05-مايو-2023
طب

(الصورة: Getty)

عرفت الجزائر في الآونة الأخيرة ندرة المادة المخدرة الخاصة بجراحة الأسنان، واختفائها حتى من المستشفيات العمومية، وهذا ما أثار ضجة كبيرة وسط أطباء الأسنان والمرضى، ودفع وزارة الصناعة الصيدلانية للتدخل والإعلان عن تدابير لعدم تكرار هذه الأزمة.

طبيبة الأسنان بورزامي: استعمال مادة التخدير في عمليات التجميل وغلق استيرادها أبرز أسباب ندرتها في المستشفيات

ويُعدّ المخدر مادة ضرورية جدًا لضمان السير الحسن لعيادات طب الأسنان وبدونها سيضطر أطباء الأسنان حتمًا لغلق عياداتهم، ولم تقتصر الندرة على العيادات الخاصة فقط، ففي المصحات العمومية أيضًا لُوحِظ تقلص لنشاط أطباء الأسنان بسبب عدم تزود المستشفيات بالمخدر، وهي ندرة لا تقتصر على مناطق معينة بل تشمل كل ولايات الوطن.

وانعكس هذا الوضع بشكل واضح على  تكاليف علاج الأسنان التي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق، فمجرد قلع السن أو الضرس أصبح يكلف مبالغ ما بين 3 إلى 4 آلاف دينار في بعض العيادات التي عللت ذلك بارتفاع مصاريف المخدر الذي أصبح يقتني من السوق السوداء، حيث يتم جلبه من قبل بعض السماسرة من تونس ومن دول أوروبية وإعادة بيعه بأثمان مبالغ فيها استغلالا لحالة الندرة، وفق ما رواه أطباء أسنان لـ"الترا جزائر".

استعمال عشوائي

وقالت الدكتورة صبرينة بورزامي، طبيبة أسنان في ولاية سطيف، في تصريح لـ"الترا جزائر"، إن "نقص المادة المخدرة يعود إلى أشهر نتيجة غلق الاستيراد وعدم توفر البديل المحلي، بالإضافة إلى استعمالها بطريقة عشوائية ومكثفة من طرف مراكز التجميل، مما أدى إلى اختفائها من السوق بطريقة مفاجئة."

ومن نتائج الندرة، تقول الطبيبة، "زيادة أسعار الكمية المتبقية من المادة المخدرة في السوق وبالتالي ارتفاع مفاجئ في أسعار العلاج، مما ينعكس على صحة المريض وعلى قدرته المالية، ويؤثر سلبًا أيضًا على طبيب الأسنان، حيث اضطر الكثيرون الى إغلاق عياداتهم بعد أن أصبحت فارغة، لأن جميع علاجات الأسنان تتم بعد التخدير."

هذا الواقع دفع المجلس الوطني لأخلاقيات طب الأسنان لدق ناقوس الخطر، ورفع انشغاله بعد محاولات كثيرة مع الوزارة إلى رئيس الجمهورية للمطالبة بتوفير مادة التخدير الخاص بجراحة الأسنان في أسرع وقت.

وأبرز المجلس في مراسلته أن هذا "الدواء يعدد ضروريًا لإجراء العمليات المستعجلة والروتينية، وغيابه من الساحة الوطنية يؤثر سلبًا على الصحة العمومية، ويؤدي إلى توقف العيادات، وإلحاق الضرر بأفراد المجتمع على المستوى القريب".

وأشار المجلس إلى أن "استمرار هذا الوضع سيكون سببًا في تفاقم أمراض خطيرة على المدى البعيد فضلًا عن انعكاساته على مهنة طب الأسنان، حيث سيتسبب في إدخال الكثيرين دائرة البطالة نتيجة غلق عياداتهم أو توقيفها مؤقتا مع الاستمرار في تسديد الضريبة وإيجار العيادة."

القضية تصل للبرلمان

ولم يتوقف الأمر هنا، فقد وصلت القضية للبرلمان، حيث توجهت النائبة فريدة غمرة، عضو المجلس الشعبي الوطني عن ولاية سطيف شرق البلاد، بسؤال إلى الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، نبهت فيها للارتفاع الجنوني في أسعار مادة التخدير ثم ندرتها في السوق منذ حوالي 6 أشهر.

