03-مارس-2024
ثلوج الأوراس

(تركيب: الترا جزائر)

تتربع منطقتا كوندورسي الواقعة ببلدية الشعبة دائرة باتنة، وجبال شليا المشتركة بين ولايتي خنشلة وباتنة، شرق الجزائر، على اهتمام العائلات خلال التساقط العادي للثلوج.

جمعيات سياحية وبيئية تطالب بالتفاتة جادة إلى هذه المرتفعات لتوفير مرافق خدمية لزوارها وبالأخص عشاق "الأبيض"

وتحوّلت المنطقة، بعد  حالة الهطول الكثيف للثلوج ليلتي الأربعاء والخميس الفارطين، إلى "محشرة" كبيرة تجمع بين المتعة والمعاناة، وقف على تفاصيلها "الترا جزائر".

5 كلم من السيارات

شهدت منطقة حملة (كوندورسي سابقا) التابعة لبلدية وادي الشعبة، دائرة باتنة، طوابيرًا من السيارات القادمة من مختلف بلديات الولاية وحتى ولايات مجاورة على غرار ولاية بسكرة، التي دأب مواطنوها على التردد على المكان الساحر بطبيعته الخلابة الواقعة وسط غابات الأرز الأطلسي وعند سفوح جبل ثوقر 2094 متر، الواقع في قلب محمية بلزمة ذات الـ 26500 هكتار.

الأوراس

رغم المساحة الهائلة للحظيرة فإن طريقًا جبليًا واحدًا فقط بين القرية والغابات المقصودة، بالنسبة للقادمين من باتنة وبسكرة، ما يجعل الحركة مزدحمة، بخاصة خلال تساقط الثلوج وما تخلفه من لزوجة.

وتفضّل العائلات المساحات الغابية المنبسطة التي تتوسط الطريق الواقع قرب عين الشرشار، فهي معبدة وممتازة لدرجة أنها أصبحت مسارًا مفضلًا لممارسي رياضة الدراجات الهوائية العادية أو الخاصة بالمنحدرات.

 ويبسط السياح الكراسي وطاولات خفيفة يشرعون في إعداد وليمة شواء، حول موقد كانون سواء بالجمر المجلوب أو باستخدام جذوع الأشجار الميتة لأن تقطيع الأشجار الحية ممنوع. وذلك المشهد المألوف شتاءً وربيعًا تحول الجمعة والسبت إلى كابوس كبير، فخلال زيارتنا له مساء الجمعة، رأينا عددًا كبيرًا من السيارات تعود أدراجها لاستحالة المرور جراء التدفق الهائل للزوار في طريق لا تتسع بالكاد لمركبتين.

وحوّل تراكم الثلوج الطريق إلى مسلك واحد فقط، جعل من الخروج عن السكة التي خلفتها السيارات العابرة، قد يتسبب في العلوق وفقدان السيطرة على السيارة. وسيارة متوقفة واحدة يمكنها أن تعبث بالسلسلة المتراصة لمركبات ملأت الطريق على طول 5 كلم.

فرحة الأطفال

والأمر دفع بسليم وزوجته وأطفاله إلى ركن السيارة على مبعدة، والتوغل راجلين حاملين معهم كراس تخييم. موضحا لـ "الترا جزائر" أنّه "فضلنا أن نقضي اليوم في كوندورسي لكن مرت ساعتان في الفراغ، لذا هذا هو الحل سنمكث ساعة فقط، للاستمتاع ولالتقاط الصور خاصة للأطفال، من أجلهم نتحمل هذه المعاناة لكنها ممتعة، كما انها فرصة لنمارس المشي وسط هذا الديكور الأبيض الخلاب".

في العمق مهرجان فرح كبير، عائلات ونساء وأطفال وحتى شبان وشابات جاؤوا لتسجيل صور مستعملين دراجة نارية،الراجح أنها ستذهب مباشرة لـ"تيك توك" و"إنستغرام"، وفيما يستمتع الأطفال والنساء غير عابئين سوى بلحظتهم الممتعة تلك، فإن الرجال مطالبون للالتهاء بسياراتهم فمن حين لآخر يدوي زمور سيارة منبهًا، فيهرع آخرون لسحب سياراتهم قليلًا حتى تتسنى لهم العودة للخلف، ذلك أن العبور باتجاه "أم الرخا" من سابع المستحيلات فالثلج كثيف ومتجمد والطريق صعبة إلاّ على أصحاب السيارات رباعية الدفع.
 

