10-مارس-2021

يُحال على التقاعد 200 ألف شخص سنويًا في الجزائر (ألجيري باتريوتيك)

 

لم يتوقّف الجدل المُثار في الجزائر حول قيمة تقاعد المسؤولين السامين؛ فقد أصبح الموضوع حديث وسائل الإعلام ومحلّ تعليقات مستهجنة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصّة بعد أن تبيّن أن وجوهًا تصف نفسها بالمعارضة ضمن قائمة المستفيدين منه، ويُقيم تفوق بأضعاف معاشات المواطنين العاديين. 

عاد الجدل بشأن تقاعد المسؤولين السامين عقب تصريحات عضو مجلس الأمّة عبد الوهاب بن زعيم

وعكس ملف التقاعد في الجزائر دومًا عدم المساواة بين العمال، رغم أنم الدستور الجزائري ينص على المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، مهما كان القطاع الذي يعملون فيها، ومهما كانت درجة المسؤولية التي يتبؤونها.

اقرأ/ي أيضًا: تمديد سن التقاعد الإجباري إلى 65 سنة

ضجّة إعلامية

عاد الجدل بشأن تقاعد المسؤولين السامين عقب التصريحات التي أدلى بها عضو مجلس الأمّة عن جبهة التحرير الوطني عبد الوهاب بن زعيم لقناة "لينا" الخاصّة، وقال فيها إن أعضاء في المجلس الانتقالي المشكّل في التسعينات يستفيدون من معاشات تقاعد تصل حتى 400 ألف دينار (حوالي 2400 دولار)، وهو راتبٌ يفوق حتى النواب البرلمانين المنتخبين، في حين أن هؤلاء المستفيدين من هذا المبلغ الخيالي بالنسبة للموظف الحكومي البسيط تم تعيينهم من قبل السلطة.

والمجلس الانتقالي الذي كان يتكوّن من 192 عضوًا أُسس من قبل السلطة سنة 1994 ليحلّ مكان البرلمان الذي تم حله في 1992 إثر توقيف المسار الانتخابي.

وقال بن زعيم إنّ "أعضاء المجلس الوطني الانتقالي برئاسة عبد القادر بن صالح، أدّوا المهام السياسية التي كانت صعبة في ذلك الوقت مع الحرب الأهلية، لكن النقطة السوداء في مسيرتهم أنهم مرروا قانونا يقضي بالحفاظ على أجورهم مدى الحياة بعد انتهاء مهمتهم سنة 1997."

وكشف بن زعيم أن هذه الرواتب ارتفعت بالنسبة ذاتها التي مست أجور نواب البرلمان، ما جعلها تصل حتى 400 ألف دينار جزائري.

وإن كان هذا الامتياز لنواب معينين غير منتخبين أمرًا معروفًا عند متابعين للشأن السياسي، فإن التذكير بأسماء بعض المستفيدين منه أثار جدلًا واسعًا وسط مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أشار بن زعيم إلى أن من بين المستفيدين زبيدة عسول التي تخرج في مظاهرات تندّد بالسلطة وتصرفاتها، واستفادة أفرادها من امتيازات لا تعطى للمواطن البسيط، إضافة إلى رئيس حزب جيل جديد جلالي سفيان والأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس.

وبعد إثارة هذا الملف من قبل بن زعيم، استعاد الجزائريون تداول قائمة 192 المشكلة للمجلس الانتقالي على مواقع التواصل الاجتماعي، ليجدوا ضمنها على سبيل المثال رئيس "حركة مجتمع السلم" السابق عبد المجيد مناصرة، ورئيس "حركة البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، وسعيدة بن حبيلس رئيسة الهلال الأحمر الجزائري.

 وصنف نشطاء على سبيل المثال زبيدة عسول عضو تكتل "البديل الديمقراطي" الرافض لسياسة الرئيس عبد المجيد تبون، في خانة "من يأكلون الغلة ويسبون الملة"، كونها تستفيد من منحة أقرّها نظام تصفه بغير الشرعي والمستبد، غير أنها تستفيد من الأموال التي يوزّعها على الخاصّة دون العامة.

اتهامات متبادلة

غير أن المعنيين بتصريحات بن زعيم التي صنفها الجميع أنها غير بريئة بالنظر إلى ذكره لأسماء معينة دون سواها، وفي توقيت كالذي تعيشه الجزائر اليوم، لم يلتزموا الصمت حول ما جاء على لسان عضو حزب "جبهة  التحرير الوطني"، واتهموه بالقذف والكذب وتضخيم الأرقام، وأعلن بن قرينة وعسول رغم خلافاتهما الكبيرة محاكمته.

 ورد رئيس "حركة البناء الوطني" قائلًا "استغرب لمثل هذا التصريح وأكذبه نهائيًا، فضلًا أني لا أتقاضى تقاعدًا تحت عنوان عضو بالمجلس الوطني الانتقالي، ولتنوير الرأي العام، عضو المجلس الوطني الانتقالي ما بين سنة 1994 و 1997 كان مرتبه بحدود 5 ملايين سنتيم، و لم تُرفع أجور النواب إلا في العهدة البرلمانية لسنة 2007/ 2012 لأكثر من 30 مليون مع المنح و لعضو مجلس الأمة كذلك لمًا يقارب 32 مليون بما فيها منحة السكن، و ينطبق على مرتب أعضاء المجلس الوطني الانتقالي التقاعدي نفس تقاعد عضو مجلس الأمة وعضو المجلس الشعبي الوطني الحاليين ".

