11-يناير-2021

وزيرة الثقافة مليكة بن دودة خلال تظاهرة "أيام الكسكس" (فيسبوك/الترا جزائر)

كتبت مباشرةً بعد الإعلان عن الحكومة الأولى لعبد العزيز جرّاد، حيث عُيّنت ثلاثة وجوه حراكيّة لتولّي ثلاث حقائب في قطاع الثقافة أنّني مستعد لتفهّم استوزار ثلاثة مثقفين حراكيين في قطاع الثقافة، والاعتراف بحقّهم في ذلك. الدّنيا خيارات. لكنّني لست مستعدًّا لأن أتفهّم أن يكون تسييرهم للقطاع عاديًا وباردًا ونمطيًّا وملحقًا بتمثيل مصالح السّلطة فقط في قطاع الثّقافة، وليس أيضًا بتمثيل الحاجات الثقافية للشّارع في السلطة.

ما معنى أن تكون وزيرًا للثّقافة في جزائر ما بعد 22 شباط/فيفري؟

ما معنى أن تكون وزيرًا للثّقافة في جزائر ما بعد 22 شباط/فيفري؟ معناه أن ترفع يدك عن حماية الأذرع المكسورة التّي تهيمن على القطاع منذ عقود، وتعيدَها إلى الجيوب عوضًا عن إعادة  الجيوب إليها.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الجدل.. بن دودة توضح أن تصريحها بشأن "الكسكس" أخرج عن سياقه

أن تستشير الكفاءاتِ والعقولَ الحقيقيّةَ، وتستعينَ بها لأجل وضع إستراتيجيّةٍ ثقافيّةٍ وطنيّةٍ واضحة المنطلقات والأدوات والآفاق لإضاءة ملامح الثقافة الوطنيّة بكلّ جهاتها واتّجاهاتها ووجوهها.

أن تضع جميع أبعاد الهوّية الوطنيّة فوق طاولة الاهتمام والانسجام، وتسخّرها في نشر ثقافة العيش المشترك داخليًّا (تثمين وعي جميل قديم وصناعة وعي جميل جديد) وفي الإشعاع الدوليّ خارجيًّا (الدّبلوماسيّة الثقافيّة)، مع تكريس الرّوح الجزائريّة في كلّ بعدٍ من أبعاد الهويّة الوطنيّة العامّة. بعدٌ عربيّ بروح جزائريّة. بعدٌ إسلاميّ بروح جزائريّة. بعدٌ أمازيغيّ بروح جزائريّة. بعدٌ متوسطيّ بروح جزائريّة. بعدٌ إفريقيّ بروح جزائريّة.

أن تربط الثّقافة بفنّ العيش، لا بمنطق تنشيط المحيط الذّي هو مهمّة المجتمع المدنيّ أصلًا، فتصبح الأفعال الثقافيّة مساهمةً في ترسيخ مفهومٍ مدنيٍّ وحيويٍّ وفعّالٍ ومتفاعلٍ للفضاء العام. ملعب حقيقي. مسجد حقيقي. حديقة حقيقيّة. شارع حقيقي. ساحة حقيقيّة. مطعم حقيقي. شاطىء حقيقي. سينما حقيقية. مسرح حقيقي.. الخ.

أن تفرض معاييرَ عاليةً وصارمةً في باب الظهور والحضور لمختلف المنتسبين إلى حقل الفنّ والإبداع. إذا كنت كفاءة نقدمك وإذا كنت متوسِّطًا نكوّنك وإذا كنت رديئًا ومغشوشًا نمنعك. فمنع الرّداءة شطر من خدمة الثقافة. من غير الخضوع للابتزاز الذي يمارسه المغشوشون في مواقع التّواصل الاجتماعي.

أن تتفتّح على التّحوّلات الحاصلة في الشّارع الجديد، نفسيةً وذهنيةً وتفكيرًا وذوقًا وسلوكًا، وتراعي ذلك في تمرير المضامين الثقافيّة والجماليّة والحضاريّة، وفق أنماط التّلقّي الجديدة. فقد أدّى غياب تلك المراعاة في برامج الوزراء السّابقين إلى هوّةٍ صارخةٍ بين المواطن والمباني والمنابر الثّقافية الحكوميّة.

أن تخلق مناخاتٍ صحيّة وحقيقيّة وغير مرتجلة للاستثمار في الحقول الثقافيّة المختلفة، فينتقل قطاع الثقافة من مقام العالة المستهلكة إلى مقام الآلة المنتجة.