باتنة

ومما زاد الطين بلة، ونظرًا للضرورة القصوى التي تنم على عدم التفريط في اللحظة، فقد ركن بعضهم سياراتهم في "الوضعية الثانية"، وطبعًا يخلف هذا إزعاجًا كبيرًا للراغبين في التقدم أو الرجوع، حتى أن رجلًا قال لنا ضاحكا "عوض التلذذ بالشواء مع العائلة، ها أنا ذا أفكر في الخروج من المطب. ركنها صاحبها كيفما اتفق وذهب. ولست أدري كيف لي أن أعثر عليه وسط المئات من المنتشرين في الغابات. لكن لا بأس المهم فرحة الزوجة والأولاد".

فرمان بلدي 

إزاء هذه الوضعية، فضل كثيرون الولوج عبر طريق تاغيت الرابطة بين الشعبة وكوندورسي، وهي طريق خلابة رغم أنها أطول، هكذا فضل مواطن جاء من بسكرة رفقة زوجته وأطفاله أن يسلكها، لاغتنام فرصة وتحقق له ذلك في هضبة بيضاء منزوية.

أما مواطنه الذي أكمل الطريق برغبة بلوغ كوندورسي فقد توقفت رحلته في المنتصف، فالسيارة علقت في الثلج ما اضطرنا للنزول و دفعها بصعوبة، مع نصائح بعدم المغامرة، لأن الثلوج كثيفة في الأعلى، إذا كان يرغب في عدم قضاء الليلة في عمق الغابة الخالية من الاتصالات والمليئة بالذئاب الأفريقية الفضية.

باتنة

العائلات المحظوظة هي التي بكرت منذ الصبيحة، أما تلك التي قصدت المكان بعد الظهيرة فأصيبت بالإحباط التام فعادت في الأدراج. ودفعت حالة الطوارئ هذه رئيس بلدية وادي الشعبة عبد الكريم بوحماتو، إلى توجيه بلاغ رسمي للمواطنين قال فيه: "ندعو كافة مستعملي طريق كوندورسي أم الرخاء إلى تجنبه، نظرا لتوافد الكبير للعائلات من أجل التنزه وقضاء عطلة نهاية الأسبوع."

رئيس بلدية وادي الشعبة: التوافد الكبير على مرتفعات المنطقة عجّل بغلق طريق جبل كوندورسي

وأكّد المسؤول المحلي بأنّ هذا الأمر "أدى إلى غلقه، حيث أصبحت حركة المرور صعبة جدا وبطيئة". واستدعى الأمر وفقا له "الاستعانة بفرق الدرك الوطني والحماية المدنية التي هبت إلى عين المكان من أجل تسيير حركة المرور وفك الاختناق وضمان سلامتهم نظرا لصعوبة الطريق".

يوم الحشر العظيم

شيليا واحدة من أهم مقاصد السياحية في الجزائر، وهي إقليم غابي مشترك بين ولاية خنشلة التي تتبع لها ثاني أعلى قمة جبلية "رأس لالة كلثوم"، المرتفعة بطول 2328 متر، ببلدية شيليا دائرة بوحمامة، فيما يتبع  جزء منها ولاية باتنة عبر بلدية إينوغيسن دائرة إشمول، ولذا فإنها في ممر ولايتين كبيرتين تجلبان لها عديد الزوار بالإضافة إلى سياح من ولايات قسنطينة وسكيكدة وبسكرة، و الذين يقصدونها في رحلات حرة، أو ضمن جمعيات تخييم وجوالة لممارسة تسلق قمة لالة كلثوم عبر ديكور خرافي ومناظر بانورامية للثلوج التي تكسو شجر الأرز النبيل.

وعرفت شيليا خلال عطلة الأسبوع اقبالًا منقطع النظير ميزته طوابير كيلومترية من السيارات سواء القادمة من باتنة عبر إينوغيسن أو من جهة بوحمامة، ما تسبب في توقف تام لحركة المرور، وأجبر الكثيرين على العودة بحثا عن مناطق بديلة في تزوكت أو إشمول.

