05-يوليو-2022
موكب العقيد هواري بومدين بعد وصوله للعاصمة (فيرناند باريزوت/أ.ف.ب)

موكب العقيد هواري بومدين بعد وصوله للعاصمة (فيرناند باريزوت/أ.ف.ب)

توقفت سيارة سوداء اللون أمام مبنى عمارة وسط شوارع العاصمة، ينزل منها ثلاثة أفراد من جهاز المخابرات السرية، أحد العناصر يقف يحرس البوابة، فيما يتجه باقي العناصر إلى الطابق العلوي بشكل سريع.

القصة ليست عملية توقيف أو اعتقال أو مداهمة ليلية، بل موكب زفاف تكفّلت به عناصر المخابرات السرية سنوات حكم الرئيس هواري بومدين

بعد دقائق ينزل أفراد الأمن رفقة فتاة تدري فستان الزفاف الأبيض، ويسارع من كان بالرصيف بفتح بوابة السيارة، بداخل المركبة تجلس وتتوسط الفتاة أفراد الأمن السري، وقبيل ركوبها السيارة تلتفت الفتاة إلى أعلى البلكون ترفع يديها وبالدموع تودع الضيوف، وتعلو حينها زغاريد خافتة وصامتة لم تتعدَ فضاء الشارع.

القصة ليست عملية توقيف أو اعتقال أو مداهمة ليلية، بل موكب زفاف تكفّلت به عناصر المخابرات السرية سنوات حكم الرئيس هواري بومدين، كانت بطلته زهرة سلامي وكان العريس سجين يقبع تحت الإقامة الجبرية الرئيس المخلوع أحمد بن بلة.

من هي زهرة سلامي؟

 نشأت زهرة سلامي وترعرعت بفرنسا، من أب جزائري من أصول مدينة المسيلة ومناضل في فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني، وأم فرنسية، بعد الاستقلال استقرت العائلة بالجزائر العاصمة، سنوات الأولى من الاستقلال عُرفت زهرة بنضالها اليساري وتعاطفها مع الحركات الثورية العالمية وكل التنظيمات اليسارية والشيوعية المناهضة للإمبريالية والعنصرية

 التحقت بالصحيفة الأسبوعية "الثورة الأفريقية" الناطقة باللغة الفرنسية، كما تخصصت في الحركات التحريرية في كل من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، واشتغلت وعملت بقرب كل الحركات الثورية التي كانت تتوافد إلى الجزائر وأجرت حوارات ولقاءات مع قادة الثوار والحركات ضد الامبريالية وضد العنصرية.

تَصفها زميلته في الصحيفة والنضال إلين مختفي "تتمتع زهرة سلامي بالشجاعة وقوة الشخصية، كانت جد انفعالية وحساسة، وغالبًا ما ترد على الاستفزازات بطريقة عنيفة، لقد كانت جد طموحة، وعانت من صفات، كان يراها غيرها نقائصًا وعيوبًا، خصوصًا النظر إليها أنها فرنسية الأم والنشأة، وعدم قدرتها على التحدث باللغة العربية أو الدارجة، لكن كانت تؤكد أنها جزائرية مئة بالمئة.

أول لقاء مع بن بلة

أول لقاء جمع زهرة سلامي مع أحمد بن بلة، كان خلال لقاء صحفي بين سلامي من صحيفة "الثورة الأفريقية"، وكان أحمد بن بلة رئيس الجمهورية آنذاك، إذ لم يشفع المقام العالي أحمد بن بلة من أن توجه إليه زهرة سلامي أسئلة مستفزة وحادة وقوية أرهقت الرئيس، حيث كانت سلامي ترى أن أحمد بن بلة انحرف عن المسار الثوري والاشتراكي وارتدّ عن الثورة الثقافية.

زهرة سلامي وراء هروب زوجة المعارض محمد بوضياف

كانت زهرة سلامي ناشطة من التيار "الماوي" ومعارضة سياسية لحكم أحمد بن بلة، وعارضت في زمنها حملة الاعتقالات التي مست معارضين لحكم بن بلة، وكان سلامي وراء هروب زوجة محمد بوضياف من المستشفى بعد عملية تمويه، وكان زوجة سي الطيب الوطني تحث المراقبة الأمنية، حلت زهرة محلها في سرير المستشفى لتمكن زوجة بوضياف من الهروب.

تم تحديد زهرة سلامي على أنها "المهربة"، تم القبض عليها واحتجازها لعدّة أيام.

