

تفاعلت الدبلوماسية الجزائرية بسرعة مع تقرير كتابة الدولة عن الاتجار بالبشر لعام 2022 رغم انتقاداته المتكرّرة لسجل البلاد في هذا المجال، وقالت في بيان لها صدر الثلاثاء 18 حزيران/حزيران إن هذا التصنيف، "يشكل شهادة مرحبًا بها"، كونه يصحح ذلك الصادر العام الماضي، الذي وضع الجزائر في القائمة السوداء، حسبها.

أستاذ في القانون: التقارير تنتقد تجريم المثلية الجنسية ورفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي  بشكل روتيني

ورصدت الخارجية الانتقال الرمزي لتصنيف الجزائر من الصنف الثالث إلى الصنف الثاني رغم استمرار الصورة النمطية لها في هذا التقرير، حيث جاءت الجزائر في تقرير 2022 في قائمة المراقبة من المستوى 2 (البرتقالي) وهي البلدان التي لا تلبّي حكوماتها الحد الأدنى من المعايير تمامًا وتبذل جهودًا كبيرة لتحقيق ذلك، لكن أعداد الضحايا فيها كبيرة جدًا وتتزايد وحكوماتها لا تتخذ إجراءات ملموسة، أو هناك إخفاق في تقديم أدلة على زيادة الجهود. بعدما كانت الجزائر حبيسة في الأعوام 2015، 2016، ثم 2020 و2021 في الفئة 4 (الأحمر) الموسومة بالبلدان التي لا تلبي حكوماتها الحد الأدنى من معايير القانون ولا تبذل جهودًا كبيرة لتفعل ذلك، مما يجعلها عرضة لقيود أميركية للمساعدات.

ونقل بيان الخارجية تصربح وزير الخارجية والجالية رمطان لعمامرة الذي أبدى ارتياحه للعرض الذي قدمه، كاتب الدولة الأميركي للشؤون الخارجية، أنطوني بلنكن التقرير بالايجابي.

وذكّرت الوزارة الجزائرية أن التقرير الذي يُدرج الجزائر في فئة المستوى الثاني "يعترف بالجهود التي بذلتها الجزائر لعدة سنوات لمواجهة هذه الجريمة، على المستوى القانوني والمعياري وعلى المستوى المؤسسي"، مشيرًا إلى أن الجزائر صدقت على جميع المعاهدات الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان المعروفة باسم اتفاقية "باليرمو" وبروتوكولها الإضافي الهادف إلى منع وقمع ومعاقبة الاتجار باشخاص، ولا سيما اانساء والأطفال. 

كما ذكّر البيان بالجهود التي تم بذلها من قبل السلطات في مكافحة الظاهرة ومنها تجيسد خطة عمل رسمتها اللجنة الوطنية لمنع ومكافحة الاتجار بالبشر، التي أنشئت في عام 2016 وترأسها وزارة الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، للفترة 2022-2024 والتي توفر سلسلة من الأنشطة في مجالات الوقاية والمتابعة القضائية وحماية الضحايا وتطوير شراكات وطنية ودولية". وكشف عن صياغة مشروع قانون يتعلق بمنع ومكافحة الاتجار بالأشخاص حيث ينتظر عرضه على البرلمان.

واللافت هذه المرة هو سرعة التقاط الجانب الجزائري لتحول الموقف الأميركي والتعامل مع تفاصيله الإيجابية القليلة بانه منصف وحامل لتحول لافت في نظرة للدبلوماسية الامريكية للجزائر بعكس تقارير سابقة ومنها التقرير السنوي حول وضع حقوق الانسان، وتقرير الحريات الدينية اللذين يقدمان صورة سلبية عن الجزائر.

في أحدث تقرير للحريات الدينية (صدر في حزيران/جوان الماضي) اتُهمت السلطات بالتضييق على حق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية، ونقلت أن قادة مسيحيين أعربوا عن قلقهم من أن حذف اللغة التي تنص على حرية الضمير والمعتقد في الدستور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في نهاية عام 2020 قد يؤدي إلى مزيد من اضطهاد الحكومة للأقليات الدينية والإبلاغ عن تغييرات في تفاعلاتهم مع السلطات الحكومية التي نسبوها إلى النظام الجديد.

وقد يفسر ها التفاعل السريع من الخارجية الجزائرية برغبة في توجيه النقاش الى تحسن صورة البلد بغض النظر عن التفاصيل، واحتواء مسبقًا قراءات قد تكون سلبية تقدمها وسائل إعلام بدول منافسة.

 ومن المنتظر أن يرفع هذا الموقف الذي يقدم على إزالة الحرج عن وسائل الإعلام الجزائرية المملوكة على السواء للدولة والخاص في تناول التقارير، مع انتقاء المقاطع التي لا تزعج رغم انه لا يختلف كثيرًا عن سابقيه من حيث تكرار الصورة النمطية عن الجزائر في ذات الملف أو قضايا أخرى مثل الحريات الدينية او الديمقراطية وحقوق الانسان.

تحول جزائري لافت

وتلقى التقارير التي تصدرها كتابة الدولة في حق الجزائر في العادة رفضًا لدى القوى الرديفة للسلطة، من أحزاب ومنظمات حقوقية موالية وشخصيات مستقلة، حيث تدرج الانتقادات التي توجهها واشتطن في خانة المساس بالسيادة والشأن الداخلي للبلد، أو القول ليس من حقها تقديم دروس للآخرين بسبب سجلاتها في مجال حقوق الانسان.

