29-يوليو-2022

قرابة 160 معتقلًا سياسيًا في السجون منذ ثلاثة عقود (الصورة: ميدل إيست)

ينتظر أن يدرس مجلس الوزراء الجزائري قريبًا في اجتماع يرأسه الرئيس عبد المجيد تبون مشروع قانون لم الشمل الذي يعد استمرارًا لقوانين سابقة تتعلق بمعالجة المأساة الوطنية الناتجة عن العشرية السوداء التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، والذي سيحمل عفوا عن الفئات التي لم تشملها إجراءات العفو السابقة، في خطوة ينتظر أن تطوي به البلاد هذا الملف نهائيًا، مثلما يدعو سياسيون وحقوقيون.

يشمل قانون لم الشمل بالدرجة الأولى قرابة 160 سجينًا سياسيًا اعتقلوا في التسعينات

ولم تكشف الرئاسة الجزائرية حتى اليوم عن التفاصيل الكاملة لقانون لم الشمل، إلا أن المعلومات المعلن عنها لحد الآن تشير إلى أن فئة المعتقلين السياسيين من التسعينات معنيون بالدرجة الأولى بهذا القانون.

مشروع رئاسي

أعلنت مصالح الوزير الأول في 21 تموز/جويلية الجاري أن المشروع التمهيدي للقانون المتضمن تدابير خاصة للم الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية سيدرس في اجتماع قادم لمجلس الوزراء بعد أن أتمت الحكومة دراسته في اجتماعها الذي ترأسه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان.

وأفاد بيان لمصالح الوزير الأول، أن المشروع التمهيدي لهذا القانون الذي قدمه وزير العدل حافظ الأختام "يأخذ بعين الاعتبار التجربة الوطنية خلال مختلف مراحل المصالحة الوطنية التي عرفتها بلادنا، انطلاقا من تدابير الرحمة والوئام المدني إلى غاية ميثاق السلم والمصالحة الوطنية".

وأوضحت الوزارة الأولى أن مشروع القانون يقترح بمناسبة إحياء الذكرى الستين لعيد الاستقلال الوطني "تجديد قيم التسامح وتفضيل مقاربة الحوار الوطني بما يسمح بتجسيد المبادرة الرامية إلى فتح آفاق جديدة نحو المصالحة الوطنية".

وسبق للرئاسة الجزائرية أن أعلنت في بيان يتعلق بقرارات عفو أصدرها الرئيس تبون بمناسبة الذكرى الستين لعيد الاستقلال أنه "وفي سياق التدابير التي يتخذها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من خلال المشاورات مع ممثلي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، يجري حاليا إعداد قانون خاص، لفائدة المحكوم عليهم نهائيًا، وهذا امتدادا لقانوني الرحمة والوئام المدني".

وقال الرئيس الجزائري في افتتاحية مجلة "الجيش" التابعة لوزارة الدفاع في عددها لشهر تموز/جويلية في هذه الذكرى المجيدة التي نستحضر فيها بطولات أسلافنا ونحيي ذكرى مقاومات ملعبنا وانتصاراته، أدعو الشعب الجزائري في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا إلى لمّ الشمل ورصّ الصفوف وتوحيد الجبهة الداخلية".

وشرعت السلطة في تحضير الرأي العام الجزائري لقانون لمّ الشمل في 3 أيار/ماي الماضي، لمّا نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية برقية تحدثت فيها عمّا يمكن اعتباره شروط الاستفادة من "اليد الممدودة"، في إطار سياسة "لمّ شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي"، كما قالت إن "الرئيس تبون هو رئيس جامع للشمل، ويده ممدودة للجميع، باستثناء المكابرين ومن أداروا ظهورهم لوطنهم أو من تجاوزوا الخطوط الحمراء".

وجاء في البرقية ذاتها أن "أولئك الذين لم ينخرطوا في المسعى أو الذين يشعرون بالتهميش، أن الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها من أجل صفحة جديدة"، مضيفة أن "كلمة إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية الذي يسخّر كل حكمته للمّ شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي".

وشدد تبون في لقائه مع الجالية الجزائرية أثناء زيارته إلى تركيا منتصف مايو/ أيار الماضي عن "ضرورة تكوين جبهة داخلية متماسكة".

