13-أبريل-2019

طوى الجزائريون صفحة بوتفليقة دون تمزيقها لحساب مؤجل (ياسين بوعزيز)

"كان هنا ورحل"، هكذا وصف جزائريون استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن تقلد السلطة في نيسان/أبريل 1999، وغادرها في نيسان/أبريل 2019، ليبدو رحيله خطوة تَحمّل مشقتها الملايين ممن طالبوه بالاستقالة والرحيل، غير أن استجابته جاءت بعد الجمعة السادسة من المظاهرات والاحتجاجات التي عرفت بسلميتها، وتحت أعين الجيش الذي رافق الحراك خلال هذه الفترة.

 10 أيام فقط تمرّ على استقالة بوتفليقة، لكن اللافت أن اسمه غاب بشكل كبير عن الحديث الجمعي للجزائريين!

نسيان أم تناسي؟

10 أيام فقط تمرّ على استقالة بوتفليقة، لكن اللافت أن اسمه غاب بشكل كبير عن الحديث الجمعي للجزائريين، في الشوارع والمقاهي، وغيرها من التجمعات، وتحول الشغل الشاغل للجزائريين إلى استكمال منجزات الحراك لانتقال ديمقراطي، يضمن استبعاد رموز ما باتت تسمى بـ"العصابة".

اقرأ/ي أيضًا: عبد العزيز بوتفليقة.. ختام "قسري" لسيرة رمادية

البداية كانت من إنزال الملصقات الخاصة ببوتفليقة من مختلف الأماكن العمومية، لـ"ارتباطه في الذاكرة الجماعية بفترة وصف بسنوات القهر الاجتماعي"، كما يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي نور الدين ناصري في حديث لـ"الترا جزائر".

وفي السنوات الأخيرة، حيث غياب بوتفليقة عن العيان، واستبداله بصورته في المحافل، "اعتبر الجزائري أن في ذلك انتقاصًا منه"، على قول ناصري.

أين الرئيس؟

أهمّ سؤال طرحه الجزائريون قبيل إعلان ترشح بوتفليقة للرئاسيات التي كانت مرتقبة في 18 نيسان/أبريل الجاري، هو: "أين الرئيس؟"، خاصة بعد أن ازداد الحديث حول مرضه، وأشيع على نطاق واسع أنه ربما توفي، وظل الجدل مثارًا دون معلومة أكيدة.

بوتفليقة
لسبع سنوات كان بوفتليقة رئيسًا غائبًا تنوب عنه صورته!

زاد ذلك من احتقان الشارع الجزائري من بوتفليقة وما يمثله من نظام. يقول نور الدين ناصري: "بدأ الجزائريون يشعرون أن يتعاملون مع صورة وصنم". وقد تُرجم ذلك بالفعل في فعاليات الحراك.

ويعتقد الباحث في علم النفس الاجتماعي، أن "عدم ظهور بوتفليقة مدة طويلة في عدة مناسبات، وعقب أحداث كثيرة مهمة في الجزائر؛ جعلت صورته كرئيس تنزاح من أذهان الجزائريين". 

وكمثال على ذلك عدم ظهوره أو تواصله مع شعبه صوتًا وصورة عقب حادثة سقوط الطائرة العسكرية العام الماضي، في 11 نيسان/أبريل، إذ توقع الجزائريون أن يطلّ عليهم الرئيس ويواسي 257 عائلة في مصابها الجلل، إلا أنه خاطبهم برسالة تعزية فقط!

ويتفق مع هذا الطرح الأستاذ في العلوم السياسية أحمد بوساحة، إذ يرى أن غياب بوتفليقة لفترة طويلة منذ خطاب سطيف في نيسان/أبريل 2012 ، هو ما يفسر الشعارات التي رفعت قبل استقالته، مثل: "الشعب يريد رئيسًا يتكلم معنا لا يبعث لنا رسائل".

كشف الحساب مؤجل

لكن بوساحة يعتقد أن نسيان الجزائريين للرئيس بوتفليقة في فترة وجيزة، إنما هو أمر عابر، ومحصور في هذه الأيام فقط، حيث غمرة الفوران الاجتماعي الذي تشهده الجزائر، ذلك أن الأحداث المتسارعة غطت على بوتفليقة، لكن "التّركة الثقيلة لفترة حكمه ستظهر مجددًا، وسيعاد إخراج مختلف الملفات للعلن"، كما يقول بوساحة.

إذًا وفقًا لأستاذ العلوم السياسية، أحمد بوساحة، فإن الجزائريين ما أن يفرغوا من الغليان الذي تشهده الساحة السياسية، سيفتحون كشف حساب عن فترة الـ20 سنة التي قضاها بوتفليقة في الحكم، خاصة وأن أعراض حكم بوتفليقة، أثرت قبل السياسي على الاقتصادي والمعيشي للمواطن الجزائري.

الانشغال بالضرورة الراهنة

على الأرض، نسي الجزائريون بوتفليقة، وصَمُتَ عن ذكره الملايين، واختفت صورته من الشوارع ومن كلمات الشعارات، وهو الذي كانت صورته معلقة في كل مكان، وزاد على ذلك أن نابت عنه في غيبته الطويلة.

استكمال الحراك جعل الجزائريين يطوون صفحة بوتفليقة دون تمزيقها، لمحاسبة مؤجلة

وبعد أن كان ملهمًا سلبيًا لشعارات الحراك الشعبي على مدار أكثر 47 يومًا، اختفى اختفاءً زائدًا على اختفائه الطبيعي، وتحولت الشعارات تحو فلول نظامه وعلى رأسهم الباءات الثلاثة.

"زخم الحراك هو الذي جعل الجزائريين يقلبون صفحة عبد العزيز بوتفليقة، دون تمزيقها"، أستاذة الإعلام، إيمان خرشي، موضحةً في حديث لـ"الترا جزائر": "الشعب الجزائري لن ينس بوتفليقة لأسباب كثيرة؛ فعند البعض محبوب ورجل المصالحة الوطنية والسلام، وعند البعض الآخر كان رأس الظلم والمآسي الاجتماعية، وقمع حرية التعبير".

وفي حين تتعرف خرشي بانقسام الشارع حوله، تؤكد على أن عموم الشعب طالبه بالتنحي بعد أن بدا عجزه كليًا عن إدارة البلاد وهو المختفي والغائب منذ سبع سنوات.

زخم الحراك الشعبي هو الذي جعل الجزائريين يقلبون صفحة بوتفليقة، دون تمزيقها، للعودة لاحقًا لمحاسبته وجماعته

نهاية بوتفليقة كانت باستقالة تحت ضغط الشارع، غير أنها لن تكون نهاية سيرته، خاصة بعد أن طفت ملفات الفساد على السّطح مجددًا وارتباطها بتنامي الصفقات المشبوهة في فترة حكمه، ليبقى الجزائريون في مخاض عسير نحو الديمقراطية المنشودة ومواجهة مخلّفات حكم بوتفليقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحولات الحراك الشعبي.. تصالح مع السياسة والفضاء العام

"العصابة" أم الجيش.. من هو صاحب القرار في الجزائر الآن؟