26-مايو-2024
معركة نافارين أسبابها ونتائجها

(freepik) غيرت نتائج معركة نافارين التاريخ لعدة دول

بعد العديد من الحروب والمعارك التي خاضتها الدولة العثمانية على حدود اليونان تمكنت من فرض سيطرتها عليها، ومع حلول القرن الـ15 كانت اليونان خاضعة لحكم الدولة العثمانية ما عدا الجبال اليونانية التي كانت ملاذًا لليونانين الذين انضموا لحروب العصابات، والجزر الأيونية باستثناء كيفالونيا، على أن الأيام دول وسنة الدهر زوال الأمم والحضارات كما كان حال الدولة العثمانية التي عانت من الضعف والتشرذم في نهايات حكمها، وفي اليونان العثمانية كانت معركة نافارين المسمار الذي دُق في نعش الدولة العثمانية مبكرًا.

تحولت المعركة من دفة إخماد الثورة إلى دفة إجلاء العثمانيين عن اليونان بموجب الاتفاق الأوروبي الذي أبرم مع اليونانيين الثائرين

ما قبل معركة نافارين 

في جبال اليونان التي كانت عصية على النوال، كان ثمة مخططات للتحرير ومناوشات كحرب العصابات تدور بين الدولة العثمانية واليونانيين، في هذه الأثناء انتُدب إبراهيم باشا (وهو واحد من أشهر القادة المصريين) وهو ابن محمد علي باشا والي مصر التي كانت بدورها تابعة للدولة العثمانية آنذاك بطلب من الحاكم العثماني، للقضاء على ثورة اليونانيين باعتباره الوالي الأقوى في ذلك الوقت، يعود ذلك للقوة التي كان عليها محمد علي باشا والتي كانت في الواقع تتفوق على قوة الحاكم العثماني نفسه، فيما تم الاتفاق على منح معقل الثوار، بيلوبونيز، كإقطاعية تورث لابن علي الأكبر إبراهيم باشا.

وبالفعل تحرك إبراهيم باشا إلى الأراضي اليونانية بغية إخماد صوت الثورة، إلا أن الرياح اليونانية سارت بما لا تشتهيه سفن الدولة العثمانية؛ ذلك أن تحالف إحدى أكبر القوى الأوروبية في ذلك الوقت (روسيا وفرنسا وبريطانيا) حال دون ذلك الهدف، في حين تحولت المعركة من دفة إخماد الثورة إلى دفة إجلاء العثمانيين عن اليونان بموجب الاتفاق الأوروبي الذي أبرم مع اليونانيين الثائرين والذي لعب التعاطف الديني الأرثذوكسي من قبل روسيا فيه دورًا كبيرًا مع اليونانيين.

 

معاهدة لندن ودورها في معركة نافارين

عام 1827م تم إبرام اتفاقية في لندن تنص على السماح للقوى الأوروبية الثلاث السابق ذكرها بالتدخل نيابة عن اليونانيين، فيما ألزمت الاتفاقية روسيا بوعد بالامتناع عن أي توسيع إقليمي على حساب تركيا تحسبًا لأي حرب روسية تركية قد تحوم في الأفق خلال الوقت اللاحق.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن انضمام روسيا إلى جانب بريطانيا وفرنسا في هذه الاتفاقية لم يكن بمحض الصدفة أو حتى نتيجة للاضطراب الذي قد يحدث في العالم في ذلك الوقت، بقدر خشيتهما من التوسع الروسي في جغرافيا المنطقة في وقت كانت فيه الدولة العثمانية قد بدأت بالتداعي قليلًا، من هنا كان ضمان وجود روسيا إلى جانب بريطانيا وفرنسا وفرض هذا الوعد عليها من صالح الدولتين بطبيعة الحال.

تمكن الحلفاء من سحق الأسطول المصري في معركة نافارين مما أدى إلى خسارة كبيرة في صفوفه وصفوف الأسطول الجزائري

أسباب معركة نافارين

لم يرضخ إبراهيم باشا لطلب الحلفاء بانسحاب الأسطول المصري من شبه جزيرة الموري (بيلوبونيز) حاليًا، وفي 20 أكتوبر 1827 وبقيادة  إدوارد كودرينكتن تمكن الحلفاء من سحق الأسطول المصري عن بكرة أبيه في معركة نافارين مما أدى إلى خسارة كبيرة في صفوف الأسطول المصري والجزائري المشارك في الحرب كذلك.

ومما ذكر في المصادر ولا يمكن إغفاله أن القوات البحرية في البداية لم يكن بخاطرها خوض حرب بمعنى كامل وإنما كان الهدف الأساسي من ذلك هو الضغط على الدولة العثمانية لتعلن انسحابها إلا أن الاندفاع الكبير الذي أبداه ابراهيم باشا في تلك المناوشات أدى إلى وقوع المعركة، وكان أول ذلك الاندفاع الفهم الخاطئ من قبل الأسطول المصري التركي للإشارة التي أطلقها الزورق التابع للحلفاء حيث قام بالرد عليه بأن أطلق وابلًا من الرصاص على أسطولهم فقام الآخر بالرد وهكذا انتهى الأمر باندلاع معركة نافارين والتي كانت بمثابة قاصمة ظهر للدولة العثمانية وأدت إلى انسحابها من الأراضي اليونانية وإعلان اليونان كدولة مستقلة.

