ما يزال الجزائريون يتفاعلون على مواقع التواصل الاجتماعي مع ما يحدث في غزّة وفلسطين، مؤكدين دعمهم اللامشروط لقضية العرب والمسلمين الأولى، مع شعور بالافتخار لمساهمة أبناء شعبهم بالدم قبل المال في سبيل تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وذلك بعدما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة ارتقاء جزائريين شهداءً في فلسطين، مؤكدين بذلك السيْرَ على خطى أسلافهم الذين شاركوا منذ سنوات ضمن المقاومة ببلاد أولى القبلتين.
أستاذ التاريخ المعاصر الزبير بن بردي لـ"الترا جزائر": مشاركة الجزائريين ضمن صفوف المقاومة الفلسطينية المسلّحة ضدّ الاحتلال الصهيوني ليست وليدة اليوم
ورغم بُعدِ المسافة بين الجزائر وفلسطين، إلّا أنّ الدعم لقضية المسلمين والعرب الأولى من قبل البلد المغاربي ظلّ مبدأ التزم الجزائريون بتنفيذه سواء بالمال أو الدم أو الكلمة الداعمة.
شهداء جُدُد
في الأيام الأخيرة، نقلت وسائل التواصل الاجتماعي أنباءً عن ارتقاء جزائريين شهداء في عملية "طوفان الأقصى" التي تنفذها المقاومة الفلسطينية ضدّ الاحتلال الصهيوني، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
وتحدثت هذه الأنباء عن استشهاد، مهدي البرقوني، البالغ من العمر 20 سنة القاطن ببلدية الحرّاش (وهي ضاحية تقع شرق العاصمة الجزائرية)، حيث تم تداول صور له على مواقع التواصل الاجتماعي.
والشهيد الثاني هو محمد زيد البيوك، الذي أكدت عائلته لأحد المواقع الإلكترونية الجزائرية، خبر استشهاده في عملية "طوفان الأقصى"، حيث تقطن أسرته التي أظهرت رضاها بقضاء الله وقدره بولاية بسكرة جنوبي الجزائر.
وحسب ما تم تداوله في مواقع التواصل، فإنّ بسكرة قد نالت فضل ارتقاء شهيد آخر من أبنائها ضمن "طوفان الأقصى"، ويتعلق الأمر بالعشريني مؤمن هاني دبابش، فيما تحدثت صفحات عن شهيد رابع، لكن دون الكشف عن هويته.
وقال أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الوادي الزبير بن بردي لـ"الترا جزائر" إنّ "مشاركة الجزائريين ضمن المقاومة الفلسطينية ينبع من هويتهم الدينية الإسلامية، وكذا من التاريخ المشترك، حيث تجرّع الجزائريون مرارة وآلام وظلم الاحتلال العسكري والاستيطاني الفرنسي مُدّة 132 سنة، وهو الواقع نفسه الذي عاشه ويعيشه إخواننا الفلسطينيّون تحت وطأة الاحتلال العسكري الاستيطاني الصّهيوني منذ إعلان وعد بلفور في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917 إلى يومنا هذا".
مشاركة متواصلة
وبيَّن أستاذ التاريخ أن "مشاركة الجزائريين ضمن صفوف المقاومة الفلسطينية المسلّحة ضدّ الاحتلال الصهيوني ليست وليدة اليوم، بل مُنذ عدّة عقود، قبل وبعد الاستقلال، فخلال الثورة الفلسطينية الكبرى بين سنتي 1936-1939، شارك المهاجرون الجزائريون المقيمون بفلسطين في أحداثها ومعاركها، ومنهم الحاج وحش أرغيس، الذي تعودُ أصوله لمدينة أم البواقي، وقد كان قائدًا لفصيل مدينة حيفا في هذه الثورة".
وذكّر الزبير بن بردي أنه "بعد إعلان الصّهاينة قيام كيانهم بأرض فلسطين في 14 أيار/ماي 1948، هبّ الجزائريون المهاجرون بفلسطين، أو الذين قدِموا متطوّعين من الجزائر وقد بلغ عددهم قُرابة 260 شخصًا، إلى المشاركة في الجهاد ضمن الصفوف الأولى للجيوش العربية في الحرب الأولى ضدّ الصّهاينة (حرب النّكبة)، رغم أنّ الجزائر كانت آنذاك تحت الاحتلال الفرنسي، الأمر الذي يُؤكّد المكانة الكبيرة التي تحتلّها قضية فلسطين في قلوب الجزائريين. وقد استشهد في هذه الحرب عدد من هؤلاء المجاهدين."