ولم تتردد وزارة الخارجية في وقت في 2016 في استدعاء السفيرة الأميركية السابقة جوان بولاشيك وأبلغتها رفضها لتقرير الخارجية الأميركية بشأن حقوق الإنسان في الجزائر. واعتبرت الخارجية أن التقرير هو "امتداد لتوجه بيروقراطي يميل لاستنساخ آلي لصور نمطية ومراجع بالية وتقييمات مغرضة واستنتاجات مفرطة في التبسيط".

وفي هذا السياق أشار المحلل السياسي وأستاذ القانون خالد شبلي بأن الموقف الجزائري والمترجم في التجاهل الإعلامي والسياسي لهذه التقارير لـ "أسباب موضوعية"، وأوضح في تصريح لـ"الترا جزائر"، مضامين هذه التقارير (حالة حقوق الإنسان مثلًا) لا تتوافق المنظور الجزائري.

يشرح المحدث أن "تجريم المثلية الجنسية ورفض التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والمواضيع والمسائل التي تتعارض مع القيم السائدة داخل المجتمع الجزائري، والتي تنتقدها هذه التقارير وبشكل روتيني، بدون مراعاة خصوصية الشعب الجزائري، وكذا التطرق إلى مسائل من صميم السيادة الوطنية بما قد يعد تدخل سافر في الشؤون الداخلية للوطن"، مضيفًا "يجعل هذا السياسيين الجزائريين أو الإعلام الوطني - في الغالب - يتحاشون الاستناد عليها أو التطرق إلى هذه التقارير على اعتبار أنها تقارير مسيسة تخدم الرؤية والمصالح الأميركية القيمة أو المادية في المنطقة (تخدم الأجندة الأمريكية في المنطقة)، من جهة، ومن جهة أخرى ونظرًا لعلاقات الصداقة الرسمية الجزائرية الأمريكية فيتحاشى الإعلام الرسمي التطرق أو الرد على مثل هكذا تقارير مراعاة للعلاقات الثنائية والدبلوماسية. ضف إلى ذلك حساسية السلطة تجاه هذه التقارير ومن يتعاطى معها، وهذا في حد ذاته يجعل الفواعل السياسية والحقوقية تتحاشاها خوفا من رد فعل السلطة".

ماذا جاء في التقرير الجديد؟

قالت كتابة الدولة أن في تقرير ها الجزائر "لا تستوفي الحكومة الجزائرية الحد الأدنى من المعايير بشكل كامل لكنها تبذل جهودًا كبيرة للقيام بذلك" من بينها تحديد المزيد من ضحايا الاتجار بالبشر، وزيادة التحقيقات والملاحقات القضائية والإدانة، وتوفير المأوى لخمس ضحايا على الأقل من الأطفال، وواصلت الحكومة الشراكة مع المنظمات الدولية لتدريب المسؤولين وإطلاق حملات توعية عامة.

وأوضح أنه رغم هذه الإنجازات، لايزال تحديد الضحايا والخدمات المقدمة لضحايا الاتجار غير كافية. وبسبب إجراءات الفحص الحكومية للضحايا مثل الأفارقة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، واصلت السلطات معاقبة بعض الضحايا المحتملين مجهولي الهوية على أفعال غير قانونية أجبرهم المتاجرين بهم على ارتكابها. ويشير إلى خوف بعض الضحايا من المهاجرين السرّيين من الإبلاغ عن جرائم الاتجار بسبب إجراءات الفحص "غير العادلة".

وحثت واشنطن السلطات على إنهاء وتنفيذ إجراءات موحدة لتحديد الضحايا والفحوصات التي يقوم مسؤولي شرطة الحدود والأمن وإنفاذ القانون الذين يتعاملون مع الرعايا المعرضين للخطر، مثل المهاجرين غير المسجلين وطالبي اللجوء واللاجئين والأفراد الذين يجري استغلاهم في تجارة الجنس. وأعمال السخرة ـ وزيادة حجم التحقيقات والملاحقات وتعديل أحكام قانون العقوبات بإلغاء قيود تعرقل ملاحقة الذين يستغلون الأطفال في تجارة الجنس، وضمان الأمان والحماية القصوى للضحايا والتخلي عن عمليات الترحيل القسرية والعمل على اعتماد الإعادة الطوعية للضحايا من خلال التعاون مع المنظمات ذات الصلة وسفارات الدول، وتزويد الضحايا الأجانب ببدائل قانونية عوض ترحيلهم إلى بلدان قد يتعرّضون فيها للعقاب أو المشقة.

50 فرقة متخصصة لدى مصالح الدرك الوطني لمحاربة الاتجار بالبشر 

رصد التقرير تخصيص الشرطة لسبعة فرق الشرطة لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، عززت بخمسة فرق جديدة، فيم تتوفر مصالح الدرك على 50 فرقة متخصصة، وعالجت مصالح الدرك 2147 حالة مرتبطة بالهجرة غير النظامية وتهريب المهاجرين، فبم تم فتح تحقيقات في ستة حالات اتجار على الأقل قضايا (ثلاث حالات اتجار بالجنس، قضيتان للعمل القسري، واحدة في العبودية المنزلية، وواحد لغرض غير محدد من الاستغلال وأنه جرت محاكمة 35 شخصًا من المتورطين منهم ثلاثة بتهمة الاتجار بالجنس.