11-فبراير-2020

أمام مبنى جامعة عبد الرحمان ميرة بولاية بجاية (الصورة: ويكيبيديا)

يعود النقاش حول فاعلية النظام التعليمي الجديد (ليسانس - ماستر -دكتوراه)، وتقييمه في كل مرّة، بعد عقدين منذ بداية تطبيقه. هو نقاش غالبًا ما يثير الجدل بين الطلبة الجامعيين، خصوصًا في الفترات التي تُفتح فيها مسابقات توظيف الأساتذة، إذ لفتت مجموعة من الطلبة الحاصلين على شهادات عليا سواءً دكتوراه علوم أو شهادة دكتوراه "أل.أم.دي"، أو شهادة ماجستير في النظام كلاسيكي، إلى أن هناك "إجحافًا في حقّ الآلاف من حملة الشهادات العليا، بالرغم من التسويات القانونية وشروط التوظيف التي تُحاول أن تعْدِل بين الشهادات، وتُعطي كلّ ذي حقّ حقّه"، على حدّ تعبير الأستاذ عبد المجيد طواهري.

محمد الفاتح حمدي: "جعلنا من الطلاب مجرّد آلات لتمرير المحاضرات، وركزنا على عنصر الزّمن في التكوين"

بين الشّهادة والكفاءة

رغم تباين وجهات النظر حول المناهج التعليمية الجامعية، حول النظامين المعتمدين في الجامعة الجزائرية، يبقى الجانب الأهمّ، هو التكوين والمردود الذي تنتجه هذه المؤسّسات، من وجهة نظر الأستاذ طواهري في حديث إلى "الترا جزائر"، وهو الذي قضّى أزيد من 23 سنة في التدريس، تدرّج فيها من رتبة أستاذ بتنظيم الساعات، إلى أستاذ مساعد، إلى أستاذ محاضر صنف (ب)، ولم يناقش بعد أطروحة الدكتوراه بالنظام الكلاسيكي.

خلال دورة توظيف خاصّة بالأستاذة في جامعة الجزائر، احتدم النقاش بين مجموعة من حاملي الشهادات العليا، حول النظام التعليمي في الجامعة، والفرق الواضح بين نوعية الشهادات التي يُحصّلها الطلبة في نهاية التكوين، من حيث القيمة العلمية، لتكون مقترحاتهم حول مسألة أساسية، تتعلّق بما طرحته طالبة الدكتوراه أمينة سعدودي، في حديث إلى "الترا جزائر"، وهي "تكديس الدروس وحشو الأدمغة بالمعلومات في وقت قصير، وهو ما يطرح عدّة تساؤلات، حول كيفية تقييم الكفاءات من عدمها في وقت لاحق؟".

يبقى طموح كثيرين من حملة الشهادات، هو التوظيف وإنهاء سلسلة المسابقات والدوران في حلقة لا نهاية لها، وهو حال الطالب زين الدين عجالي، الذي ترك الجامعة في العام 2001، لظروف اجتماعية خاصّة، ليعود إليها سنة 2007، ويسجّل في السنة الأولى دكتوراه علوم (نظام كلاسيكي).

من جهتها، تصرّ الطالبة ياسمين فنوح، خريجة نظام "أل.أم. دي" (نظام جديد)، ومتحصّلة على شهادة الدكتوراه في علم النفس بجامعة بوزريعة بالجزائر، على حقّها في الحصول على الوظيفة حسب القانون، وكلاهما يطمحان لاجتياز مسابقة التوظيف، ولكن بينهما خط زمنيٌّ فاصل في السنوات والتكوين أيضًا.

في هذا السياق، يحاول الطالب عجالي، تبرير ضرورة توظيف المتحصّلين على شهادات عليا، في حديث إلى "الترا جزائر"، بأن "الشهادة في النظام القديم، كانت محصّلة جهٍد كبيرٍ وبتكوين أقوى".

