10-فبراير-2020

تنتهي عهدة البرلمان الحالي في ماي 2022 (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

منذ بدء الحراك الشعبي في الجزائر قبل عام تقريبًا، كان البرلمان أحد المؤسّسات التي استهدفتها المظاهرات الشعبية، حيث طالب المتظاهرون بحلّه، لكونه مرتبطًا بمنظومة الحكم للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقام بالمصادقة على كثير من القوانين التي لم تكن في صالح الشعب.

 تبون تعهّد في وقت سابق بإمكانية حلّ البرلمان، وإجراء انتخابات نيابية مسبقة، قبل نهاية السنة الجارية

 وبرغم التغييرات التي طرأت على رئاسة المجلس، وتنحية أحد رموز مرحلة بوتفليقة معاذ بوشارب، واعتلاء قيادي محسوب على التيّار الإسلامي في الجزائر، و كان من المشاركين في أولى المظاهرات في 22 شباط/ فبراير2019، سليمان شنين، إلا أن الحراك وعددًا من القوى السياسية، مازالت تُطالب بحلّ المؤسّسة البرلمانية الحالية، للسماح بتشكل برلمانٍ جديد ينبثق عن مشهد سياسي، يُتيح لقوى ناشئة وكتلٍ سياسية وشبابية معبّرة عن الحراك وعمق المجتمع، ويكون تمثيليًا يعبّر عن حجم  مكوّنات المشهد السياسي في البلاد.

 

أوراق محترقة

تستعجل عدّة قوى سياسية ومدنية في الجزائر، بحلّ البرلمان الحالي، كان آخرهم حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، والتي طالب رئيسها عبد الرزاق مقري، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال لقائه الأربعاء الماضي، بحلّ البرلمان الحالي وإجراء انتخابات تشريعية ومحليّة مسبقة حرةّ ونزيهة، مباشرة بعد إقرار التعديل الدستوري المرتقب في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة، على أن يسبق حلّ البرلمان، إعادة تعديل ومراجعة قانون الانتخابات، على أساس التعديلات الدستورية.

وبالعودة إلى تصريحات الرئيس الجزائري، كان تبون قد تعهد بإمكانية حلّ البرلمان، وإجراء انتخابات نيابية مسبقة، قبل نهاية السنة الجارية.

تشريعيات محسومة

من جهته، نقل رئيس حزب "جيل جديد" سفيان جيلالي عن الرئيس تبون، خلال لقائه في إطار الحوار السياسي قبل أسبوعين، أن تبون ينوي إجراء انتخابات نيابية مسبقة قبل نهاية السنة الجارية، ما يعني حلّ البرلمان الحالي، عقب الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد، الجاري صياغته من قبل لجنة دستورية شكّلها الرئيس تبون، بعد تعديل القوانين الناظمة للانتخابات والعمل السياسي.

يؤكّد متابعون للشأن السياسي، أن الانتخابات التشريعية في الجزائر، كانت دائمًا محسومة بشكل ملفت وبنسبة معتبرة لأحزاب الموالاة، التي كانت تصنع في دواليب الأجهزة في منظومة بوتفليقة، إذ يقول الباحث في العلوم السياسية، والمهتم بالشأن التشريعي في الجزائر عمار أمقران، في حديث لـ "الترا جزائر"، إن المرحلة القادمة هي "مرحلة تنظيف وزحزحة الأحزاب، التي لطالما ارتبطت باسم الرئيس بوتفليقة، وتسبّبت في أزمة سياسية وتشريعية واقتصادية في البلاد".

يوضّح المتحدث، استخلاف الأحزاب القديمة، بحزمة من الأحزاب الجديدة والشبانية لا بدّ منه، خصوصًا وأن "المال الفاسد لعب دورًا كبيرًا في استقطاب مقاعد برلمانية، وشراء (كوطات) لأحزاب معروفة، وتمرير مشاريع أفقرت الجزائريين".