القرار الأصعب.

كانت زهرة سلامي تصغر أحمد بن بلة بـ 19 سنة، حيث كان يقضي في غياهب السجون فترة إقامته الجبرية منذ ثماني سنوات، وكان حلم والدة أحمد بن بلة أن يتزوج قبل رحيلها إلى دار الفناء، فالولد هو كل من تبقى من أبنائها الأربعة وبنتيها.

في 1972 اتصلت بها سيدة مسنة، وعلى مائدة الشاي طَرحت السيدة على زهرة الكثير من الأسئلة الدقيقة تشبه التحقيقات الأمنية، مصادر إعلامية قالت إن السيدة كانت والدة أحمد بن بلة المخلوع.

بعد أيام معدودة اتصل محمد الحاج إسماعيل، وزير العدل السابق في فترة حكم أحمد بن بلة، وكان الحاج إسماعيل من بين الشخصيات المحدودة المسموح لها بربط العلاقة بين أحمد بن بلة وأفراد عائلته.

أطلع الحاج إسماعيل زهرة سلامي على مهمة أوكلت له من طرف الرئيس السابق، والمتمثلة في قبول الزواج من أحمد بن بلة. في البداية وعند إعلان النبأ صدمت زهرة سلامي من عرض الزواج، كيف ترتبط بشخص عارضته سياسيًا وهو يقبع في السجن.

في المقابل لم ترفض زهرة مقترح الزواج بل طلبت مقابلة المسجون سي أحمد، تقول زهرة سلامي لبعض مقربيها، أول ما فتح بن بلة عليها باب إقامته تسلل الحب والإعجاب إلى فؤادها، ودون إطالة وتفاصيل تم تحضير مراسيم الزواج خلال أيام معدودة.

معذرة سيدي الرئيس زهرة امرأة حرة

كانت تقرير خطوات ومشاريع زواج أحمد بن بلة تصل إلى مكتب الرئيس هواري بومدين، وعند إطلاعه أن العروس المرشحة هي زهرة سلامي، استدعى بومدين والد زهرة سلامي وحاول إقناعه بعدم الموافقة وتحريضه على الرفض، قائلًا " أحمد بن بلة من خصومي".

كان رد والد زهرة سلامي حاسم: ابنتي امرأة حرّة، لطالما وثقت بهاـ كانت الفرد الوحيد في عائلتي من تعرف أنشطتي السرية الثورية وساعدتني كثيرًا في المهمة، كانت شجاعةـ معذرة سيدي الرئيس لا أستطيع إخبار ابنتي بمن تتزوجه، هذا قرارها.

تعرف بومدين على زهرة سلامي خلل لقاءات صحفية وإعلامية كثيرة، ويتداول أن زهرة سلامي كانت من بين النساء اللواتي أعجب بهن هواري في إطار مشروع وبحثه عن زوجة.

حياة رفقة بن بلة

بعد عقد القران بين زهرة سلامي وأحمد بن بلة، تبدلت وتغيرت حياة زهرة وأصبحت مليئة بالنشاط السياسي والنضالي، وانقطعت علاقاتها الخارجية، سواءً تحت ضغط أجهزة مخابرات قاصدي مرباح، أو بفعل إرادتها لكيلا تلحق الضرر بأصدقائها وزميلاتها، وطوال فترة الإقامة الجبرية بمسيلة حافظت زهرة رفقة بن بلة على حياة رومانسية تزينت بكثرة المطالعة والقراءة.

بعد وفاة هواري بومدين، قرار الرئيس شاذلي بن جديد سنة 1980 الإفراج عن أحمد بن بلة ليختار الزوجان العيش في المنفى بين باريس وجنيف.

في سنة 2010 توفيت زهرة سلامي بباريس بعد مرض عضال، حظيت بجنازة رسمية حضرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكبار المسؤولين في الدولة وتم تكريمها والتنويه بمسارها الثوري والعائلي والشخصي.

بعد رحيل زهرة عن الحياة، فارق أحمد بن بلة الحياة عن عمر ناهز 94 سنة

مثل هواري بومدين، لم يُرزق الزوج أحمد بن بلة وزهرة سلامي بأبناء، لكن تبنيا صبيًا وابنتين، وبعد رحيل زهرة عن الحياة، فارق أحمد بن بلة الحياة عن عمر ناهز 94 سنة، وبعد مسيرة أمضاها في النضال وبين السجن والمنفى.

 

 

 

دلالات: