"خرجتُ للشارع يوم 22 شباط/فبراير مع ولدي. لا أخفي عليكم أن خوفًا شديدًا كان يتملكني، لقد كنت خائفًا من خيبة جديدة ومن انتكاسة أخرى. لقد دأبت على الخروج للشارع ضد النظام لكن أعداد الحاضرين كانت تتناقص كل مرة، ثم حين رأيت ذلك الحشد الكبير أمام البريد المركزي، بكيت كطفل صغير".
في محاضرة له، أكد الحقوقي مصطفى بوشاشي أن نظام بوتفليقة لم تكن لديه أية نية لتسليم السلطة، قبل ضغوط الملايين في الشارع
هكذا وصف الحقوقي الجزائري مصطفى بوشاشي شعوره وهو يرى الجزائريين يتحدّون لأول مرة ضد النظام في أول مسيرة من الحراك الشعبي الذي يصل بعد ساعات لأسبوعه التاسع، وسط تواصل للمطالب الرامية لتغيير النظام كليًا في الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا: الإطاحة بأحد "الباءات الثلاثة".. ما الذي تعنيه استقالة الطيب بلعيز؟
"بوتفليقة استقال وترك لنا حقل ألغام"
في محاضرة نشطها بدار الثقافة بمدينة البويرة، أكد الحقوقي الجزائري مصطفى بوشاشي، أن النظام لم يبد أي نية في تسليم المشعل والتنازل عن الحكم منذ البداية، مستدلًا على ذلك بترشيح الرئيس المستقيل، عبدالعزيز بوتفليقة، للانتخابات الرئاسية وتعيينه لمدير لحملته الانتخابية الذي أقيل واستبدل بآخر، و"كأن الجزائر تعيش وضعًا عاديًا"، يقول بوشاشي.
وواصل بوشاشي تحليله للوضع مع انطلاق الحراك، بأنه بعد تعالي أصوات ملايين الرافضين، واصل النظام مرواغاته سعيًا لضمان تمديد لحكم بوتفليقة من دون انتخابات، محاولين الاستثمار في وعود واهية. وبعد أن وضع الشعب أهل الربط والحلّ أمام الأمر الواقع اختار بوتفليقة أن يستقيل وأن تكون المادة 102 سبيلًا لانتقال للحكم.
وأضاف بوشاشي حول هذه النقطة، قائلًا: "بوتفليقة قام بتفخيخ الحياة السياسية قبل رحيله، كما وضع ألغامًا داخل المؤسسات السيادية، وذلك بتعيين حكومة مرفوضة شعبيًا يومًا قبل استقالته"، مشيرًا إلى أن الرئيس السابق تعوّد على "خياطة الدساتير على مقاساته ووضع رجلًا مقربًا له على رأس مجلس الأمة لمدة تزيد عن 16 عامًا، وعيّن صديقًا على رأس المجلس الدستوري وهما المؤسستان التي سيؤول لهما الحكم بعد استقالته".
الانتخابات الرئاسية القادمة.. "أطرش في الزفّة"
ويسترسل الرئيس السابق للمنظمة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان: "الدستور الحالي وضعه النظام لخدمته فقط، وبذلك لا يمكن أبدًا تنظيم انتخابات رئاسية بنفس الدستور، ونفس الحكومة التي شاركت في عمليات تزوير موّسعة، بل إن الوزير الأول الحالي كان على رأس الوزارة التي تنظم/تزوّر الانتخابات، فكيف يخوّل له الشعب أمر تقرير مصيره في مثل هذه الظروف؟!".
ويضيف بوشاشي قائلًا: "يلوموني بعض زملاء المهنة بالقول أنه لا يجب عليّ وأنا رجل قانون الدعوة لتوقيف العمل بالدستور وعدم احترام بعض المواد"، معلّلًا ذلك بالقول: "المجلس الدستوري قبل ملف ترشح بوتفليقة رغم أن العالم أجمع يعلم أنه مريض جدا ولا يمكنه الترشح لمنصب مماثل، فكيف نقبل الآن بنفس الدستور الذي داسه النظام مرّات ومرّات"
المستقبل القريب
وعن رؤيته للمرحلة المقبلة، يرى بوشاشي، والذي كان نائبًا سابقًا في البرلمان، أن "سلطة الشعب فوق كل سلطة، وتطبيق المادة 102 كان فخّا سياسيًا ومضيعة للوقت وفرصة للنظام لإعادة تدوير وجوهه، رغم رفض الشعب لكل وجوه المأساة المتمثلة في الباءات الثلاثة ومن يقف خلفهم".
ويشدد مصطفى بوشاشي على ضرورة تفعيل المادة السابعة من الدستور، والتي، على قوله، ستسمح للجزائريين بالتفكير بطريقة جماعية في المرحلة الانتقالية بما يكفل الانتقال الحقيقي للسلطة.
كما شدد على أنه "يجب أن تستقيل كل الوجوه التي يرفع الشعب صورها في المسيرات كمنطلق لفترة انتقالية"، مستطردًا: "أنا أرى الفترة الانتقالية بهذا الشكل: يجتمع المجلس الأعلى للأمن بعد استقالة الباءات الثلاثة، ويتشاور حول رئاسة جماعية من ثلاث شخصيات توافقية شخصيات نزيهة وغير متورطة في قضايا فساد ومقبولة شعبيًا، ليقوموا بعد ذلك بتعيين رئيس حكومة تكنوقراطي، ويشكّل بدوره حكومة غير متحزّبة تنظم انتخابات رئاسية يطمئن إليها الشعب".
"ثورة الابتسامة"
وأشار بوشاشي، وهو أحد أبرز الحقوقيين الجزائريين، إلى أنه قبل الحراك الشعبي، "كانت ملامح الجزائريين حزينة، ولكن أسارير الوجه أصبحت ضاحكة الآن، وعاد جزء من الأمل للجزائريين في غد أفضل".
يعتبر بوشاشي أن ثورة الشعب على النظام "قامت بحمايتنا جميعًا"، مؤكدًا على أن الشعب قادر على حماية مؤسسات وطنه
بل يعتبر بوشاشي أن ثورة الشعب على النظام "قامت بحمايتنا جميعًا"، مؤكدًا على أن "الشعب سيحمي مؤسسات وطنه، وسيسعى لأن تبقى الثورة الجزائرية دون أي تدخل أجنبي بأي طريقة كانت"، لافتًا إلى أن "النظام هو من سعى للاستقواء بالخارج ضد مطالب الشعب"، مستدركًا: "لكن كل العالم فهم الرسالة جيدًا: هدف الجزائريين هو وطن ديمقراطي يغلّب مصالح شعبه على حساب المصالح الضيقة للأشخاص والجماعات".
اقرأ/ي أيضًا: