16-أبريل-2020

مشهد من مسرحية "المرأة المتوحشة" لكتاب ياسين (الصورة: روجر فيوليت/Getty)

عمل الرّوائي والمسرحي كاتب ياسين، على تفكيك البنية الكولونياليّة الفرنسيّة، من خلال روايته المبكّرة "نجمة" التّي صدرت عام 1956، ثمّ عمل على تفكيك بنية النّظام السّياسيّ القائم بعد الاستقلال الوطنيّ (1962)، من خلال أعماله المسرحيّة التّي كان يقوم بها، رفقة فرقته الخاصّة، ومن خلال إنتاجات مسرح سيدي بلعبّاس الذّي استقال من إدارته عام 1987.

أدّت الرّوح المتمرّدة لصاحب مسرحة "الجثة المطوّقة" إلى أن يدرجه النّظام في خانة المنبوذين والمرفوضي

أدّت الرّوح المتمرّدة لصاحب مسرحيات "الجثة المطوّقة" و"الرجل ذو الحذاء المطاطيّ" و"محمّد خذ حقيبتك"، إلى أن يدرجه النّظام في خانة المنبوذين والمرفوضين والممنوعين من الظّهور في منابره المختلفة، علمًا أنّ المنابر الثقافيّة والإعلاميّة المتاحة في زمنه كانت كلّها تابعة للحكومة، فلا يستفيد منها إلّا من كان مرضيًّا عنه من طرفها.

اقرأ/ي أيضًا: شعب التلفزيون وشعب الشوارع الغاضبة

لم يُرفع الحظر عن كاتب ياسين إلّا في حدود ضيقة جدًّا، رغم رحيل الوجوه التّي كانت تناصبه العداء عن الحكم، لأنّ الوجوه التّي خلفتها لم تكن ترى فيه معارضًا لوجوه معيّنة في السّلطة فقط، بل لبنية الحكم نفسه، بغضّ النّظر عن الأسماء التّي تتداول عليه.

من هنا تساءل الرّوائيّ والإعلاميّ سعيد خطيبي في تدوينة فيسبوكيّة له عام 2017: "حتّى لا ننسى. التّلفزيون الجزائري، لحدّ السّاعة، يمتنّع عن عرض مسرحيّات كاتب ياسين. لماذا؟".

يعيدنا الكاتب المسرحيّ والإعلاميّ احميدة عيّاشي، إلى السّياقات الأولى لامتناع التّلفزيون الجزائريّ عن عرض مسرحيّات كاتب ياسين، بالقول إنّ كاتب ياسين شعر بالحزن بعد استقالته من إدارة مسرح سيدي بلعبّاس، "لأنّه لم يجد حماسة عند فريقه لتقديم نصّه الجديد عن نيلسون منديلا. فقد شعر عدد من الممثلين بكونهم يدفعون ثمن علاقتهم العضوية بكاتب ياسين، من خلال التّهميش الذّي بدأ يتعرّض له مسرح سيدي بلعباس بحظر عروضه في التلفزيون، بالمقارنة مع إنتاجات المسارح الأخرى".

ويروي عيّاشي الذّي كان مقرّبًا من كاتب ياسين، حادثة ليست غريبة عن السّياق الذّي كان سائدًا: "ذات يوم أطلعني كاتب ياسين على مراسلة باللّغة العربيّة من إدارة التّلفزيون الجزائريّ، جاء فيها اعتذار لجنة القراءة عن قبول إحدى مسرحيّاته. وكانت الأسباب واهية ومثيرة للضّحك المبكي، حيث جاء في التّقرير أنّ في المسرحية نعرةً جهويّةً وتوظيفًا للخرافة والشّعوذة. فقد اعتُبر توظيف الأغنية السّطايفيّة - نسبةً إلى منطقة سطيف- (يا بوطيبة داويني) في مسرحية (حرب الألفي سنة) وأغنية (يا الشّاوي خويا) نعرة جهوية".