مصداقية النواب

وبعيدًا عن الشأن التشريعي من قوانين ومواد، فإن "ذهاب الأحزاب بات أمرًا ضروريًا، لكسب الثقة بين النظام الحالي، وامتحانًا حقيقيًا لما يقول عنه الرئيس عبد المجيد تبون "التغيير المنشود والقطيعة من المرحلة الماضية".  

يُفترض أن تنتهي عهدة البرلمان الحالي في أيّار/ماي 2022، إذ تعرّض لانتقادات شعبية وسياسية منذ بدء الحراك الشعبي في  شبّاط/فيفري الماضي، حيث تطالب المظاهرات بحلّ البرلمان وتصفه بغير الشرعي، هنا، يقول الناشط الحقوقي خالد مخلوفي، إن "البرلمان الحالي فاقد لمصداقيته السياسية"، وذلك بسبب التزوير الذي شاب انتخابات 2017، وسيطرة كتلة حزبي السلطة على مقاعده، جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي، موضحًا أنّ عدد من نوّابه متورّطون في قضايا فساد، هم في الوقت الحالي محلّ ملاحقة قضائية، إضافة إلى انسحاب عدّة كتل نيابية، جمّدت عملها فيه، ككتلة حزب العمال والتجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، كما قال.

حاجة سياسية

لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اضطر إلى الإبقاء على البرلمان الحالي، في سياق المحافظة على استمرارية الدولة وتوقيًا لأيّة تطوّرات غير محسوبة وطارئة، وتجنبًا للوقوع في خطيئة سياسية، وقع فيها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في كانون الأول/ديسمبر 1991، عندما قام بحلّ البرلمان، وتنظيم انتخابات مسبقة، قبل أن يفاجأ بوقف الجيش للمسار الانتخابي في 12 كانون الثاني/جانفي 1992.

ثمّة أسباب جوهرية أخرى، ربما تغيّر من خارطة الواجهة السياسية، ويوجد سببان أساسيان على الأقل، دفعا تبون للإبقاء على البرلمان ، وهما حاجته إلى المؤسّسة البرلمانية لتمرير خطّة عمل حكومته الجديدة، ومناقشتها من قبل النوّاب، كشرط يقرره النصّ الدستوري لتصبح الحكومة سارية، وهو ما سيتوضّح خلال الأسبوعين المقبلين، بعد مصادقة مجلس الوزراء على خطة عمل الحكومة، وثانيًا لتمرير التعديل الدستوري المرتقب الذي ينوي الرئيس تبون إقراره لاحقًا، بعد طرحه للتشاور مع القوى السياسية والمدنية، ثم عرضه على استفتاء شعبي.

عُرف نواب البرلمان باستغلال المال الفاسد للحصول على مقاعد برلمانية وحصانات تحميهم من المحاسبة

الحل في حلّ البرلمان

لكن منذ عقدين من الزمن، ظلّ البرلمان الجزائري، محلّ عدّة اتهامات وانتقادات، حيث عُرف نوّابه باستغلال "المال الفاسد" للحصول على مقاعد برلمانية، من شأنها أن تكون حصانة لرجال الأعمال ومن يقف وراءهم، وتمرير بعض مشاريع السلطة، وهو ما يطرح سؤالًا جوهريًا عن جدوى إجراء انتخابات تشريعية مسبقة، بعد حلّ البرلمان، في ظلّ الإبقاء على استمرارية الأحزاب التي ظلت لحقبة من الزمن، تستغل النفوذ المالي والسياسي في دواليب الحكم، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات أخرى، تتعلّق بالمنظومة الحزبية في الممارسة السياسية والعملية الانتخابية، وشروط الترشّح، وغيرها من العوامل التي من شأنها أن تعيد إنتاج منظومة مكرّرة عن سابقتها، وهو ما تتخوّف منه أوساط سياسية ومدنية في الحراك الشعبي، وتُطالب بذلك حلّ هذه الأحزاب  ومنعها من النشاط، والتي كانت واجهة لنظام بوتفليقة.