 

نتائج معركة نافارين

كان لمعركة نافارين نتائج عديدة أدت إلى قلب صفحة من تاريخ تلك الحقبة، وهذه النتائج هي:

  • تدمير الأسطول الجزائري الذي شارك في الحرب إلى جانب الأسطول المصري.
  • تدمير الأسطول المصري عن بكرة أبيه مما كلف مصر خسائر كبيرة جدًا ماديًا ومعنويًا.
  • تدمير الأسطول العثماني في اليونان وخروج الدولة العثمانية منها.
  • الخسائر الكبيرة التي ترتبت على خزينة الدولة العثمانية نتيجة الخسارة في هذه الحرب.
  • الخسائر الكبيرة في الأرواح في الجانب العثماني والتي بلغت 4109 ما بين قتيل وجريح، مقابل 661 ما بين قتيل وجريح كذلك في صفوف الحلفاء.
  • الخسارة المعنوية التي تعرض لها إبراهيم باشا وهو المعروف بانتصاراته العظيمة في كل المعارك التي خاضها كانت موجعة وصادمة له ولكل الشعب المصري في ذلك الوقت.
  • قيام الدولة اليونانية المستقلة.

في الوقت الحالي يتم الاحتفال بالذكرى السنوية للمعركة في 20 من أكتوبر كل عام وتستمر الاحتفالات طوال اليوم في ساحة الأدميرال الثلاثة في بيلوس، والتي يستضيفها عمدة بيلوس. وترسل الحكومات الروسية والفرنسية والبريطانية ممثلين لحضور الاحتفالات.

 

أثر نتائج معركة نافارين على الجزائر

بلغت الجزائر في تلك الحقبة من القوة ما جعلها تستقل عن حكم الإمبراطورية العثمانية، وكان أسطولها البحري هو المسيطر على السواحل الإفريقية للبحر الأبيض المتوسط، وكان شوكة في حلق الدول الأوروبية المشرفة على سواحل المتوسط، خاصة فرنسا التي كانت تسعى إلى الهيمنة على الجزائر منذ وقت سابق لمعركة نافارين، لوضع حد للنفوذ البريطاني، ولكن الاضطرابات الداخلية السياسية والعسكرية لفرنسا التي أعقبت الثورة الفرنسية وحكم نابليون وصولا إلى حكم تشارلز العاشر من أسرة البوربون، أعاد طرح الطموحات باحتلال الجزائر إلى الواجهة، ولم تكن الأهداف المنشودة متعلقة بالجانب العسكري وحده بطبيعة الحال وإن كان هو الأبرز، فقد كانت هناك الأطماع التجارية والاقتصادية والجانب الديني المستمد من فكر الحروب الصليبية ضد الإسلام، وغيرها من الأسباب.

والحاصل أنه ما تمكنت فرنسا من الجزائر ولا كانت الجزائر في حالة وهن كما كانت على إثر خسارة معركة نافارين، ذلك أن القوات الجزائرية كانت قليلة العدد والعدة وسيئة الإعداد والخبرة، واستئثار إبراهيم آغا (أحد القادة والعسكريين الجزائريين) بالرأي رغم قلة خبرته ورفضه اتباع خطط القادة الأكثر خبرة منه، هذه العنجهية وما رافقها من أسباب أدت إلى خسارة الجيش الجزائري أمام القوات الفرنسية في المعرك الأولية، وكانت هذه الهزائم سببًا في سقوط عاصمة الجزائر دون مقاومة تذكر، وبذلك بدأ التاريخ الاستعماري الفرنسي الأشد حلكة على الجزائر وأهلها، وخاضت الجزائر على إثر كل ذلك نضالًا عظيمًا ومخاضًا أليمًا للتحرر من الاستعمار الفرنسي، قدمت فيه خيرة أهلها وشبابها الذين علموا الأمم كيف يكون النضال، واستمرت في المقاومة حتى نالت الاستقلال وتأسست الدولة الحديثة في عام 1962.

 

كانت هذه نبذة عن واحدة من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ الوطن العربي، التي اشتركت فيها تحالفات استعمارية ضد قوى عسكرية، معركة كانت سببا لاستقلال دولة وفي الوقت نفسه كانت مفتاحًا لاحتلال دولة أخرى، إذ لعبت الكثير من العوامل التي تراكمت عبر عقود من الحروب والتنافس الإقليمي بين إمبراطوريات كل منها تريد فرض هينمتها على الأخرى دون أن تؤخذ العواقب بالحسبان، معارك كرس فيها الفرسان وقادتهم من طرف العدو كل ما لديهم للفوز، ومن جانب أهل البلاد اختار القادة  إرخاء دفاعاتهم بسبب غرورهم المكتسب من انتصاراتهم السابقة، غافلين عن أن الحرب صولات وجولات، وأن الاستهانة بالعدو أول زلة قدم في أرض المعركة، زلة قدم كلفتها باهظة أكثر مما يظنون.