11-يناير-2022

(رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

هل القرارات الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون باستحداث هيئات جديدة لمكافحة الفساد دليل على توسّعه وامتداده في مختلف المؤسّسات؟ أم أنها خطوة لتعزيز للهيئات الموجودة منذ أكثر من 15 سنة؟ أم أنّ الهيئات التي تم انشاءها في السابق لم تساهم في محاربة الفساد بالقدر الذي يكفي لحماية المال العام في الجزائر وتحقيق انتظارات التنمية المرجوة في البلاد؟

 يعتبِر متابعون للشّأن الاقتصادي والقانوني في الجزائر أن استحداث عديد الهيئات لمكافحة الفساد، خطوة إيجابية من شأنها تفعيل التّرسانة القانونية والأجهزة لمحاربة الفساد

شكلًا، أعلن مجلس الوزراء برئاسة تبون مؤخّرًا عن إنشاء ثلاثة كيانات لمكافحة الفساد؛ تتعلّق الأولى بما أطلق عليها بـ "هيئة للتحري في مظاهر الثراء عند الموظفين العموميين "بلا استثناء" من خلال إجراءات قانونية "صارمة" لمحاربة الفساد، عملًا بمبدأ من أين لك هذا؟"، وثانيًا استحداث السلطة الوطنية العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وثالثًا استحداث منصب المفتّش العام لمصالح الدولة والجماعات المحلية، ملحق مباشرة برئاسة الجمهورية، في انتظار تشكيل أعضائها جميعًا.

اقرأ/ي أيضًا: كلمة عن هيئات مكافحة الفساد في الجزائر

إجرائيا، يعتبِر متابعون للشّأن الاقتصادي والقانوني في الجزائر أن استحداث عديد الهيئات لمكافحة الفساد، خطوة إيجابية من شأنها تفعيل التّرسانة القانونية والأجهزة لمحاربة الفساد، حسب ما يراه الخبير الاقتصادي أحمد مشري، إذ أنه يمكن الآن تفعيل دور الرقابة وآلياتها، خاصّة وأن الجزائر شرّعت لذلك من خلال الهيئة الوطنية المكلفة بالوقاية من الفساد ومكافحته في العام 2006، لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الفساد ولكنها لم تكن لها ارتدادات واقعية إلا عقب الحراك الشعبي.

وفي توصيفه لعمليات مكافحة الفاسد في البلاد، أضاف مشري في إفادته لـ "الترا جزائر" أن تلك الهيئة لم تكن وقتذاك مستقلّة إذ تخضع كلية لرئيس الجمهورية"، فضلًا عن كونها تقصي بعض المسؤولين من كبار الدولة من الرقابة أو بالأحرى تكسبهم "حصانة تقيهم شرّ المساءلة".

هذا التفصيل، يجعل المهتمين بالشأن الاقتصادي في البلاد، يطرح سؤالًا مهمّا حسب الأستاذ مشري قائلًا: هل قدّمت الهيئات الرقابية اسهامات كبيرة في مجال حماية المال العام وتعقب المجرمين؟

يبدو أن العميلة معقدة جدًا بنفس وتيرة تشابك المصالح والقوانين وتطبيقها، ففي ظلّ هذه الخُطوات التي أقرّها الجهاز التّنفيذي في الجزائر المتعلّقة بمحاربة الرّشوة والمحسوبية والفساد الإداري، طالب الرئيس تبون الحكومة بـ"التّركيز على العمل الوقائي لمحاربة الفساد، بدءًا من تحديد شروط جديدة ودقيقة للإعلان عن الصفقات والمناقصات على الجرائد".

صلاحيات الهيئات الرقابية

غير أن الصلاحيات الممنوحة للهيئات الرقابية في الجزائر هي حجر الزاوية، رغم أن النظام القانوني أو الترسانة القانونية في مجال مكافحة الفساد لم تف بعد الغرض المطلوب، حتى وإن سلّمنا بوجود العشرات من القضايا مسّت الفساد وهدر المال العامّ خلال العشريتين الأخيرتين.

