23-نوفمبر-2019

في أحد أجنحة معرض الجزائر الدولي للكتاب (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

يبدو أن موجة الدعاية التي حظيت بها إصدارات الكتّاب الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، اختفت بمجرّد انقضاء أيام معرض الجزائر الدولي للكتاب "سيلا"، الذي امتدت فعالياته بين 31 تشرين الأول/أكتوبر، و9 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري؛ فكثيرون ممّن وقّعوا مؤلّفاتهم في أجنحة التظاهرة، توقّعوا مرافقة نقدية أو تدوينات فيسبوكية، ترصد انطباعات القرّاء وردود أفعالهم وآراءهم حول جديد هذه الطبعة.   

هل يجب على الكاتب أن يرافق كتابه من خلال الدعاية لأعماله عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي؟

معرض "سيلا" الذي صار أيضًا بمثابة ملجأ محايد يلتقي فيه الأصدقاء والخصوم في الأوساط الأدبية والثقافية، وتجتمع فيه الحساسيات على اختلافها، لم يعد مجرّد نقطة لاقتناء الكتب وحسب، بل صار أيضًا فرصة لا تتكرّر إلا مرّة واحدة في السنة لمختلف التوجهات الفكرية والاجتماعية وحتى السياسية، ووجهة قارّة للشباب والعائلات من مختلف أنحاء الوطن.   

اقرأ/ي أيضًا: المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين

انقضى المحفل الذي شهد هذا العام مشاركة حوالي 1030 دار نشر مثلت 36 دولة من بينها الجزائر، وبمشاركة كبيرة لدور النشر الجزائرية التي بلغ عددها 298 بحسب محافظ المعرض محمد إيقارب، ومع كلّ هذه الأرقام، صعدت إلى السطح تساؤلات كثيرة تتكرّر كل سنة، وتقترح العديد من المسائل التي تؤرّق الكتاب والقرّاء والمهتمّين بالكتّاب بشكلٍ عام.  

ما مصير المنتج الأدبي بعد انقضاء صالون الكتاب؟ وهل هناك فعلًا سياسات جادّة تنتهجها دور النشر والجهات الوصية في الوزارة ودور الثقافة لدعم الكاتب والكتاب، وتشجيع القارئ على اكتساب ثقافة المطالعة لزيادة المقروئية في المجتمع الجزائري؟ 

هل يجب على الكاتب أن يخرج من قوقعته ليرافق كتابه من خلال الدعاية لأعماله عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي، في عصر أضحى فيه الكتاب منتجًا تجاريًا في سوق تنافسية تسيطر عليها دور نشر معينة على حساب أخرى؟ 

ثقافة الكتاب.. غياب أو تغييب؟ 

يُجيب الكاتب مراد بوكرزازة، على بعض هذه التساؤلات في حديث إلى "الترا جزائر"، ويعتبر أن مجتمعنا لا يملك تقاليد ثقافية يمكن الاعتماد عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقال إن علاقتنا بالكتاب هي علاقة مريبة فيها الكثير من التوجّس والحذر والخوف، فالمطالعة هي آخر الاهتمامات في المجتمع الجزائري عمومًا، مردفًا أنه من النادر جدًا أن نجد من يقرأ كتابًا في الحافلات أو الأماكن العمومية، لأنّ من يفعل ذلك حسبه سيبدو كائنًا غريبًا في هذا المجتمع، على حدّ قوله.

في السياق ذاته، قال الكاتب إن "هذا الجوع والاحتياج للمطالعة يكبر ليدفع بالكتّاب إلى الدفاع عن صوتهم مع اقتراب معرض الكتاب في غياب منابر ثقافية تفعل ذلك، ثم تتزاحم المنشورات الفيسبوكية للدعاية، لكن سرعان ما يخفت صوتهم بعد المعرض ويعود الكتاب ليُتمه القديم".  

 القارىء الجيّد حسب مراد بوكرزازة موجود؛ بدليل أن النصوص الجميلة تجد من يتلقّفها بسرعة، لكن في ظلّ غياب آليات توزيع وترويج ومرافقة العمل، تظلّ المقروئية ضعيفة جدًا حسبه، ويعلّق المتحدّث بالقول: "الكُتّاب مثلًا في الجزائر لا يقرأون لبعضهم البعض، فماذا ننتظر من المتلقي العادي؟".  

معضلة النقد الأدبي 

يُشير بوكرزازة إلى مشكلة الاهتمام النقدي والأكاديمي بما يصدر من مؤلفّات، "إذا ما استثنينا ما يقوم به بعض النقاد من بينهم لونيس بن علي، عابد لزرق، بوداود عمير، حبيب مونسي، محمد الأمين بحري وغيرهم، فلا يمكن الحديث عن حركة نقدية بالمفهوم الشاسع للكلمة"، وأضاف الكاتب، أن القراءات الانطباعية التي تطلّ هنا وهناك تكاد تكون شحيحة هي الأخرى، على حدّ تعبيره.  