وتابع بن بردي قائلا: "إضافة إلى مشاركة الجزائريين بعد الاستقلال أيضًا في الحرب العربية الصهيونية الثانية سنة 1967 (حرب النّكسة)، والثالثة سنة 1973 (حرب رمضان)، كمتطوّعين، أو ضمن صفوف كتيبة الجيش الوطني الشعبي، أثناء عهد الرئيس الرّاحل هواري بومدين".
واستمرت مشاركة الجزائريين في النضال الفلسطيني، وبالخصوص من خلال المصاهرة التي تحدُث بين أفراد الشعبين، وبقاء عائلات تعيش في فلسطين حتى الآن منذ قدوم أهلها إلى الأراضي المقدسة في بدايات القرن الماضي، وهو ما جعل عائلة "الدراجي" الجزائرية المقيمة برفح تفقد شهيدين من العائلة عام 2014، تمثلا في طفل وجدته، فيما تعرّض باقي أفراد العائلة إلى إصابات بعد تعرض منزلهم إلى قذيفة صاروخية صهيونية.
مع القسّام
وتظهر مشاركة الجزائريين في النضال الفلسطيني بشكل لافت في ثورة عز الدين القسّام عام 1936 ضدّ الانتداب البريطاني والصهاينة، وفق ما يُشِير الكاتب الصحفي المهتم بتاريخ فوزي سعد الله في مقال نشر في صحيفة "البصائر" لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ويذكر سعد الله أنه إضافة إلى مشاركة القادمين من الجزائر مشيًا على الأقدام، انضم نحو 700 جزائري من المقيمين في سوريا من الذين استقروا في الأراضي السورية منذ أربعينيات القرن 19م إثر انهيار المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر.
ويلفت سعد الله إلى أنه استنادًا للروايات التاريخية الموجودة، فإن هؤلاء "قد استشهدوا جميعهم في تلك الثورة برصاص الهَاغَانَاه وقوات الاحتلال البريطاني"، وذلك بعدما "نجحوا في إزالة العشرات من المستوطنات اليهودية، ولو مؤقتًا، واستطاعوا أن يكونوا وراء سقوط مئات القتلى في صفوف الصهاينة وحلفائهم".
الصحفي فوزي سعد الله: الجزائريون شاركوا في النضال الفلسطيني بشكل لافت في ثورة عز الدين القسّام عام 1936
وشارك الجزائريون خلال ثورة عز الدين القسام في 3 فصائل، وانتشروا في 3 مناطق داخل فلسطين التاريخية وهي: صفد وطبرية وحيفا، حيث قاد المنطقة الأولى محمود سليم الصالح، المدعو "أبو عاطف”، ابن قرية العموقة القريبة من صفد، وهو ينحدر من عرش بلْوَارث في بلدة دَلَّس بولاية بومرداس المحاذية للعاصمة الجزائرية.
وأما فصيل منطقة طبرية، فقادها محمد بن أحمد بن عيسى، المدعو أبو سعيد، وهو من قرية كفر سبت في طبرية، وينحدر من عرش سيدي عيسى في عين بسَّام بولاية البْوِيرة، فيما تولى قيادة منطقة حيفا الحاج وَحْش أرْغِيسْ ابن قرية هُوشَة الحَيْفاوِيَة والمنحدِر مِن منطقة سيدي أَرْغِيسْ في ولاية أم البواقي شرقي الجزائر، وفق ما يذكر فوزي سعد الله.
وبالنظر إلى المساهمة المستمرة للجزائريين في المقاومة الفلسطينية، أقيم في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 ببلدة برقين جنوب غرب مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، نصب تذكاري لشهداء الجزائر بفلسطين.
وقال وقتها عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني إنه إذا كانت قد شاركت الجزائر بشهدائها في دعم فلسطين بين 1936 و1948، فإنها ما تزال على الموقف ذاته الداعم للفلسطينيين في الحاضر، وهو الموقف الذي يؤكد الجزائريون أنهم عليه باقون إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس بحدودها التاريخية المعروفة لكل رافض للاحتلال.