10-أبريل-2019

أعاد الحراك الشعبي الاعتبارَ للممارسة السياسية (رياض كرمادي/ أ.ف.ب)

ساعات تفصلنا عن الأسبوع الثامن لحراك الجزائر، ستتزين شوارع المدن الجزائرية ككل يوم جمعة بجحافل المتظاهرين التي ستملأ الطرق والساحات العامة، وستتعالى الهتافات من حناجر لا تتعب من طلب الحرية، والانعتاق من نظام مارس هواية تكميم الأفواه لنحو عشرين عامًا.

تتمثل أولى إنجازات الحراك الشعبي في نجاح المواطنين في كسر حاجز الخوف ورهاب الاحتجاج المستمر على نطاق واسع

ستطفو إلى السطح شعارات جديدة، ومطالب متجددة، وبطبيعة الحال سيكون أبرزها رحيل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح. سيواصل الشعب رسم صور الحضارة في تغير جذري للفعل السياسي في الجزائر، فلا يختلف اثنان أن 22 شباط/فبراير، كان يومًا مفصليًا، تصالح فيه الجزائريون أخيرًا مع السياسية بعد أن طلقوها طلاقًا بائنًا طيلة عهد عبدالعزيز بوتفليقة.

اقرأ/ي أيضًا: الحراك الذي لا تحتكره السياسة.. مطالب حيوية ومعيشية من عمق الشارع الجزائري

كسر حاجز الخوف

تتمثل أولى إنجازات الحراك الشعبي في نجاح المواطنين في كسر حاجز الخوف ورهاب الاحتجاج المستمر على نطاق واسع، ففي 2001، أصدرت الحكومة الجزائرية قرارًا يمنع أي شكل من أشكال المسيرات في شوارع الجزائر العاصمة، على خلفية أحداث الربيع الأسود في منطقة القبائل، وبعد المسيرة المليونية في 14 حزيران/يونيو من نفس العام من منطقة القبائل نحو العاصمة، والتي قوبلت بقمع أمني شديد.

ومنذ ذلك الحين استقال المواطن الجزائري من ممارسة حقه في التظاهر، رغم الدعوات الكثيرة من طرف الأحزاب والجمعيات والمنظمات، وتحول الاحتجاج على إثر ذلك إلى فعل رمزي، وحتى ذلك لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة.

الحراك الشعبي
كسر الحراك الشعبي حاجز الخوف عند المواطنين

فعلى مدار سنوات طويلة وظف النظام الجزائري أصحاب القبعات الزرقاء لتكميم أفواه الجزائريين، ليضاف ذلك إلى العزوف المبهم للجزائريين عن ممارسة السياسة والانخراط في الأحزاب، فاسحين المجال لمن أرادهم النظام أن يكونوا في الواجهة.

التصالح مع السياسة

طارق، وهو مهندس جزائري يسير مقهى تملكه عائلته في محافظة بجاية، يقول لـ"الترا جزائر" إنّ "حوارات وأحاديث مرتادي المقهى تغيرت بشكل جذري تماشيًا مع ما تعيشه الجزائر الآن"، موضحًا: "لقد صار الجميع يتعاطون السياسة. يعلمون تفاصيل ما يحدث ويتكلمون في ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع"، مشيرًا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في إحداث ذلك.

ويضيف طارق قائلًا: "لقد حدث أحد زبائني الأوفياء، وهو متقاعد في الـ60 من عمره، نهض قائمًا من طاولته متوجها إليّ كي يريني منشورًا سياسيًا، وأسرد في الحديث عن فحواه وهو ما قلّ حدوثه من قبل".

كانت المقاهي الشعبية على مدار السنوات الماضية، إضافة لملاعب كرة القدم؛ الفضاء العام الوحيد المتاح للشعب للتعبير، في ظل إغلاق محكم للفضاءات الأخرى. ينهي طارق كلامه ضاحكًا: "لقد ترك الشباب البارحة داخل المقهى مشاهدة مباراة في كرة القدم لمتابعة كلمة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، رغم أنهم لا يعترفون به، لقد كانوا مهتمين لسماع ما يقوله".

إعادة اكتشاف الفعل السياسي

في ذات السياق يرى أستاذ الفلسفة بجامعة البويرة، سعيد مليكش، في حديث لـ"الترا جزائر" أن الجزائريين لم يتصالحوا مع الفعل السياسي بمناسبة حراك 22 شباط/فبراير، موضحًا أن "ما يحدث الآن هو إعادة اكتشاف الجزائريين للفعل السياسي النبيل، وإعادة تفعيل له في مقابل تشويهه من طرف النظام منذ سنوات". 