باتنة

أما المدخل الرئيس عبر البوابة المخصصة للزوار فقد تحول إلى محشر سيارات من عدة ولايات باتنة وخنشلة وبسكرة وسطيف وعنابة وسكيكدة والوادي، وأيضا لحافلات دأبت على تنظيم رحلات موسمية للمنطقة خلال العطلة الأسبوعية، بل امتدت السلسلة حتى مداخل الغابات الرئيسية، حيث تفضل العائلات الاصطلاء في المساحات المفتوحة حول كانون نار للطهي، أو الاقتعاد في كراسي لتناول وجبات محمولة، وإعداد إبريق قهوة، أما هواة التسلق، رجالًا ونساء، فيضعون رهانًا واحدًا هو بلوغ القمة التي تتطلب سيرًا يتراوح بين ساعتين إلى ثلاثة ساعات ذهابًا، مع  التوقف الخفيف بين الفينة و الأخرى لتناول حبات التمر و الزبيب الموفرة لطاقة تساعد على تحمل المشقة و شرب الماء، فيما تكون العودة أقل مشقة، واختصارًا للوقت يتم الهبوط عبر المنحدرات، بغرض اشعال موقد للتدفئة و إعداد الطعام والرجوع قبل غروب الشمس.

سياحة بلا مرافق كافية

على الرغم من الأقبال منقطع النظير الذي يشهده القطبان المتميزان في السياحة الجبلية بالأوراس عموما، فإنهما تشتركان فيما بين انعدام المرافق الضرورية بالنسبة لكوندورسي، وعدم كفايتها بالنسبة لشيليا.

 وقررت السلطات المحلية قبل عقود طويلة أنشاء مرافق راحة وإطعام ومبيت، غير أن المشروع لا يزال عبارة عن أطلال تم هجرها منذ العشرية الحمراء، كما أقام أحد الخواص منتجعًا جبليًا مزودًا بعتاد خفيف لألعاب الأطفال ومختصا في المشاوى على الجمر قبل سنوات، إلا أنه توقف لعائق رخصة الاستغلال.

وتحوز شيليا حظًا أوفر من كوندورسي حيث تشتغل بها مؤسسة شاليهات شيليا التابعة لقطاع الهندسة الريفية، وهي بناية أنشئت قبل عقود، بمراقد زهيدة الثمن لا تتعدى سعر 500 دج لليلة، وغرفتين بسعر 2500 لليلة الواحدة، ومن عدة شاليهات خشبية، بسعر 3000 دج للشالي بغرفتين، و4000 دج للشالي بثلاث غرف.

وبها مطعم يوفر وجبات معقولة الأسعار بين 200 دج و300 دج للطبق، ومقهى وصالة جلوس فسيحة ومسبح في الهواء الطلق، وحظيرة سيارات، لكن هذا المرفق يبدو غير كاف لمواجهة الزحف السياحي المتزايد على المنطقة، التي ذاع صيتها وطنيا بفعل وسائل التواصل الاجتماعي.

باتنة

وفي هذا الصدد يقول الصادق قبوج، الناشط الجمعوي، وعضو الجمعية البيئية "تازنزنا"، ببلدية لمصارة دائرة بوحمامة، ولاية خنشلة، لـ"لترا جزائر" إن "المنطقة تعرف انفجارًا في عدد السياح القادمين من مختلف الولايات الجزائرية، لذا من الضروري إنجاز مرافق إيواء ملائمة للبيئة، منجزة بالخشب ومندمجة في الغابة."

الناشط الجمعوي الصادق قبوج لـ"الترا جزائر": ينبغي تعيين أعوان وقاية وإرشاد تفاديًا لحالات التيهان ومخاطر أخرى تنجم عن التخييم في أعلى قمم الأوراس

وتابع: "الأمر يتطلب تعبيد المسلك المؤدي للقمة ولو بالتراب الحجري تسهيلًا لحركة التنقل، إذ أن الطريق الحالية متحجرة ومتدهورة وتساهم في تكدس الطوابير عند مدخل البوابة الرئيسي لعدم قدرة السائقين العبور بها إلى الوجهة العلوية حيث القمة".

ولفت الناشط الجمعوي قبوج إلى أنه "ينبغي تعيين أعوان وقاية وإرشاد، حيث أنقذنا قبل أسابيع مجموعة شبان من ورقلة فضلوا التخييم في أعلى القمة دون مراعاة شروط السلامة، وقد كادوا يهلكون من البرد إذ لم تكن لهم دراية تامة بالمخاطر الناجمة عن المبيت في خيام لا تتوفر على خصائص مقاومة الدرجات تحت الصفرية".