14-سبتمبر-2019

مشهد لكنيسة سانتا كروز بمدينة وهران (تصوير: فايز نور الدين/ أ.ف.ب)

أقدمت السلطات الجزائرية في الأشهر الأخيرة، على غلق خمسة مبانٍ، يستغلّها مسيحيون في الجزائر للعبادة، في ولايتي بجاية وتيزي وزو شرقي البلاد.وبالضبط في آث مليكيش وإغرام وقرية العقيد عميروش ببجاية، وكنيستين في كلّ من بلدية ماكودة وبوجيمة بتيزي وزو. وكلّها كنائس تابعة هيكليًا للكنيسة البروتستانتية الناشطة في الجزائر.

رئيس الكنيسة البروستانتية في الجزائر: "السلطات تزعجها فكرة وجود جزائريين يعتنقون الدين المسيحي"

حدث في بداية الشهر الجاري، أن حاولت السلطات أيضًا إغلاق كنيستين في مدينتي إغزر أمقران وأقبو ببجاية، لكن سكّان المنطقة وخاصّة مرتادي الكنيستين، وقفوا دون إغلاقهما من طرف رجال الدرك الوطني، لكن ذلك لم يمنع أعوان الأمن، من العودة في صباح اليوم الموالي لغلق الكنيستين في وقت مبكّر.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة الجزائر تطارد أتباع الأحمدية.. من هم الأحمديون؟

إنتهاك حقّ دستوري؟

في بيان صادر في 19 آب/ أوت 2019، أعربت الكنيسة البروتستانتية في الجزائر، عن قلقها العميق إزاء موجة إغلاق أماكن العبادة التي تواجهها حاليًا ودانت "بشدّة هذه الاعتداءات على حقّ الأفراد والجماعات في ممارسة حرّيتها الدينية، وحقّ الحرّية الفردية الذي تكفله المادة 42 من الدستور الجزائري".

يقول صالح شلاّح، رئيس الكنيسة البروتستانتية في الجزائر، في اتّصال مع "الترا جزائر"، إنّ هناك رغبةً واضحةً وسياسة ممنهجة من جانب السلطات الجزائرية لمهاجمة الكنائس البروتستانتية، من أجل إغلاقها تدريجيًا واحدة تلو الآخرى"، مضيفًا أن السلطات غالبًا ما تستعمل ذريعة عدم الامتثال لللتنظيم، على حدّ تعبيره.

ويستطرد شلاّح: "ليس من مسؤولية الوالي على الإطلاق أن يأمر بإغلاق مكان للعبادة، هذا أمرٌ مخالف للقانون"، موضّحًا أن أماكن العبادة المستهدفة تنضوي جميعها تحت لواء الكنيسة البروتستانتية؛ لأنها حسب المتحدّث يُديرها ويتردّد عليها مسيحيون جزائريون، على عكس أماكن العبادة الكاثوليكية، التي يتردّد عليها في الغالب الأجانب المقيمون في الجزائر أو القادمون لزيارتها. ويختم صالح شلّاح بقوله إن "السلطات تزعجها فكرة وجود جزائريين يعتنقون الدين المسيحي. يبدو أن السلطات مستمرّة في رؤيتها للعنصر المسيحي باعتباره دخيلًا على المجتمع والثقافة الجزائرية".

بحسب تقرير  دولي، احتلت الجزائر المرتبة التاسعة من ضمن 17 دولة عربية، وُصفت بـ "الأكثر قمعًا للمسيحيين" على مستوى العالم خلال عام 2018، والمرتبة 22 عالميًا، وأضاف تقرير أصدرته منظمة "الأبواب المفتوحة" المتخصّصة في رصد القمع الذي يتعرّض له المسيحيون حول العالم، أن عدد المسيحيين في الجزائر يبلغ نحو 125 ألف شخص فقط.

حجج إدارية

غالبًا ما كانت محاضر غلق أماكن العبادة والكنائس مليئة بحجج إدارية في الدرجة الأولى، حيث يتمّ إخطار الأشخاص الذين يديرون الكنائس بمخالفتهم للوائح الإدارية والتنظيمية المعمول بها في الجزائر. في هذا السياق، يرى صالح شلّاح أنّ الأمر مجانبٌ للصواب، وأنّ الإدارة تبحث عن أدنى سبب من أجل التضييق على الكنائس المرخّصة واختلاق الأعذار من أجل إغلاقها.

 يُردف المتحدّث أنه "في الكثير من الأحيان تطلب منّا السلطات المحليّة والأمنية ملفّات ووثائق، في بعض الأحيان يكون الحصول عليها مستحيلًا. مؤخرا طُلبت منّا شهادة تثبت سلامة أحد المباني التي أردنا استغلالها، وتمّ توجيهنا لمديرية الحماية المدنية، هذه الأخيرة، أخبرنا مسؤولوها أن مصالحهم لا تُصدر مثل هذه الشهادات".