تطرح مشكلة توزيع الكتاب، عدّة تساؤلات بدورها حول أزمة المقروئية، فالتوزيع  بحسب بوكرزازة، في الغالب لا يمسّ المناطق النائية والبعيدة، "ومعرض الكتاب يكاد يكون الفرصة الوحيدة التي يزدهر فيها الكتاب لفترة وجيزة قبل أن يعود لاحتضاره القديم".  

شارك بوكرزازة في بعض الندوات في صالون الكتاب، لكن غياب نشرية يومية توضّح النشاطات الثقافية عقّد الأمور حسبه، وإن كان الإقبال كبيرًا جدًا في الأيّام الأخيرة، إلا أن أنه "كان شعبويًا ينجذب للعناوين السخيفة أو يميل إلى عقدة المشرقي/الجيّد".

أزمة مقروئية

من جهته، يشير الصحافي سامي حباطي، في حديثه عن مصير الكتب ووضعية المقروئية في الجزائر، بأن القراءة فعل يتجاوز اقتناء الكتب لملء الرفوف وتركها ضحية للغبار والإهمال، مضيفًا أنه "ورغم عدد زوّار الصالون الذي تفاخر به وزارة الثقافة، تبقى المقروئية ضعيفة جدًا".   

يعتقد صاحب التجربة القصصية المعنونة بـ"جسم طائر غير معرف"، أن كشف أسباب هذا التناقض النسبي، عدديًا على الأقل، ينبغي أن ينطلق من تشخيص واقعي لحاجة المجتمع للقراءة كبحث عن إجابات، أو بالأحرى، القراءة كترجمة للأسئلة التي تختلج صدور البشر، على حدّ قوله.  

 الثقافة التي تقمع السؤال وتُقولب التفكير وتقوّض حريته إلى حدّها الأدنى حسب سامي حباطي، يُمكن أن تكون منتجة لحاجة إلى القراءة أو الاطلاع، باستثناء ما يحدث لدى فئة قليلة ممّن لا زالوا يقرؤون فعلًا ويصلون إلى الكتاب حتى خارج المعرض.  

هذا فيما يتعلقّ بالقراءة الأدبية والفكرية، أمّا في الجانب الآخر الأكثر تقنية، أضاف حباطي بأنّ الحاجة إلى قراءة الدراسات الجديدة والمنشورات ذات الطابع العلمي تقتصر غالبًا على الجامعيين الذين يُلزمهم الواجب البيداغوجي باقتناء كتاب ما، أو من يحضّرون لأطروحات تخرّج مثلًا، في حين ما زالت بعض الكتب التاريخية أو التأريخية أو الشهادات، تنال إقبالًا من مختصّين وقراء عاديين على حدٍّ سواء، لأنها بحسب المتحدّث، "تأتي في صورة قريبة من المحتوى الصحافي الذي يطوف حول حدث ما، مثلما لوحظ مع كتب موضوعها الرئيس الجزائري السابق أو الحراك الشعبي".  

يُجيب حباطي على سؤال "الترا جزائر" المتعلّق بمصير الكتب ما بعد معرض الكتاب، بأنها غالبًا ما تنتهي إلى النسيان بسبب غياب منهجية توزيع فعّالة في إيصال المنتج الفكري إلى القارئ، مضيفًا أن المكتبات تصبح شبه خاوية من أهمّ العناوين الموجودة في "سيلا"، بفضل مشاركة دور نشر أجنبية تستغل الندرة لترفع الأسعار، "بينما لا تسعى دور النشر الجزائرية، إلى شراء حقوق النشر لأهمّ الكتب الفكرية القديمة منها أو الجديدة، مثل الكوميديا الإلهية لدانتي، كما أن التوزيع محليًا غالبًا ما يتمّ دون مرافقة ترويجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سمح لكتب سطحية أن تتحوّل إلى أكثر العناوين مبيعًا في المعرض الدولي بإقبال خيالي عليها".

المقروئية الضعيفة حسب حباطي، تعود أيضًا إلى غياب سياسة ثقافية ترافق طبع الكتب وتوزيعها، بالإضافة إلى عدم تشجيع المنظومة التعليمية على القراءة، كما يمكن أن نعيدها أيضًا إلى غياب المجلات الثقافية ونكسة الصحافة التي لا تأخذ موضوع الثقافة محمل الجدّ على حدّ تعبيره.

انشغالات القارئ الجزائري 

من جهته، يحكي الشاب عبد الرحيم راجعي، عن تجربته من خلال أسبوع قضاه في التجوّل بين أجنحة المعرض، واعتبر أن المعرض لم يكن بذلك السوء، بل إن "طبعة هذا العام كانت أحسن طبعة حضرها"، وهو ما لاحظه بعد مكوثه لفترة طويلة مكّنته من التجوّل بين أجنحة الصالون، مستدركًا: "أن المشكل الكبير الذي واجهه في كلّ مرّة هو الأسعار المرتفعة مقارنة بالظروف المادية المتدهورة للجزائريين، والتي لا تسمح باقتناء كل ما يريدونه، وهو ما يفرض ترتيب الأولويات والتضحية بالكثير من العناوين".  