أن تفرض تكييفًا إداريًّا استثنائيًّا لوزارة الثقافة. باعتماد معايير جديدة في التّوظيف. وتغيير ساعات العمل والعطل، حسب  تفرّغ المواطن، إذ ليس معقولًا أن تخضع المؤسّسات الثّقافيّة لنفس ساعات عمل المؤسّسات الإداريّة الأخرى.

أن تخلق آلياتٍ ناجعة لاحتضان الكفاءة الفنّية، منذ بوادرها الأولى، من خلال تنسيق مدروس مع المجتمع المدنيّ والمؤسّسات التّربويّة.

أن توفّر التّقاليد الموجودة في معظم المشاهد الثّقافيّة في العالم. مهرجانات معيّنة. ملتقيات معيّنة. ورشات معيّنة. مجلّات معيّنة. جوائز معيّنة.

أن تدرك أنّ هناك "أمّية" على مستوى البنية العميقة للسّلطة بخصوص العمل الثّقافي مفهومًا وممارسةً، وتعمل على تنويرها، قبل العمل على تنوير المجتمع، حتّى تستطيع افتكاك الأغلفة الماليّة اللّازمة وتمرير المشاريع الحقيقيّة، خاصّة مشروع قانون حقيقيّ للفنّان والمنتج الثّقافيّ. فقد تعوّدوا على تمرير وتمويل الفلكلوريّات فقط.

وكتبت أيضًا أنّه في المقابل، على النّخب المختلفة أن تتجاوز مقام الحديث عن جدارة هذا الوجه بالوزارة أو لا، وعن مدى خيانته للحراك أو لا، ذلك أنّه حان للحراك أن يملك الاستعداد للاختراق وإلّا وقع في الاحتراق، إلى مقام تتحلّى فيه الوجوه/ الواجهات الحراكيّة بروح الاقتراح والمبادرة والضّغط والمرافقة والمراقبة والتأسّس كطرف في الوصول إلى فرض سياسة ثقافيّة وطنيّة منسجمة مع الرّهانات الحضاريّة المختلفة. فثمّة أمن قوميّ ثقافيّ علينا تحقيق مقتضياته، بصفتنا مجتمعًا ثقافيًّا مدنيًّا، مثلما هناك أمن قوميّ عسكريّ يحظى بعقول تسهر على توفيره.

غير أنّ الذّي حدث بعد عام من حكومة ما بعد الحراك، أنّ وجهًا من الثّلاثيّ الوزاريّ المكلّف بالإنتاج الثّقافيّ أزيح تمامًا من منصبه رغم حماسه ونشاطه واقترابه من المجتمع الثّقافي، بالموازاة مع الغلق على الوجه الثّاني المكلّف بالصّناعة السّينيمائيّة وحصاره في مكتبه، فهو لم يستطع أن يفرض برنامجًا أو يمضي في مشروع، فيما استحوذ الوجه الثّالث المتمثّل في الوزيرة على مفاصل الوزارة؛ لكن من غير أداء مقنع أو تفكير عميق أو برنامج واضح أو تأثير في الواقع؛ فقد حوّلت الوزارة إلى مركز ثقافيّ على مستوى هضبة العناصر. وجعلت من التقاطها للصّور حدثًا ثقافيًّا في حدّ ذاته.

صرّح رئيس الجمهوريّة السّيّد عبد المجيد تبّون أنّ الحكومة "فيها وعليها" في إشارة منه إلى تفاوت أداءات الوزراء

صرّح رئيس الجمهوريّة السّيّد عبد المجيد تبّون؛ وهو يغادر ثانيةً للعلاج في ألمانيا أنّ الحكومة "فيها وعليها" في إشارة منه إلى تفاوت أداءات الوزراء. وأرجو أن يكون أداء وزارة الثّقافة والفنون في ذهنه داخلًا في خانة "عليها". لأنّه إذا كان يعتقد أنّه داخل في خانة "فيها"؛ فستكون خسارتنا الثّقافيّة فادحةً ومثيرةّ لانتشار مزيد من اليأس والتّثبيط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إرث مغاربي مشترك.. طبق الكسكسي على قائمة اليونسكو

وزيرة الثقافة تمارس الرقابة على حسابات فيسبوكية لإطاراتها