يمكن لعجالي وأمثاله ممن يحملون شهادة ماجيستير، أن يتقدّموا بملفهم إلى مسابقات التوظيف، بينما لا يسمح لطلبة النظام الجديد "أل.أم.دي" بالتقدم لهذه الوظيفة، إلا لحملة شهادة الدكتوراه.

تقييم شامل

بعيدًا عن التوظيف، الذي أصبح همّ الآلاف من حملة الشهادات العليا، وعن مبدأ الأفضلية لأيّة شهادة، يقترح الأستاذ طواهري، فتح مناقشة ملف النظام التعليمي في الجامعات الجزائرية بشكل جدّي، لبحث "مدى انسجامه مع مخرجات في سوق الشّغل"، لافتًا إلى أننا "نشهد اليوم ضياع آلاف الطلبة في تكوين لا يلبّي أهداف تطبيق هذا النظام".

في هذا السياق، يعترف الباحث في علوم التربية الأستاذ هشام نواصرية، أن اختيار وزارة التعليم العالي الجزائرية لنظام "الألمدي"، منذ سنّة 2004، كان بديلًا عن النظام الكلاسيكي، من أجل إيجاد حلول كان يعرفها النظام القديم، من بينها البقاء مطولًا في الجامعة، وصعوبة التقييم وكفاءة التأطير، ومواجهة حالات الرسوب.

يوضّح المتحدّث، في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن "النظام الجديد، يهدف -حسب وثائق الوزارة وقتذاك – إلى توفير تكوين نوعيِّ ليتزامن مع التطور الحاصل في عالم الشغل، فضلًا عن المساهمة في تنمية البلاد، مشيرًا هنا، إلى أن وثيقة اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية، المتعلقة بشقّها الجامعي، أبانت عن اختلالات كبرى خلال تنفيذها.

أسباب الاختلالات عديدة، بحسب الأستاذ طواهرية، أهمها: عدم استجابة الجامعات كمنظومة تعليمية وتكوينية، لأجندة التحدّيات التي تفرضها سرعة التقدمّ على مستوى قطاعات العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والإعلام والاتصال، مشدّدًا على أن الخلل الكبير، يكمن في"مخرجات الجامعة والواقع المعيشي، على مستوى قطاعات التنمية في عصر يتميّز بسرعة التدفّق الإلكتروني والتكنولوجيا عالية الجودة"، على حدّ تعبيره.

اللافت، أن التطوّر الحاصل في شتّى العلوم، هو ما فرض وجود هذا النظام التعليمي الذي لا يتواكب مؤسسات الدولة الجزائرية، واحتياجات المجتمع، مشيرًا إلى هيكلة هذا النظام المبني على ليسانس ثلاث سنوات، منها ليسانس مهنية تحضّر الطالب للخروج إلى سوق العمل مباشرة، وليسانس أكاديمية تؤهّله لمتابعة الدراسة تحضيرًا لشهادة الماستر، ثم الماستر التي تحضّر في ظرف سنتين، وهي أيضًا متفرّعة إلى مهنية وأكاديمية؛ وتؤهّل الأخيرة الحاصلين عليها، إلى التحضير لنيل شهادة الدكتوراه، التي تحضّر في ظرف ثلاث سنوات هي الأخرى.

النظام الجديد بعيون الطلبة، فيه عدّة إيجابيات، إذ يُتيح التسجيل المباشر ويكون جحم ساعات التكوين أقلّ من النظام الكلاسيكي، إضافة إلى مرونة تقييم الطلبة، وهو ما يرفع من عدد الناجحين، وبإمكان الطلبة الارتباط مباشرة مع محيطهم الاقتصادي والاجتماعي، لكن من سلبياته انخفاض ساعات التأطير، وافتقار بعض الجامعات لمراكز البحوث والكتب العلمية المواكبة للتطور الذي يشهده التعليم، فضلًا عن افتقار الجامعات لفضاءات الإعلام الآلي، والإنترنيت وانعدام عقود التعاون للخرجات العلمية والتربصات الميدانية، فضلًا عن تصنيف الشهادات التي يجد أصحابها إشكاليات كبرى لدى الوظيف العمومي.