في السياق ذاته، لاحظ عبد الرحيم غياب عدة دور نشر كبيرة، إضافة إلى تكرّر عرض العناوين والطبعات نفسها كل عام وبأسعار مرتفعة. مسجّلًا قلة الإصدارات الجديدة، وغياب الدعاية لها قبل وخلال المعرض، على حدّ قوله.   

هنا، يرى المتحدّث أن قلّة قليلة من دور النشر عرفت كيف تروج لمنتوجها جيدًا، وركزت على الإصدارات الحديثة، حيث اهتمّت مثلًا كما قال عبد الرحيم، بوضع بائعين ملمّين بمجال الكتب وقرّاء جيّدين يستطيعون التواصل مع الزبائن والتعريف بكتبهم.

الإقبال على الكتاب الأدبي والكتاب العلمي المتخصّص ضعيف مقارنة بالإقبال على الكتاب الديني والكتاب شبه المدرسي والقواميس بحسب عبد الرحيم، مؤكّدًا أن هناك مشكلًا آخر، "وهو النقد المبني على المجاملات بين الأصدقاء، إضافة إلى أن الكثير من الكتاب لا يفرّقون بين نصوصهم وأشخاصهم ويعتبرون كلّ نقدٍ تهجمًا عليهم، ولذلك ينفر كثيرون من الأكاديميين والنقاد".  

تحديات الناشر في سوق الكتاب

الناشر الشاب بكر حمادي، يرى أن أغلب دور النشر تجد في معرض الكتاب "سيلا" فرصة كبيرة لتسويق إصداراتها وذلك راجع لسبب رئيسي مهمّ، وهو ندرة الكتاب في مناسبات أخرى خاصّة كتب الدور الأجنبية.   

يروي حمادي في حديث إلى "الترا جزائر"، عن تجربته في الصالون بصفته عارضًا، ويرى أن معرض الكتاب، كان فرصة لترويج أعمال دار النشر التي يديرها، والتعريف بسياستها والبحث عن سبل التعاون سواءً مع الكاتب أو مع باقي الناشرين، على حدّ تعبيره.   

هنا، يؤكّد المتحدّث، أن الناشر الجزائري يعاني من مشكلة التوزيع خصوصًا في السنتين الأخيرتين لعدّة أسباب، لهذا "تُغيّر دور النشر سياساتها باستمرار وتُدخل الكاتب في عملية توزيع كتابه، ويعتمد بعض هذه الدور على كتّاب يملكون قاعدة قرّاء ومتابعين لتسهيل عملية تسويق الكتاب".   

الأزمة حسب الناشر بكر حمادي، لا تكمن في التوزيع فقط؛ وإنما هي أزمة صناعة كتاب ككلّ، وهي لا تقع على عاتق الناشر فقط، وإنما على القطاع المسؤول عن الكتاب في الجزائر وعلى المطبعي والمكتبي، ومؤسّسات التوزيع، وصولًا إلى الزبون في حدّ ذاته، لهذا وجب على الناشر حسب بكر حمادي، أن يخلق طرقًا جديدة للتعريف بمنتوجه كالتسويق عبر الإنترنت أو خدمة الإيصال عبر البريد العادي أو السريع.   

في السياق ذاته، قال بكر إن الاعتماد على المنتج فقط قد يجعل الناشر يغفل عن جانب التسويق لعلامته التجارية خصوصًا مع تطور آليات الإشهار في الإنترنت، لهذا "يفضّل الناشر الشاب مستقبلًا التركيز على ترجمة بعض الأعمال العالمية وذلك لافتقار التراجم في السوق الجزائرية، وأيضًا لتشجيع بعض الأقلام الشابة والتي برهنت على موهبتها".

ما مصير المنتج الأدبي بعد انقضاء صالون الكتاب؟ وهل هناك فعلًا سياسات جادّة تنتهجها دور النشر لدعم الكاتب؟

أمّا عن أزمة المقروئية في الجزائر، يقول الناشر، إن الكتاب صار شيئًا مألوفًا لدى الجزائري بعد أن كان حكرًا على طبقة محدودة، مؤكّدًا "أننا نشهد حركة غير مسبوقة في مجال النشر والتأليف وظهور دور نشر تنافسية جديدة وكتّاب شباب يطمحون لتقديم الإضافة. هكذا تصنع المقروئية شيئًا فشيئًا، يبقى الأمر متعلقًا بالهيئات المعنية لمواكبة التحوّلات الجديدة كالنشر الإلكتروني والمنصّات الرقمية".  

اقرأ/ي أيضًا:

علي عبد الأمير: زمن النشر الإلكتروني

عن دور النشر وكتبها المترجمة