وأبرزت أن منع استيراد مادة التخدير الخاصة بجراحة الأسنان دون وجود إنتاج محلي أثر سلبًا على عمل العيادات وانعكس ذلك على صحة المرضى، خاصة أن هذه المادة الضرورية لعلاج الأسنان. وذكرت أن معالجة هذا المشكل هو من الأمور التي يجب أن يعجل بها حفاظا على صحة المواطنين وضمان السير الحسن للعمل عيادات الأسنان التي دخلت في شبح البطالة. 

النائب باشاغا: أزمة المخدر حدثت بسبب سوء تقدير وتماطل إداري من جهة وأخطاء من الموردين من جهة ثانية

وفي حديث مع "الترا جزائر"، قال النائب عبد السلام باشاغا، عضو لجنة الصحة في المجلس الشعبي الوطني، إن "الشكاوى تهاطلت من أطباء الأسنان من كل جهات الوطن خاصة من الذين أغلقوا عيادتهم خاصة بسبب عدم توفر المخدر"، مشيرا إلى أن "النواب قاموا برفع الانشغال للوزارة التي أجابت بأن هناك خللًا في دفتر الشروط وأن الأزمة ستنفرج قريبًا."

وفي تقدير النائب فإن الأزمة حدثت بسبب سوء تقدير وتماطل إداري من جهة وأخطاء من الموردين من جهة ثانية، خاصة وأن النسبة الساحقة من تسويق هذه المادة يحتكرها شخص واحد أو شخصين، وهذا أمر غير مقبول، حسبه، في بلد قارة كالجزائر فيه أكثر من 40 مليون نسمة، بالإضافة إلى تقلبات السوق الدولية والأطماع التجارية للمخابر التي فاقمت الأزمة.

ويعتقد باشاغا أنه كان يجب على الوزارة الوصية استشراف مثل هذه الأزمات مسبقاً وعدم الارتهان لمثل هذه المشاكل خاصة لما يتعلق بمواد إستراتيجية وضرورية كهذه لا بد من استحداث خزان استراتيجي دائم لها، وهو ما يمكن، حسبه، من حماية الأطباء والمرضى من تقلبات الأسعار في السوق الدولية خاصة أن الحديث اليوم عن وصول سعر عُلبة المخدر إلى 30 دولار بعدما كانت في حدود 9 فقط، وهو ما سينتج عنه حتمًا ارتفاع خدمات أطباء الأسنان وإرهاق إضافي لجيب المواطن.

أخيرًا.. الوزارة تتدخل

وأتى هذا الضغط بنتيجة أخيرًا، حيث أكدت وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني في بيان أخير لها أنها اتخذت كافة الإجراءات اللازمة للحد من تذبذب في التزويد بمواد التخدير الخاصة بجراحة الأسنان، حيث تم تسطير برنامج لاستيراد ما يعادل 250.000 علبة، تحتوي كل واحدة منها على 50 جرعة، تكفي لاستجابة معدلات الاستهلاك الوطنية لهذه المواد وسيتم استلام 100.000 وحدة منها خلال الأسبوع المقبل. 

وفي تفسيراتها لتذبذب عملية الاستيراد، قالت مصالح وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني إن هناك عوامل خارجية، تخص توقف تزويد السوق الوطنية بهذه المادة من طرف أكبر الموردين لهذا النوع، ومطالبة مورد آخر برفع الأسعار إلى ما يفوق ثلاثة أضعاف معدّلات السعر العادية. وقد نجحت الوزارة، وفق ما ذكرته في بيانها في التحكم في الأسعار المقترحة من طرف المورد الثاني، وهذا تفاديا لانعكاسات ارتفاع الأسعار على جراحي الأسنان والمرضى على مستوى العيادات.

ويبدو الحل الأكثر ضمانًا مستقبلًا، التوجه نحو التصنيع المحلي لمخدر الأسنان. وفي هذا السياق، كشفت وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني عن اعتماد ثلاث مشاريع في وسط وشرق وغرب البلاد ستنطلق بمراحل التوضيب الثانوي خلال الأشهر المقبلة مع شرط المرور التدريجي للإنتاج بنمط كامل مستقبلا.