من جهة أخرى، يجد معتنقو الديانة المسيحية صعوبات كبيرة في استصدار تراخيص لإنشاء كنائس في المدن والقرى الجزائرية، وهو ما يدفعهم إلى استئجار منازل ومستودعات تابعة لخواص من أجل ممارسة طقوسهم الدينية، لكن موجة المضايقات وصلت حتّى إلى المؤجِّرين، ممّا جعل إيجاد مكان للعبادة أمرًا صعبًا جدًا.

وبحسب البيان الذي أصدرته، تهدّد الكنيسة البروتستانتية في الجزائر، بإعادة فتح أماكن العبادة الخاصّة بها بكل السبل المشروعة، إذا ما بقي قرار تشميع المقرّات ساري المفعول، مضيفًا أنّ الكنيسة تحتفظ بحقّ اللجوء إلى المسيرات والاحتجاجات للمطالبة بحقوقها.

أجندات أجنبية؟

من وجهة نظر قانونية، تضمن القوانين الجزائرية لغير المسلمين حرّية ممارسة شعائرهم الدينية في حدود لوائح معيّنة، ويحظر قانون عام 2006 التبشير الديني الموجّه إلى المسلمين، والهادف إلى تحويلهم إلى ديانة أخرى. وفي حالة الكنيسة البروتستانتية، فإنها تُمارس نشاطها قانونيًا في الجزائر بناءً على ترخيص تحصّلت عليه عام 1974، وتم تحيينه وتعديله عدّة مرّات، تماشيًا مع النصوص القانونية والإجراءات.

إلاّ أنّ كثيرين يرون أنّ سبب استهداف السلطات الجزائرية للكنيسة البروتستانتية دون الكنيسة الكاثوليكية، راجع لسبب سياسي محض؛ هو أنّ الكنيسة الكاثوليكية محميّة من طرف الدولة الفرنسية، وسبق للخارجية الفرنسية على لسان وزيرتها في ردّها على مساءلة عضو في البرلمان، بداية العام الجاري، أنّ تعهدت بأنها ستثير ملف الأقليات المسيحية مع شركائها الأوروبيين في لقاءاتها مع المسؤولين الجزائريين، مشيرةً إلى أن السفارة الفرنسية بالجزائر، تُتابع وضع المسيحيين والأقليّات الدينية في البلاد.

عداءٌ تاريخيّ؟

فيما يرجّح متابعون للشأن، أن الجزائر تاريخيًا غير متصالحة مع الكنيسة البروتستانتية التي غالبا ما يضلع أتباعها في عملية تبشير وتنصير في المناطق التي ينشطون بها وهو ما يتعارض مع القانون المنظم للحريات الفردية وحرية المعتقد الديني، بل في عديد المرّات يخضع هؤلاء للتحقيق والمساءلة في قضايا تتعلق بالتجسس وخدمة أجندات غير معروفة.

 يرى هؤلاء المتابعون أيضًا، أن تسارع وتيرة غلق الكنائس في الجزائر راجع إلى المرحلة الحسّاسة التي تمرّ بها البلاد في ظل الحراك الشعبي، وتخوّف السلطة من دخول الكنائس غير المرخّصة على خط الأزمة السياسية، ممّا يتطلب وضعها تحت المجهر. حيث يعتبر ملفّ "الأقليّات غير المسلمة" قضيّة أمنية تُشرف عليها بشكل مباشر وزارة الداخلية، رغم أنّ التراخيص المتعلّقة بذلك تٌسلّم من طرف وزارة الشؤون الدينية. ومن المعروف في الجزائر، أن الكنائس الناشطة ترفع دوريًا تقارير إلى منظمات عالمية وهيئات خارجية، وكثيرًا ما تعتمد المنظمّات على هذه التقارير، وهو ما تعتبره الجهات الأمنية في الجزائر عملًا استخبارتيًا مباشرًا، وخروجًا عن مهام الكنائس التي لا ينبغي لها تجاوز إطارها الديني.

 احتلت الجزائر المرتبة التاسعة من ضمن 17 دولة عربية، وُصفت بـ "الأكثر قمعًا للمسيحيين"

يُذكر أنه قبل نحو عام، كشفت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن بروتستانتيين جزائريين ومن جنسيات أخرى، قابلوا نوابًا عن الحزب الجمهوري الأمريكي في الكونغرس، وطالبوهم بممارسة ضغط على الدولة الجزائرية كي ترضخ لمطالبهم، بإلغاء قانون ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين. لذلك ارتبطت الكنائس البروتستانتية غالبًا فيبالولايات المتّحدة وسياساتها الخارجية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رهبان تيبحيرين.. أرواح بريئة أم ورقة سياسية رابحة؟

ترجمة الأدب الصهيوني بين التطبيع والمقاومة الثقافية