27-يوليو-2019

الجزائر أعلنت الحداد على رحيل قايد السبسي (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

لم يحدث أن تفاعل قطاع واسع من الجزائريّين مع موت رئيس عربيّ، بعد الرّئيس العراقي المقتول صدّام حسين والرّئيس المصري المعزول محمّد مرسي، مثلما تفاعلوا مع وفاة الرّئيس التونسي محمّد الباجي قايد السّبسي (1926 ـ 2019)، الذّي رحل، الخميس، وهو لا يزال على قيد الحكم، عن عمر 92 عامًا.

كان السّبسي قادرًا على أن ينخرط في التآمر على الحقّ الفلسطيني، في ظلّ الحاجة الاقتصاديّة لبلاده ولكنّه لم يفعل

ظهر ذلك في موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك، الذّي اكتظّ بتعازي الجزائريّين على اختلاف أجيالهم، وبتعازيهم للشّعب التونسي وتمنّياتهم بأن يتجاوز هذا المصاب، من غير أن يتأثّر مساره الدّيمقراطي النّاشئ، بما حصل في مشاهد عربيّة أخرى كان رحيل حكّامها المفاجئ منطلقًا لانزلاقات سياسيّة وأمنيّة.

اقرأ/ي أيضًا: منع الجزائريين الملتحين من دخول تونس.. إشاعة أم حادث معزول؟

يفسّر الإعلامي فاروق بن شريف لـ"الترا جزائر" هذا التّفاعل الشّعبيّ الجزائريّ العامّ مع رحيل الباجي قايد السّبسي، بكون معظم الجزائريّين يعرفون الشّارع التّونسيّ مباشرةً، من خلال السّياحة والتّجارة والتّبادلات الإنسانيّة، ولهم فيه أصدقاء، "فهم يستشعرون واجب التّعزية والتّعاطف من منظور أخويّ. ثمّ إنّ الرجل يعدّ رئيسًا منتخبًا شعبيًّا من غير تزوير، واستطاع أن ينقذ تونس من منزلق خطير، ويدفع بها نحو ثقافة الانتخاب لا الاحتراب، ويبني مؤسّسات حقيقيّة تسهر على ذلك".

يضيف بن شريف: "كان السّبسي قادرًا على أن ينخرط في التآمر على الحقّ الفلسطيني، في ظلّ الحاجة الاقتصاديّة لبلاده. وأن ينخرط في مبادرات أظهرت فشلها، مثل التّحالف العربيّ في اليمن، كما كان قادرًا على أن يتواطأ ضدّ المصالح الجزائريّة، في الملفّ اللّيبي مع فرنسا وحفتر وعرّابيه، لكنّه فضّل الوفاء للمبدأ على المصلحة المؤقّتة والمسمومة".

ورفع بعض المتظاهرين في الجمعة الـ23 للحراك الشّعبيّ والسّلميّ صور الرّئيس التّونسي الرّاحل مرفوقة بعبارات التّرحّم. سألنا أحدهم في مسيرة مدينة البويرة شرقيّ العاصمة، فقال: "مات قايد السّبسي رئيسًا مرضيًّا عنه في دولة جارة وشقيقة، فكان واجبًا علينا أن نحسّسهم بتعاطفنا معهم ووقوفنا إلى جانبهم، تمامًا مثلما يفعل أيّ جار مع جاره". تدخّل ثانٍ: "السّبسي أكبر سنًّا من بوتفليقة، لكنّه مات رئيسًا مأسوفًا عليه من طرف شعبه، حتّى معارضوه ومنتقدوه تأسّفوا عليه، لكنّ الثّاني لفظه الشّعب وأخرجه من الباب الضيّق، لاختلافهما في صدق تعاملهما مع شعبيهما".

وفيما أشار الجامعي والكاتب خالد فضيل في تدوينة مقتضبة له إلى كون السّبسي أوّل رئيس عربيّ يموت في مستشفى بلده، أشار الخبير في التفكير الثقافي عمار كساب إلى السّلاسة، التي انتقلت بها السّلطة في تونس مباشرةً بعد إعلان رحيل رئيس الجمهوريّة، ثمّ تساءل: "هل فهمتم ما معنى دولة مدنيّة وليست عسكرية؟"، في إحالة على الشّعار، الذّي بات المتظاهرون يحملونه في الجزائر.

في سياق المقارنة نفسها بين المشهدين التّونسيّ والجزائريّ كتب الشّاعر والإعلاميّ عادل صيّاد أنّ الكبار يموتون كبارًا، "من الجيل القديم للسّياسيّين التّونسيّين. وثقت به الأجيال الجديدة لثورة الياسمين وانخرطت في حزبه (نداء تونس)، وانتخبته رئيسًا للجمهوريّة. لم يكن ينوي الترشّح لعهدة جديدة، ولم يسعَ لأن يموت رئيسًا؛ فنال ذاك الشّرف عن جدارة واستحقاق".

خلافًا له في الجارة الغربيّة (الجزائر)، يضيف عادل صيّاد في تدوينته الفيسبوكيّة، يرقد مطرودًا ومذلولًا ومريضًا من خان ثقة شعبه وسعى لأن يدشّن مسجده الأعظم ويدفن فيه أو في مربّع الشّهداء بمقبرة العالية. فلا هو مات ولا هو استمرّ كما كان يحلم في الحكم؛ بل قد يُستدعى في شهر سبتمبر للعدالة بتهم فساد ثقيلة". يختم: "إنّه الفرق بين الوطنيّ الأصيل، الذّي سيشيّعه شعبه بالدّموع والحزن، وبين الخائن الذّليل، الذّي لن يحزن أحد لموته".

الجزائر الرّسميّة أعلنت الحداد لثلاثة أيّام، وأمرت بتنكيس الأعلام في المؤسّسات

يذكر أنّ الجزائر الرّسميّة أعلنت الحداد لثلاثة أيّام، وأمرت بتنكيس الأعلام في المؤسّسات، وعزّت الرّئيس الجديد المؤقّت في تونس محمّد النّاصر والشّعب التّونسيّ في رحيل أوّل رئيس جمهوريّة قام بانتخابه، منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1956.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا يتدفّق الجزائريون إلى تونس؟

الجزائريون يحجون إلى تونس بحثًا عن وصفة الشفاء!