يستطرد مليكش: "لم يبتعد الجزائريون يومًا عن السياسة، وإنما نأوا بأنفسهم عن الممارسات التي كانت تمارس باسم السياسة، فقد كانوا يمارسون السياسة بأشكال أخرى ولو سلبية".

الحراك الشعبي
أعاد الجزائري بالحراك الشعبي اكتشاف الحرية وممارستها

 وعدد الأستاذ الجامعي أشكال الممارسة السياسية الرمزية التي انخرط فيها الجزائريون: "المقاطعة الانتخابية كانت فعلًا سياسيًا ضد تزوير الانتخابات. والتهكم من السياسة فعل أصيل في الشعب الجزائري ينمّ عن وعي تام بالسياسة الحقيقية". 

ويعتقد مليكش أيضًا أن ما نشهده الآن هو "تحرر للكلمة" من خلال إعادة اكتشاف الجزائري للحرية وممارستها، وعبرها اكتشافه لذاته السياسية كمواطن فاعل بكل حقوقه وواجباته. "نحن في حالة تشكل عقد اجتماعي جديد. نحن في حالة بناء مشعل جديد على أثار المشعل القديم الذي لم يتم تسليمه في الوقت المناسب، وأصبح عاطلًا وذو أعطاب. المشعل الجديد إعادة تشكيل للمشعل القديم مع قطع غبار جديدة توافق العصر والمرحلة فكريا"، يقول سعيد مليكش. 

لكن السؤال الذي يشغل الشارع الجزائري في خضم ذلك، هو: هل هذه الشعلة الجديدة، بتعبير مليكش، ستتجلى في ممارسة الشعب الجزائري لسلطته كاملة، وأن يكون مصدر السيادة كما تنص عليه المادة السابعة من الدستور والتي يدعو ملايين الجزائريين لتطبيقها كحل موسع للأزمة السياسية؟

استعادة الفضاء العام

من جهة أخرى، يعتقد الناشط السياسي منير بن ميسية أن إطلاق مصطلح وعي أو تصالح مع السياسة على ما يحدث في الجزائر، يستوجب الإجابة على عديد الأسئلة المركزية: "نعم الجزائريون أصبحوا مهتمين بالسياسية بعد أن قامت السلطة بإبعادهم عن الممارسة السياسية لعقود من الزمن، ولكن هنا علينا أن نتساءل: هل الشعب الجزائري واعي سياسيًا أم لا؟ هل يملك ثقافة سياسية مكتملة أم هي مجرد استفاقة ستختفي بمجرد العودة للحياة العادية بعد اختيار رئيس منتخب جديد؟". 

يخشى منير كما قال لـ"الترا جزائر"، من سيناريو انسحاب الجزائريين من السياسة مرة أخرى، فيتواصل ما أسماه "مسلسل الغياب والتغييب"، متسائلًا على إثر ذلك: "هل الممارسة السياسية عند الجزائريين هي التعبير عن الرأي في الشارع فقط على طريقة مناصري كرة القدم، أم ستتحول نحو الانخراط في الأحزاب السياسية والنضال الحزبي؟".

الحراك الشعبي
استعاد الجزائريون الفضاء العام بعد أن كان مستلبًا لسنوات طويلة

ويلفت الناشط الجزائري في نهاية حديثه إلى أن الأحزاب، التي هي ممثل السياسية في الجزائر، لا تزال مصدر تشكك من قبل الجزائريين، متسائلًا: "هل سيتغير ذلك؟!".

ورغم عديد الأسئلة التي لازالت تطرح، ورغم المشوار الطويل الذي ينتظر الحراك الشعبي ليحقق الجزء الأكبر من مطالبه، وبناء اللّبنات الأولى للانتقال للجمهورية الثانية، إلا أن من الواضح أن الشعب استعاد الفضاء العام الذي كان مصادر من طرف النظام.

 استعاد الشعب الجزائري بالحراك الشعبي، الفضاء العام الذي كان مصادرًا لسنوات طويلة من طرف النظام

أمكن للشاب الجزائري أن يحمل مكبر صوت ويقول ما يفكر فيه بصوت عالي أمام البريد المركزي وساحة الشهيد موريس أودان على مرأى ومسمع رجال الشرطة والقنوات الوطنية والعالمية، فكما اتضح من انتفاضة الحراك الشعبي، أن الناس متعطشون للكلمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أهازيج الألتراس.. هنا صُنعت الأناشيد الرسمية للحراك الشعبي

من الجامعة للفضاء العمومي.. طلبة وأساتذة يدفعون بالحراك الشعبي نحو المستقبل