والمؤلم أنّ لجنة القراءة أو الرقابة، يقول احميدة عيّاشي، كانت تتكوّن من كتّاب جزائريّين معروفين بكونهم تقدّميّين. يضيف: لم يعلّق كاتب ياسين على التقرير إلّا بالقول: "إنّهم يواصلون حصارهم على كاتب ياسين". وكان يدرك في أعماقه أنّ هذا الحصار الذّي قاده الدّكتور طالب الإبراهيمي، من خلال حملات التّشويه التّي طالته، في بعض العناوين المعرّبةـ كانت تهدف إلى إسكاته ودفعه إلى الكفّ عن انتقاد السّلطة السّياسيّة والأيدولوجيا العروبيّة - الإسلامية، التّي راح ينتقدها صاحب "الجثة المطوقة" بشكل صريح وعنيف من خلال بعض الحوارات التّي كانت تُجرى معه في الصّحف الأجنبيّة، وكذلك في جريدة "ألجيري اكتياليتي" ذات التوجّه اللّبيرالي، على حدّ قوله.

ودفع هذا الرّصيد الطّويل من منع أعمال كاتب ياسين قطاعًا واسعًا من الجزائريّين إلى إبداء الدّهشة من إقدام التّلفزيون الجزائريّ، قبل أيّام، على عرض مسرحيته "الرّجل ذو الحذاء المطاطي".

تقول الباحثة المسرحيّة مينة مرّاح، إنّها هي نفسها اندهشت حين رأت مسرحيّة لكاتب ياسين عمرها خمسون سنة تمامًا على الشّاشة الحكوميّة، "فعمر منعها هو من عمري أنا التّي أصبحت أمًّا وكبرت، أسمع وأقرأ عنها من غير أن أراها، وكنت أقول إنّه من غباء السّلطة أن تمنع مسرحيًّا يعرفه ويسمع به النّاس ويحبّونه أكثر من الوجوه التّي تحظى بالرّعاية والحماية والتّمويل والظّهور المستمرّ".

وتُرجع محدّثة "الترا جزائر"عودة كاتب ياسين للتّلفزيون إلى التّغيير الذّي مسّ الإدارة العامّة لهذه المؤسّسة، بتعيين الإعلاميّ أحمد بن صبّان على رأسها، "فهو رجل مسرح أيضًا، ورافق المسرحيّين والفرق المسرحيّة منذ عقود". تضيف: "كما لا يجب أن نغفل دور الحراك الشّعبيّ والسّلميّ في دفع دوائر السّلطة إلى مراجعة كثير من الحسابات".

من جهته، رأى الشّاعر والصّحافيّ في التّلفزيون الجزائريّ عبد العالي مزغيش الخطوة في الطّريق الصّحيح، "ولابدّ من تثمينها لتشمل العديد من الأعمال الموجودة حاليًا في الظّلّ . فقد عانت المضامين الثقافية من المقصّ ومن التّحييد السّلبيّ الخاضع لسلطة الرّقيب".

وأكاد أجزم، يقول مزغيش، أنّ سلطة الرّقيب فيما يتعلّق بالأعمال الثقافيّة لا تكاد تخرج عن الفعل المزاجيّ لبعض القائمين على البرمجة التلفزيونيّة. ولم تستند إطلاقًا إلى أوامر عليا، على حدّ تعبيره.

عبد العالي مزغيش: الإفراج عن أعمال كاتب ياسين المسرحيّة في التّلفزيون الحكوميّ هو تصحيح لأخطاء سنوات الفوضى

ويرى عبد العالي مزغيش أنّ صاحب رواية "نجمة"، مثقف ذو أفق واسع مهما تمّ الاختلاف معه، "وكان مناضلًا ثقافيًّا بامتياز. ولذا فإنّ بثّ أعماله المسرحيّة في التّلفزيون الحكوميّ والإفراج عنها في مختلف المنابر، هو تصحيح لأخطاء سنوات الفوضى والمنطق السّلطويّ الخادم للأشخاص".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إنهاء مهام مديري التلفزيون العمومي والمؤسّسة الوطنية للنشر والاشهار

عثمان عريوات.. "الجنرال" يعود إلى التلفزيون الجزائري

.