10-يونيو-2019

جدارية في غزة كتب عليها "محرقة إسرائيل" باللغة العبرية (مجدي فتيحي/Getty)

أثار مقالٌ للروائي أمين زاوي، آراءً متباينةً، بعد دعوته إلى ترجمة ما أسماه بالأدب "الإسرائيلي" إلى اللغة العربية. وتمايزت هذه الآراء بين متحفّظ، ورافض، ومتقبّل للفكرة انطلاقًا من خلفية الصراع العربي- الصهيوني.

يرى الروائي أمين الزاوي، أن الكتّاب لازالوا متردّدين بشأن ترجمة الأدب العبري إلى العربية

حاول أمين زاوي الدفاع عن طرحه، بضرورة ترجمة الأعمال الأدبية "الإسرائيلية"، بناءً على واقع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني اليوم، معتبرًا أن جميع الأنظمة العربية بلا استثناء من نواكشوط إلى البصرة، لها علاقة مع الكيان الصهيوني.

اقرأ/ي أيضًا:"جدل الثقافة".. النقد في مواجهة أسئلة الكولونيالية وما بعدها

يضيف الزاوي، أن طبيعة هذه العلاقات قد تختلف من نظام إلى آخر، في الشكل والمضمون، لكنها تجتمع في امتلاكها قنوات للتواصل مع الكيان، تتجلّى في السياسية والتعاون الأمني والتبادل الاقتصادي والتجاري والملاحة الجوية والبحرية المدنية أو العسكرية على حدّ قوله.

وأشار المتحدّث إلى أنه: "على المستوى الديني، بدأنا نسمع أصوات بعض رجال دين عرب ومغاربة، بقناعة منهم أو بإيعاز من أنظمتهم، في الترويج لأفكار تُدرج في لائحة حقوق الإنسان، مثل حوار الأديان وتعايشها واحترام الاختلاف".

ويرى الزاوي أن أهل الأدب، كتُّاباً وناشرين ومترجمين، لا زالوا متردّدين في ولوج سؤال الترجمة. ترجمة الأدب "الإسرائيلي" إلى العربية وترجمة الأدب العربي إلى العبرية على حدّ تعبيره.

السياسة والأدب

من جهته، يعتبر أستاذ الأدب العربي لونيس بن علي من جامعة بجاية في حديث إلى "الترا جزائر"، أن سؤال: لماذا لا يُترجم الأدب "الإسرائيلي"؟ مُهمّ، لكنّه مفخّخ في الوقت نفسه على حدّ قوله.

وأضاف المتحدّث أنّه يجب الفصل بين موقفين؛ الأوّل، رسمي وشعبي يتميّز باندفاعه العاطفي العارم ضدّ عدو مشترك هو "إسرائيل"، أما الثاني، فهو ما يحدث من وراء هذه الخطابات، من اتصالات وعلاقات سرّية عربية مع هذا الكيان، وإن كانت هذه العلاقات بدأت تظهر إلى العلن، على غرار بعض دول الخليج التي صارت تتدافع بالمناكب لأجل الاعتراف بهذا الكيان المغتصِب، هذا في الشق السياسي، يقول المتحدّث.

في الشقّ الثقافي للطرح؛ يدعو لونيس، إلى مراعاة الإطار المقاوماتي في قراءة النص "الإسرائيلي"، ويستطرد: "ما يهمّني شخصيًا، هو الشق الثقافي للموضوع، ولو نعود إلى أدبيات ثقافة المقاومة، فلا يُمكن أن تقاوم عدوًا إلا بعد أن تكون ملمًّا به من كل جوانبه، ومطلعًا على ثقافته وواعيًا بأنظمته الرمزية" يتساءل لونيس: "كيف يُمكن أن تفهم عدوك وأنت أصلًا تعتبر قراءة أدبه خيانة للقضية؟".

مقاومة ثقافية

يُسقط لونيس بن علي، الأدب الاستعماري على الأدب "الإسرائيلي" إذ يقول: "ترجمة أدب الاستعمار الإسرائيلي، لا يختلف عن ترجمة الأدب الكولونيالي، فالترجمة هنا آلية من آليات تقريب صورة الآخر، لأجل فهم منظومته الفكرية والثقافية والإنسانية، وليس هناك ما يعبّر عن هذه الأبعاد مثلما يفعل الأدب".

هنا، يستشهد الأستاذ بجامعة بجاية، ببعض النصوص لكتاب فلسطينيين، قائلًا: "لا يجب أن ننسى ما كتبه غسان كنفاني من دراسات تشرّح الأدب اليهودي فقد ترك تراثا نقديًا وفكريًا مهمًا فكّك فيه أدب الكيان. أعتقد أننا بحاجة إلى ترجمة ذلك الأدب، وإلى دراسته، بل وإلى إنشاء مخابر بحث أو أقسام تتخصّص في تعلم اللغة العبرية ونصوصها الأدبية، ونترك جانبًا تلك الأحكام الجاهزة بأنّ قراءة هذا الأدب يعني بالضرورة الاعتراف بالكيان الصهيوني، فلابد من التفكير على نحو جاد بأن مقاومة هذا العدو هي أيضًا عملية ثقافية تبدأ من الترجمة".

أدب صهيوني

من جهته أيضًا، أكّد الأكاديمي وحيد بوعزيز بضرورة ترجمة النصوص  العبرية، موضحًا "إننا نحتاج للتعرّف على عدو استراتيجي، ولكن ألا تكون الترجمة في سياق التطبيع والاحتفاء بهذا الأدب، وتتويج كتّابه، والترويج لهم أيديولوجيًا، مضيفًا: "الأدب الصهيوني معقّد ومتعدّد، فيه أيضًا أدب ما بعد صهيوني، يُراجع فكرة الأسطورة الصهيونية".

هنا، يعتبر بوعزيز أن الدعوة إلى ترجمة الأدب العبري "كلمة حقّ أريد بها باطل". ويستشهد قائلًا: "في مصر مثلًا، أساتذة في قسم اللغة العبرية وباحثون شباب يدرسون ويترجمون الجديد من الأدب العبري، وهم ضدّ التطبيع، بل يشتغلون عليه كشكل من أشكال المقاومة".

وعن سؤال عن وجود شيء اسمه أدب "إسرائيلي" يردّ البروفسيور: "هناك أدب له  خصوصية الدفاع عن الصهيونية، مثل أدب عاموس عوز، ولكن يوجد أدب يتجاوز هذه الأيديولوجيا".

 في مقابل ذلك، يبدي بوعزيز استغرابه عن إثارة مثل هذه النقاشات موضحًا:" هناك روايات تُرجمت عن الأدب العبري، وهي موجودة في الوطن العربي، ولكن تكمن المشكلة في الذي لم يطّلع عليها".

يُنسب الأدب غالبًا إلى اللغة التي كُتب بها، ولا يُنسب إلى جنسية الكاتب

رغم تباين الآراء حول ترجمة الأدب "الإسرائيلي" من عدمها، إلا أن كثيرًا من النقّاد يبتعدون عن الاحتكام لمثل هذه التصنيفات في دراساتهم، إذ يُنسب الأدب غالبًا إلى اللغة التي كُتب بها، ولا يُنسب إلى جنسية الكاتب، كأن نقول الأدب العربي والفرنسي والإيطالي، وهو تمامًا ما ينطبق على الأدب العبري، إذ لا يوجد ما يُبرّر وجود تسمية أدب "إسرائيلي".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدوارد سعيد قارئًا تاريخ الرواية العربية

قصص "أخبار الرازي".. هل يحكم الجنون العالم؟!