20-يونيو-2022

كثير من المعتقلين السياسيين في فترة التسيعنات مازالوا في السجون (الصورة: ميدل إيست إي)

تجدّد الحديث في الجزائر عن قضية المعتقين السياسيين إبان الأزمة الأمنية، تزامنًا مع لقاءات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع مختلف القوى السياسية في البلاد والشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني في إطار مبادرة " لمّ الشّمل"، إذ كشف الرئيس عن نية فتح ملف المعتقلين وتسوية وضعيتهم في قادم الآجال في خطوة سياسية إيجابية وجادة لطيّ ملفّ ملغّم لسنوات طويلة.

متحدثة باسم عائلات السجناء السياسيين:  الإفراج عن المعنيين يحتاج إلى قرار سياسي وسيادي من رئيس الجمهورية ولا يحتاج إلى شروط وإجراءات

خلال لقائه بالرئيس تبون، كشف القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، عن فحوى الحوار الذي دار مع الرئيس، إذ طرح ملفّ المعتقلين منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزّمن، وضرورة إنهاء "عذابات" العشرات منهم في السجون بعدما طالت مدة اعتقالهم خلال فترة العشرية السوداء بعد توقيف المسار الانتخابي سنة 1992، وهو ما استجاب له تبون بتعهّده أن يحاول حلّ هذه القضية العالقة لأزيد من 32 سنة نهاية".

وقال بن خلاف في حديثه للصحافة إن اللقاء تناول عدة ملفات الأول منه إمكانية تسوية إطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين السياسيين وعددهم اليوم 160 معتقلًا، بعدما توفي بعضهم بينما أصيب البعض منهم بأمراض عقلية، لافتًا إلى أن تبون قال له: "من الأجدر لهم أن يكملوا بقية حياتهم رفقة عائلاتهم وذويهم، فمن كان عمره ثلاثون سنة في تسعينيات القرن الماضي، تجاوز اليوم العقد السابع، أما من كان عمره أربعون سنة في ذلك الوقت فهو على خطى قريبة من العقد التّاسع".

تفاعل إيجابي

أما الملفّ الثاني، فيتعلق حسب بن خلاف بمعتقلي الرأي الذين تمّ توقيفهم وحسبهم خلال الحراك الشعبي، إذ أكّد النائب السّابق عن حزب العدالة والتنمية بأنه دعا الرئيس إلى "اتخاذ خطوات للأمام نحو التهدئة" بإقفال ملف المعتقلين بسبب المواقف السياسية من نشطاء الحراك الشعبي، وعددهم 300 معتقل، إذ أبدى الرئيس نيته في أن يفصل في ملفهم بعفو شامل.

 أما الملف الثالث فيتعلق بقضية تحرير قطاع الإعلام والسياسة، وإعطاء المزيد من الحرّيات والتعبير، لافتًا إلى أن هذه القضايا تبقى حائلًا يكبح مسار لمّ الشمل والتوافق حول حلول سياسية واقتصادية واجتماعية للكثير من التحديات التي تواجه المجتمع الجزائري.

الصورة نفسها وطرح قضية المعتقلين السياسيين باتت صفحة من تاريخ " أسود" أبت أن تمزق نهائيًا، أو على الأقلّ مراجعتها، إذ مرّت الجزائر خلال الفترة ما بين 1992 إلى غاية 2005، أي قبل إعلان المصالحة الوطنية، بسنوات الجمر، ولهذا فإن معالجة هذه القضية يحتاج لصفحات وجب طيها، وحقوق وجب استردادها وواجبات ينتظر تأديتها، أمام السجناء السياسيين من كوادر الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، وعدد من العسكريين الذين تعاطفوا مع هذا الحزب قبل إلغاء المسار الانتخابي وتفجر الأزمة الأمنية.  

الملفت للانتباه أنه مع بداية الأزمة حوكم هؤلاء الكوادر من قِبَل محاكم خاصة، ووقتذاك رافع العديد من نشطاء حقوق الإنسان والمحامين على عدم دستورية هذه المحاكم التي قضت بأحكام بين الإعدام والحكم المؤبد في حقّ الكثيرين، فيما انتظرت عائلاتهم الإفراج عليهم بحكم تدابير العفو الشامل بعد دسترة المصالحة الوطنية عقب استفتاء الشّعب على وثيقتها لحقن دماء الجزائريين قبل 17 سنة من الآن.

قرار سيادي

رغم تلك التدابير التي مسّت قيادات في الجبهة المنحلة وبعض المتورطين في الجرائم وعفت عن العشرات منهم، إلا أن السجناء السياسيين ظلوا خارج إطار هذه التدابير، بل وبقي الملفّ عالقًا حتى الحديث عنهم بات من المحظورات في الإعلام، إلى أن جاء الحراك الشعبي الذي أحيا الجُرح الغائر في قلوب العائلات، وأرجع ذكراهم للواجهة، فلم تتردد العائلات عن حمل صور أبنائها وشعارات تدعوا إلى "فتح الملف الذي أدمى قلوبهم"، بل وكانت عيونهم تنتظر قرارات الرئيس تبون في إجراءات العفو التي يرمي من وراءها إلى السلم وتهدئة الشارع.

وفي حديثها عن القضية، قالت أسماء مياحي، المتحدثة باسم عائلات المساجين السياسيين لـ" الترا جزائر"، إن الإفراج عن المعنيين يحتاج إلى قرار سياسي وسيادي من رئيس الجمهوري ولا يحتاج إلى شروط وإجراءات، خاصة وأن أغلبهم مرضى وكبار في السنّ ".

وأكدت مياحي أنها تأمل في أن يكون موعد الإفراج قريبًا وليس ورقة سياسية تلوّح بها السلطة في موعد سياسي أو انتخابي فقط".