ميدانيًا، هناك قراءات أخرى لإنشاء هذه الهيئات، فهل فعلا تحتاج البلاد إلى مؤسّسات رسمية لمحاربة مرض عضال كعدوى أو"غارغارينا" انتشرت في مختلف القطاعات، إذ لم تسلم المؤسّسات الحكومة والخاصّة من فساد إداراتها.

الملفِت للنّظر، أن الهيئات الرقابية كانت موجودة في زمن استشرت فيه الظّاهرة، إذ عرفت الجزائر موجة الفساد في عديد القِطاعات، وهو ما تعكِف المحاكم اليوم على تفكِيكه لارتباطه بالوظائف العليا في البلاد، وبشخصيات نافذة في هرم الدولة فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

وهنا وجب الإشارة إلى أن " استحداث منصب مفتش العام لمصالح الدولة والجماعات المحلية"، وهو ملحق مباشرة برئاسة الجمهورية، كملحق لمراقبة عمل مؤسّسات الدولة خطوة مهمة في متابعة مختلف مجموعات الأعمال المرتبطة بمفاصل الدولة.

وبالرغم من الخطوات لإنشاء مؤسسات رقابية في الجزائر، يطالب البعض ضرورة مراجعة مسألة "استقلالية القضاء" أو "استقلالية العدالة"، في مقابل عدد الهيئات التي سنّها المشرّع من أجل محاربة الفساد، إذ لا يمكن أن تعمل هذه الهيئات عملها ضمن منظومة قضائية غير مستقلة ماليا ووظيفيا عن السّلطة.

تخفيف آثار الفساد

قال الناشط الحقوقي المحامي عبد الكريم بوطارن أن الهيئات المستحدثة يمكنها أن تؤدي مهمتها في الحفاظ على المال العام، في ظلّ منحها صلاحيات موسّعة لتمكينها من آداء الدور الفعلي والميداني.

ولفت في إفادته لـ"الترا جزائر" أن دعم فكرة استقلالية القضاء هي أكبر ضامن لتحقيق الحماية الحقيقية والفعلية للمال العام في الجزائر. 

واعتبر أن الفساد أهم الظواهر الخطيرة التي نخرت الاقتصاد الجزائري وأنهكت الخزينة العمومية، مشيرا إلى أن الدول التي تتضرّر من الفساد بكل أوجهه هي الدول الريعية، وذلك لتوفّر الربح السريع وغياب نظم الرقابة والمساءلة، ما جعلها حسبه تحصل على رتبة متدنية في المؤشرات التي تصدرها المنظمات الدولية الخاصة بالفساد والحكم الراشد.

لعلّ استحداث "هيئة جديدة للتحرّي في مظاهر الثّراء، عند الموظّفين العموميين، بلا استثناء من خِلال إجراءات قانونية صارمة لمحاربة الفساد، عملا بمبدأ، من أين لك هذا"، سيسمح المجال أمام الشفافية وتخفيف الآثار السلبية للظاهرة والوقاية منها في قادم السنوات.

يرى حقوقيون بأن الفساد هو عملية حسابية تتمثّل في جمع درجة عليا من احتكار القرارات مع حرية التصرف في المال العام

يمكن الإشارة إلى أن الفساد يلخّص جملة من التعاملات اليومية في مختلف القطاعات، أهمّها استعمال السلطة العامة أو الوظيفة للكسب الخاص، فضًاا عن إغفال أفعال من ورائها الحصول غير المشروع على منافع، إلا أن علاقته بالمساءلة علاقة عكسية، وعلاقته باحتكار القرار علاقة طردية أي كلّما زاد الفساد زاد احتكار القرار، ولذلك يرى حقوقيون بأن الفساد هو عملية حسابية تتمثّل في جمع درجة عليا من احتكار القرارات مع حرية التصرف في المال العام، مع التخليّ عن المسؤولية واستبعاد المساءلة عن كل ذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

محاكمة سلال وأويحيى.. أجواء مشحونة وتهرّب من أسئلة القاضي

محاكمة رجال الأعمال.. "صراع اللوبيات" على طاولة القضاء