ويرغب الرئيس تبون أن تكون له بصمة في حل الأزمة السياسية في البلاد، خاصة وأن حل الخلاف مع المعارضة التي أفرزها حراك 2019 لم يكن في المستوى الذي يمكن أن يترك بصمة في البلاد.

 الفئة المعنية

في منتصف شهر تموز/جويلية الجاري، أفاد بيان للرئاسة الجزائرية أنه "قد تم إعداد قانون خاص، امتدادا لقانوني الرحمة والوئام المدني، والمشار إليه في البيان السابق، يخص 298 محكوما عليهم، سيحال على اجتماع الحكومة، ليرفع إلى مجلس الوزراء لدراسته والمصادقة عليه، قبل إحالته على البرلمان في دورته المقبلة".

ويعتقد رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان المحلة مصطفى فاروق قسنطيني والذي تولت لجنته متابعة تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية والتكفل بملف المفقودين، أن الفئة المعنية بالدرجة الأولى بقانون لم الشمال هم  من يطلق عليه "السجناء السياسيون"، والمقدر عددهم حسب جهات غير رسمية بـ160 سجينًا.

وقال قسنطيني لـ"الترا جزائر" إن العفو عن هذه الفئة كان ضمن المطالب التي تتضمنها تقارير اللجنة التي كانت ترفع سنويًا لرئاسة الجمهورية، مبينًا أن من بينهم من وصلت فترة سجنه إلى ثلاث عقود بعد أن صدرت في حقهم أحكاما صادرة عن القضاء العسكري، ومعلوم أن من بين السجناء السياسيين عسكريون عارضوا إيقاف المسار الانتخابي وتعاطفوا مع  الحزب المحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

وأضاف قسنيطني أن من بين هؤلاء المسجونين من يعاني أمراضا مزمنة، وبعضهم سجنوا بغير حق خلال الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد في آخر عقد من الألفية الثانية.

ويرجح أن تكون الفئة الثانية تخص معارضين وعسكريين منشقين في الألفية الجديدة وبعد حراك 22 شباط فبراير 2019، فقد سبق للعسكري المنشق محمد بن حليمة، الذي تسلمته الجزائر في آذار مارس الماضي من إسبانيا قد تحدث في حلقات الاعتراف الذي بثها التلفزيون الجزائري الحكومي عن وجود عفو عن " المعارضين" في الخارج في حال عادوا إلى حضن الوطن.

وقال بن حليمة في سياق كلامه أنه لم يكن يعلم وهو في الخارج بوجود مبادرة عفو حكومي تقدّمت به الجزائر لمن "يعارضها" بالخارج للعودة إلى الديار.

وبما أن عدد الأشخاص الذي سيشملهم "قانون لم الشمل" خارج سجناء التسعينات يكاد يقارب 140 شخصًا، فهذي يعني أنه من المحتمل أن تكون الحكومة قد فتحت باب حوار مع مجموعة من المعارضين في الخارج أو المسجونين ليستفيدوا من القانون المنتظر.

نهاية مرحلة

بالنسبة للمحامي مصطفى فاروق قسنطيني، فإن قانون لم الشمل يجب أن يكون الحلقة الأخيرة في مسلسل طي مرحلة العشرية السوداء، والتي يجب أن تشمل السجناء السياسيين، وأن لا تغفل أي طرف لم يشمله ميثاق السلم المصالحة الوطنية.

ويعتقد قسنطيني أنه بتطبيق قانون لم الشمل سيغلق ملف العشرية السوداء نهائيًا، وذلك بمعالجة  قضايا كل الأطراف المعنية بـ"المأساة الوطنية".

دعا المحامي فاروق قسنطيني إلى تعويض السجناء السياسيين الذين اعتقلوا في فترة الأزمة الأمنية 

ودعا قسنطيني نواب البرلمان للمساهمة في إثراء مشروع قانون لم الشمل ليطوي الأزمة بحق، وذلك بالعمل على أقرار تعويضات للفئات التي سجنت دون حق، وكذا العمل على تمكين المعنيين بالقانون بالحق في ممارسة السياسة، وذلك لينصب اهتمام البلاد بتطوير المجال الاقتصادي، وكسب الرهانات والتحديات الداخلية والإقليمية التي تعرفها في الوقت الراهن، فهل ينهي "قانون لم الشمل" ملف العشرية السوداء؟