جِراح مفتوحة

في المقابل، لا يمكن لأي كان أن يُشفي جروح الأمهات والآباء، خصوصًا وأن الوعود التي أطلقها تبون تكون عهد بينه وبين الشّعب الجزائري حيال إيجاد مخرج لهذه القضية، إذ يدخل هذا الملفّ في إطار ما يسمى بـ"العدالة الانتقالية".

كما تشير عائلات المساجين عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن أغلبهم مرضى أصيبوا بأمراض مزمنة وتدهورت صحة غالبيتهم، إذ تستحقّ " الجزائر الجديدة" التي تبتغيها السلطات أن تغلق هذا الملفّ بعد أن صدرت في حقهم أحكام من طرف محاكم أنشأت في ظلّ حالة الطوارئ وأقرها الجيش بعد إلقاء المسار الانتخابي.

إلى هنا، يرى الأستاذ فاتح سعودي من جامعة قاصدي مرباح بورقلة جنوب الجزائر، أن إنجاح الانتقال الديمقراطي واستكمال إصلاحات التي أعقبت الحراك العشبي في فيفري/شباط 2019، يحتاج إلى معالجة مسألتي المفقودين والمعتقلين السياسيين، لافتًا إلى أن ملف العدالة الانتقالية في الجزائر يظلّ منقوصا مالم يتمّ تسوية هذين الملفين الحارقين.

وفسّر الأستاذ سعودي في إفادته البحثية حول العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في الجزائر في ضوء الحراك الشعبي، أن "المصالحة الوطنية التي اعتمدتها الجزائر منذ 2005، هي أحد نماذج العدالة الانتقالية، وأن موجات الاحتجاجات الشعبية هي ناتجة عن تراكم للمظالم والانتظارات المجتمعية التي انفجرت في شكل مطالب كانت في بدايتها تحمل طابعًا اجتماعيًا واقتصاديًا لتتطور لتحمل طابعًا سياسيًا".

وتقتضي العدالة الانتقالية حسب سعودي "معالجة ما ورثه المجتمع من انتهاكات لحقوق الإنسان، من أجل إحقاق العدل"، موضحًا أنها "مجموعة من الآليات لفهم ومعالجة ماضي انتهاكات عقب الكشف عن حقيقتها مساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها وجبر ضرر الضحايا وردّ الاعتبار لهم".

ووفق ما سبق ذكره، فإنها "خطوات تحقق المصالحة الوطنية وتحفظ الذاكرة الجماعية، وترسي ضمانات عدم تكرار الانتهاكات والانتقال نحو الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان".

 

شهادة والدة المرحوم محمد عبدلي

◾️ شهادة حية مؤثرة لأم عبد اللي محمد الفتى المخطوف منذ التسعينات و المحكوم عليه بالاعدام . في الندوة الوطنية حول قضايا المساجين السياسيين تحت شعار ( فكوا العاني) تخيلوا ايها الكرام ، ابنها الكبير سجن 10 سنوات ، الثاني 6 سنوات ، الثالث قتل ، و الرابع محكوم عليه بالإعدام ... ◾️ و الله قصص عاىٔلات المختطفين تقشعر منها الأبدان و تهز الجبال و تعصر القلب دما ... السبت 8 محرم 1441 ه الموافق ل 7 سبتمبر 2019م #الهيئة_الإعلامية_لتنسيقية_عائلات_السجناء_السياسيين

Posted by ‎تنسيقية عائلات السجناء السياسين في الجزائر‎ on Friday, June 10, 2022

مفارقات

إعلاميًا، بات ملفّ معتقلي التسعينات يصنف في خانة الممنوع الحديث عنه، إذ يمنع قانون المصالحة إعادة الحديث أو" تقليب المواجع" حول هذه الملفات الشائكة، وهو في حدّ ذاته انتهاك صارخ لحقّ التاريخ والأجيال في معرفة الحقيقة وعِلاجها والتّشافي منها.

رغم مطالب الحقوقيين إضافة إلى دعوات تنسيقية عائلًات المساجين السياسيين بفتح الملفّ والمطالبة بالإفراج عنهم أو على الأقلّ إعادة محاكمتهم، إلاّ أنّهم ليسوا من الفئات الثلاث التي يستثنيها قانون المصالحة الوطنية من الاستفادة من تدابير العفو إلغاء الأحكام والملاحقات القضائية وهي: "المتورطّون في جرائم وتفجيرات في أماكن عمومية واغتصاب وارتكاب مجازر خلال الأزمة"، إلا أنهم لم يطلق سراحهم ضمن أكثر من 2200 سجين تم الإفراج عنهم.

الرئيس تبون كان قد التقى في سنة 2020 بعلي جدي، وهو أحد قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ بهدف المضي نحو خطوة عفو وتعزيز ما أسماه مختصون في القانون وحقوق الإنسان بـ"المصالحة الشاملة".

إرادة سياسية

عقب تصريحات بن خلاف الأخيرة، وجب الإشارة إلى أنّ الرئيس تبون قد التقى في سنة 2020 بعلي جدي، وهو أحد قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة) علاوة على تكليف لجنة خاصة لتقّصي ملف سجناء التسعينات باشرت عملها في أيار/ماي 2021، بهدف تحضير تقرير يرفع للرئيس تبون يشمل عددهم ووضعيتهم في السجون، والمضي نحو خطوة عفو وتعزيز ما أسماه مختصون في القانون وحقوق الإنسان بـ"المصالحة الشاملة" التي تستكمل نموذج المصالحة الوطنية وبذلك تحقيق برنامج العدالة الانتقالية.