من جهتهم، كذبت زبيدة عسول وجلالي سفيان هذه الأرقام أيضًا، دون نفي الاستفادة من تقاعد مسؤول سام في الدولة أتى بالتعيين وليس بالانتخاب، حيث أجمعوا أن الرواتب المعلن عنها مبالغ فيها.

غير أن هذا النفي لم يرفع الحجر على من اتهم بن زعيم، لأن راتب 32 مليون أو 40 مليون لا يختلف كثيرًا عند الجزائريين الذين لا يصل الراتب الأدنى إلى أقل من مليوني سنتيم (أقل من 150 دولار) شهريًا.

وأوضح بن قرينة أنه يحتفظ "بالحق القانوني في الدفاع بدفع تهمة التشهير"، لكن دون أن يعلن تقدّمه بشكوى للعدالة.

وبدورها، اتهمت  القاضية السابقة زوبيدة عسول بن زعيم بالكذب، وتوعّدته برفع دعوى قضائية ضد عضو الحزب الحاكم خلال فترة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتحدته أن يقدم  الوثائق التي تدعم كلامه.

أمّا جلالي سفيان فقد اتهم بن زعيم بـ "الكذب ومحاولة ضرب وجوه معروفة تدعم الحوار، لإيجاد حل للأزمة التي تعيشها الجزائر، وعذرية جديدة عى ظهر من كانوا يقاومون النظام".

غير أن بن زعيم بقي يتشبث بتصريحاته، ورد على تفنيدات جلالي سفيان بالقول "تابعت رد الديمقراطي جيلالي سفيان والذي كنت أحسبه ديمقراطيًا كما يحسبه الكثيير منا، لكن للآسف أظهر حقيقة لا غبار عليها أن كل ما سمعناه من تغنٍ بالديمقراطية والشفافية كلّها شعارات فارغة لا يؤمن بها لا من قريب ولا من بعيد".

وأضاف " كنت أتوقّع أن يحضر جلالي سفيان كشف راتبه ليعرضه على أسرة الصحافة والشعب وبكل ديمقراطية، لتفنيد ما صرحت به !!، لقد تجاوز حدوده حينما شخصن القضية والتي تهجم فيها علي وعلى عائلتي ..كل هذا لأننا كشفنا الحقائق للشعب  الجزائري.. جيلالي سفيان عمل سنة واحدة في المجلس الانتقالي وليس ثلاث سنوات، وكان حاضرًا حينما تم تشريع القانون الخاص بمنحهم أجرة مدى الحياة، ومنذ سنة 1997 وهو يتقاضى أجرة نائب ترتفع كلما زادت للنواب الحاليين".

صناديق التقاعد

بعيدًا عن تجاذبات بن زعيم وخصومه، فإن الحقيقة الواضحة من تصريحاتهم أنهم جميعهم يستفيدون من رواتب عالية مقابل سنوات خدمة أقلّ من عهدة نيابية، في مشهد مخالف لما يطبق على الموظف البسيط المطالب بالعمل حتى سن الستين للإحالة على التقاعد، ودفع اشتراكات سنوية طيلة فترة عمله قد توجه بعضها لدعم معاشات تقاعد الوزراء والنواب والرؤساء وغيرهم من المسؤولين السامين.

 وتوجد في الجزائر ثلاثة صناديق للتقاعد، أولها صندوق العمال الذي يطبق على جميع الموظفين العاديين ،والذي يشترط بلوغ سن 60 سنة بعد تعديل قانون التقاعد عام2017 للاحالة على المعاش، أما الثاني فهو صندوق القطاع العسكري والذي يمنح للمنتمين له معاشا بعد 25 سنة خدمة، وكذا إمكانية الحصول على تقاعد مسبق بعد 19 سنة فقط وكلا الصندوقين يمولان من اشتراكات العمال، لكن قيمة معاش التقاعد تكون بالنسبة لعمال القطاع المدني بنسبة 80 بالمائة فقط،  بينما تصل 100 بالمائة بالنسبة لغيرهم.

أما الصندوق الثالث فيخص الإطارات السامية وهو الذي أثيرت بشأنه هذه الضجة، بالنظر إلى إنه يُموّل من الخزينة العمومية، مع الحصول على راتب آخر سنة عمل، في حين أن العامل العادي يحسب له معدل آخر خمس سنوات عمل، وتوجه اشتراكاته لدعم صناديق أخرى كالصندوق الوطني للتأمين على البطالة.

وتطالب النقابات ومنها المركزية النقابية الموالية للسلطة الحكومة بوقف هذا الإجحاف المتعلق بتحويل اشتراكات العمال لدعم صناديق أخرى، في حين لا يطبّق هذا القانون على المنتسبين لصندوق الإطارات السامية.

 وتعتبر النقابات أيّ حديث من الحكومة عن عجز صندوق التقاعد غير مبرّر، لأنه في حال لم توجّه اشتراكات العمال لأهداف أخرى كانت ستكون كافية لدفع معاشاتهم كاملة دون مشاكل.

ملف التقاعد  يشكّل دومًا مشهدًا من  مشاهد غياب العدالة الاجتماعية بين الجزائريين 

وإذا كان الجدل المثار حول رواتب البرلمانيين وغيرهم من المسؤولين قد يُخمد فترة ويظهر فترة أخرى، دون أيّ تحرك من الحكومة، فإنه يبقى يشكّل دومًا صورة من  مشاهد غياب العدالة الاجتماعية بين الجزائريين التي دعا دستور البلاد إلى تكريسها بين جميع المواطنين مهما اختلفت مناصب عملهم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رفع معاشات المتقاعدين بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 7 في المائة

جدلٌ جديد حول قانون التقاعد وصندوق إطارات الدولة