02-يناير-2018

زادت جرعة التطرف في السنة الأخيرة في الجزائر (روني فان باكل/Getty)

ضع أيّ منشور على جدارك في فيسبوك في الجزائر، تعبّر فيه عن رؤيتك الخاصّة للحياة والوجود، ولن تسلم من تعليقات تصادر حقّك في ذلك! من أصدقاء في قائمتك ومن غير الأصدقاء، بأسماء حقيقية وغير حقيقية، بلهجة عادية أحيانًا وبلهجة عنيفة وشاتمة في أحيان كثيرة.

بات سائدًا في الفضاء الجزائري افتراضيًا وواقعيًا اعتبار كل نظرة معبّرة عن نزعة صاحبها إلى الحداثة والتجديد ومعارضة السائد في فهم الدنيا والدين انحرافًا وخروجًا عن الشرع

شخصيًا صبرت على الأمر شهورًا. ثمّ قرّرت أن أجمّد صداقة كلّ معلّق يتجاوز حدود اللّباقة والحوار. فلست ملزمًا أن أصبر على هذا النّوع من التّعاطي غير المبرّر ليقال إنّي منسجم مع كوني حداثيًا وديمقراطيًا وأتقبّل الرّأي المخالف. ذلك أن الرأي المخالف كان مخالفًا لأصول التّربية والعلاقات الإنسانية والحوار قبل أن يكون مخالفًا لي.

التقيت أحد هؤلاء ممّن طاله منّي حذف التّعليق وتجميد العلاقة، فأوغل في لومي وعتابي. فقلت له: "لقد كتبت ما كتبت على جداري الخاص الذي يشبه بيتي في الواقع. وإنّ لدخول بيوت الآخرين أصولًا معروفةً منها الاستئذان وأنت لم تفعل، رغم أنّك لست ضمن قائمتي. ومنها التحيّة وأنت لم تفعل. ومنها احترام حقّي في أن أكتب ما أشاء في حدود احترام القيم الإنسانية المتفق عليها، بينما جرّدتني من ذلك الحقّ ورحت تتهم ضميري الدّيني بالخروج عن الشّرع وكأنّك ممثل الله في الأرض. إنّ ما فعلته يا فتى لا يقتضي الحذف والتجميد فقط بل يجيز لي اللجوء إلى المحكمة بتهمة القذف أيضًا".

اقرأ/ي أيضًا: مطرقة التطرّف تطال تمثال المرأة العارية في الجزائر

لقد بات سائدًا في الفضاء الجزائري افتراضيًا وواقعيًا اعتبار كلّ نظرة معبّرة عن نزعة صاحبها إلى الحداثة والتّجديد ومعارضة السّائد في فهم الدّنيا والدّين انحرافًا عن الدّين وخروجًا عن الشّرع! بحيث يجيز قطاع واسع لأنفسهم أن يُزندقوك أو يُفسّقوك أن يُكفّروك أو يُتفّهوك وكأنّهم أوصياء على الدّين والأخلاق والقيم. وما زاد الطّين بللًا وجود نخبة من المحسوبين على الثقافة والفنّ والتّفكير باتت تمارس شهوة استفزاز الضّمير الدّيني العام، بمنشورات مرتجلة لا تفكير فيها، ممّا راح يربط صورة المثقف في الشّارع الجزائري بالتّهم المذكورة.

هنا علينا أن نشير إلى مفارقة جديرة بالانتباه والدّراسة، هي أنّ جرعة التطرّف زادت في السّنة الأخيرة عندنا، بالموازاة مع بداية ما يمكن اعتباره ميلًا من السّلطة الحاكمة إلى الفضاء السّعودي، باعتباره المنبع الأصل للأفكار المتطرّفة. ولعلّ ما كتبته الإعلامية الجزائرية حدّة حزّام من أكثر ما يُعبّر عن هذه المفارقة. قالت: "في الوقت الذي أصبحت السّعودية تستورد منّا الشاب خالد ليغنّي في مدنها، رحنا نستورد منها عبّاس أبو مطرقة"، في إشارة منها إلى الشّاب السّلفي الذي أقدم على تحطيم تمثال المرأة العارية في مدينة سطيف قبل أسبوعين.

اقرأ/ي أيضًا: في السّطو على دور الله في الجزائر..

المخيف جزائريًا أن سرطان التطرف لم يبق محصورًا في الفئات الشعبية البسيطة تفكيرًا وتعليمًا وثقافةً، بل مسّ قطاعًا واسعًا من الجامعيين والكتاب والمحسوبين على الحقل الثقافي من الجيل الجديد

المفارقة الثّانية الجديرة بالانتباه والدّراسة، لأنّها مخيفة ومؤشّرة على مدى تغلغل سرطان التطرّف في الجسد الجزائري، أنّ الأمر لم يبق محصورًا في الفئات الشّعبية البسيطة تفكيرًا وتعليمًا وثقافةً، بل مسّ قطاعًا واسعًا من الجامعيين والكتّاب والمحسوبين على الحقل الثّقافي من الجيل الجديد.

قبل أيّام أرسل لي أحدهم رواية قال إنه كتبها ويرغب في نشرها. والحقَّ أقول إنّها أعجبتني لغةً ومعمارًا. ثمّ صدمني أنّه سعيد بتحطيم التّمثال لأنّه بحسبه إرث استعماري خادش للحياء وهو يتمنّى أن تُزال كلّ التّماثيل في البلاد! ثمّ قال إنّه لا يقبل أن يتلقّى التهاني بمناسبة العام الميلادي الجديد لأنّه مسلم ولا يعترف بغير التقويم الهجري وعيدي الفطر والأضحى. ولا شكّ في أنه، قياسًا على ما سلف، سيرفض التّعاطي مع مناسبات إنسانية أخرى مثل عيد الحبّ والشّجرة والماء والشّعر والفتاة ومستعملي اليد اليسرى.

يحدث كلّ هذا التّراجع عن قيم الانفتاح والحوار وقبول التعدّد في التّفكير واللّباس في البلاد، في ظلّ سكوت مريب للمؤسّسات الثقافية والعلمية والسّياسية الحكومية! بما يشير إلى أنّ المخابر الرّسمية تستثمر فيه لصالح استمرار النّظام والتحكّم في الأوضاع، من خلال إثارة النّقاشات الفقاعية المزيّفة. إذ هل يُعقل أن يشتعل الشّارع الجزائري جدلًا بسبب أنّ مثقفًا قال إنّه يدعو إلى تجديد الفكر الدّيني، تجديد الفكر الدّيني البشري لا الدّين نفسه، بينما لا يتحرّك فيه لسان أو قلم حين يقول رئيس الحزب الحاكم إنّ هناك إعدادًا جادًّا لترشيح الرّئيس للعهدة الخامسة؟!  

 

اقرأ/ي أيضًا:  

آخرهم الأحمديون.. لماذا تضطهد السلطات الجزائرية الأقليات الدينية؟

صاحبة أعلى معدل في البكالوريا تشترط محرمًا وتثير جدلًا في الجزائر