من خلال هذه الملاحظات حول النظام، اعترف بعض الأساتذة الممارسين أنه "يتسم بالمرونة، ومتفتح على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، غير أنه يستوجب توفير المناخ والظروف الملائمة لنجاحه".

برنامج مكثّف

على الأرض، اعترف الأستاذ في علوم الإعلام والاتصال محمد الفاتح حمدي، أن بداية تنفيذ النظام كانت "فاشلة من كل الجوانب"، ومردّ ذلك بحسبه، من ناحية الجانب البيداغوجي وتكوين الطلبة، حيث تم تقليص سنوات الدراسة، وهو ما يُمكن أن نصف التكوين بالأعرج، إذ "جعلنا من الطالب آلة لتمرير المحاضرات خلال السنوات الثلاث، وركزنا على عنصر الزّمن في التكوين".

وبرأي الأستاذ حمدي، فإن "سنة واحدة تكوين في الجذع المشترك، غير كافية للتحصيل العلمي للطالب، ومقارنة مع النظام الكلاسيكي، التي تعتمد سنتين في الجذع المشترك، كانت ملائمة لأن يكون للطالب تكوينًا قاعديًا في المبادئ والنظريات في أي تخصّص".

يوضح المتحدّث، أن النظام الجديد ليس مفهومًا لدى الأستاذة ولا لدى الطالب، الذي "يجد نفسه في متاهة"، لهذا "وجدنا صعوبة في تطبيقه، من حيث ساعات التدريس المخصّصة للمحاضرات وساعات التطبيقات".

وعلاوة على ذلك، يشرح الأكاديمي قائلًا، إن هناك "إجحافًا في حقّ الطلاب، وكأن البرنامج عبارة عن دمج لسنوات التكوين الأكاديمي مع بعضها البعض، أما الأستاذ فهو محروم من تقديم الجيد للطلبة، إذ يجد نفسه أمام مواد سداسية تتطلّب سنة وليس ستة أشهر، مثل المنهجية وفنيّات التحرير، وهو دمجٌ زمني ليس في صالح الطالب وليس في صالح الأستاذ المُطالب بإنهاء الدروس في وقت قياسي، إضافة إلى جهله بطريقة العمل وأدوات التقييم، وتقديم المحاضرة".

من الضرورة العودة للنظام الكلاسيكي، يقول الأستاذ حمدي. مردفًا أن النظام الحالي، أفرغ الشهادات من محتواها، وأصبح الطالب "يلهث وراء العلامات وليس التحصيل العلمي"، يُضاف إلى كلّ هذا، مخرجات النظام التعليمي، كرسائل التخرّج التي تفتقر لأبجديات المنهجية، وضرورة إنجازها في فترة ثلاثة أشهر، على حدّ تعبيره.

يبقى طموح كثيرين من حملة الشهادات، هو التوظيف وإنهاء سلسلة المسابقات والدوران في حلقة لا نهاية لها

أخفّ الضّررين

يمكن للجزائر أن تعيد النظر في تأهيل النظام الجديد، ووضع آليات تنفيذ أقوى تكون مدروسة من خبراء، ووضع رؤية وتقييم النتائج والأهداف التي سطرتها الحكومة في العام 2004، أو تعود إلى النظام الكلاسيكي بأقلّ الخسائر وليس بطريقة عشوائية، إذ اقترح العديد من الأساتذة منح وقت كبيرٍ للعودة، بعد ضمان تخرج دفعات الطلبة الحالية، وفق استراتيجية ومخطّطات تعتمد على مقترحات الخبراء، ووضع أفق للجامعة الجزائرية، وبهذا يكون المخرج على أساس قواعد منهجية، بشعار "نخسر الموارد المالية ولا نخسر البشر".