نقلت عدّة وسائل إعلام إيطالية وإسبانية في الأيام الأخيرة، أخبارًا عن وصول قوافل من المهاجرين السرّيين الجزائريين إلى الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسّط، في موجة جديدة لـ "الحراقة" بعد تخفيف إجراءات الحجر الصحّي في أوروبا، وضبابية الأفق السياسي والاجتماعي في الجزائر.
الأعداد المعلن عنها لا تعبّر عن العدد الحقيقي للمهاجرين السرّيين الذين يصلون السواحل الجنوبية لأوروبا
أعادت هذه الموجة من "الحرقة" نحو أوروبا طرح أسئلة جديدة قديمة، تتعلّق بفشل سياسات الحكومات المتعاقبة قي مكافحة هذه الظاهرة، وعدم تقديمها حلولًا لوقف هجرة الشباب عبر قوارب الموت باتجاه شمال المتوسّط.
اقرأ/ي أيضًا: رحلات "الحراڨة" الجزائريين نحو أوروبا ... استراحة إجبارية بسبب كورونا
وفود غفيرة
بينما كان الجزائريون العالقون في الخارج يطلقون العنان لاستغاثاتهم من أجل إجلائهم إلى أرض الوطن، وهو ما كان لـ 637 جزائري عالقين بإسبانيا استطاعوا أن يعودوا إلى الوطن في الـ 23 تموز/جويلية الماضي، بعد طول انتظار بسبب جائحة كورونا، كان آخرون في الجزائر يسعون بكل الطرق للوصول إلى السواحل الإسبانية والإيطالية في رحلات سرّية، وهو ما تحقق لأكثر من 400 جزائري خلال الفترة ذاتها.
في مطلع شهر آب/أوت الجاري، أفادت وسائل إعلام إسبانية أنه تم توقيف 26 جزائريًا وصلوا إلى موريسا عبر ثلاثة قوارب مطاطية، كان بينهم امرأتان وطفلان قاصران.
يبدو أن هؤلاء المهاجرين استغلوا مناسبة العيد لتنفيذ رحلتهم البحرية، كون أنها فترة قد لا تلفت الأنظار كثيرًا، ويستطيعون خلالها الفرار من دوريات حرس السواحل، حيث شكل تدفق الحراقة الجزائريين على السواحل الإيطالية والإسبانية في الأيام الأخيرة جدلًا في هاتين الدولتين، خاصّة إسبانيا، التي عرفت في يوم وحد وصول أكثر من 400 مهاجر جزائري سرّي.
قبل أيام قليلة، ذكرت وسائل إعلام إسبانية أن 31 قاربًا وصل إلى منطقة مورسيا على متنها 418 مهاجرًا سرّيًا، واستقبلت أليكانتي 12 قاربًا على متنها 79 شخصًا خلال 24 ساعة فقط، مشيرة إلى أن أغلب هؤلاء جاؤوا من الجزائر، وبينهم أطفال ونساء.
وقالت صحيفة " فريداد" إن إسبانيا عرفت أكبر موجة للحراقة الجزائريين في الـ 26 تمّوز/جويلية الماضي، إذ وصل إلى سواحلها خلال 24 ساعة فقط 454 حراقًا، أخضعوا لفحص طبّي أظهر إصابة سبعة منهم بفيروس كورونا.
وما يخيف في هذه الأرقام، أن الأعداد المعلن عنها لا تعبّر عن العدد الحقيقي للمهاجرين السرّيين الذين يصلون السواحل الجنوبية لأوروبا، ويستطيعون الولوج إلى القارة العجوز دون التفطن لهم من قبل الجهات الأمنية، بفضل شبكات الاتجار بالبشر التي تعمل على ضفاف المتوسّط، وتجني مبالغ بالعملات الأجنبية مقابل تسهيل رحلات الهجرة السرية والحيلولة دون الوقوع في حواجز السلطات المختصّة، كما تظلّ أرقام من يلقون حتفهم في عرض البحر في كثير من الأحيان مجهولة.
فشل حكومي ؟
تشير أرقام وزارة الدفاع الوطني إلى أنه في الـ 30 تمّوز/جويلية المنقضي فقط، أحبطت هجرة 112 شخص كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع بكل من وهران وتلمسان وعنابة، كما تم يوم 28 من الشهر ذاته، إحباط محاولات هجرة 103 آخرين على متن قوارب تقليدية الصنع بكل من وهران وتلمسان وعنابة وسكيكدة والطارف، ورغم الجهود التي تقوم بها فرق حرس السواحل على طول شريط بحري يتعدى طوله 1200 كيلومترًا، لاعتراض طريق رحلات الهجرة السرّية، إلا أن السياسات المتعاقبة في معالجة هذه الظاهرة جعلت أي جهدٍ يصب في كبح الجزائريين عن السفر عبر قوارب الموت نحو أوروبا غير كاف للحدّ منها.
وبعد أن شهدت الجزائر توقفًا شبه كلي لرحلات الهجرة السرية في الأسابيع الأولى للحراك الشعبي، الذي انطلق في الـ 22 شباط/فيفري 2019، عادت زوارق الحراقة للإبحار من جديد نحو الشمال، بسبب عدم تقديم الحكومة أيّ حلول مقنعة حتى مع انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون قبل 8 أشهر من الآن، في الـ 12 كانون الأول/ديسمبر 2019.
ويظهر التخبط الذي تعيشه الحكومة للتعامل مع هذه الظاهرة على الأقل، في التخلي عن الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية الوطنية بالخارج بعد تجربة لم تقدم شيئا مع كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية والكفاءات في الخارج، السابق رشيد بلادهان،الذي لم ينفذ خطة عمل واضحة طيلة نصف عام حول الإجراءات المتخذة لحماية الجزائريين من الهجرة السرّينحو أوروبا، وبعده تبعه رفض النائب سمير شعابنة تولي هذه الحقيبة بسبب شرط التخلي عن الجنسية الفرنسية الذي يقره القانون في المناصب السامية.
واكتفى الرئيس تبون في الأخير بتعيين النائب نزيه برمضان مستشارا لدى رئيس الجمهورية مكلفا بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية بالخارج، وهو الذي لا يملك تجربة في التعامل مع قضايا الجالية مقارنة بشعابنة وبلادهان، رغم أن الربط بين الحركة الجمعوية وملف الجالية قد يصب في الاتجاه الصحيح؛ لأن معالجة ظاهرة الحرقة اجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى حتى وإن كانت جذورها سياسية، إلا أن ضعف المجتمع المدني الجزائري الذي تم تدجينه خلال حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقية، يجعل إمكانية المزاوجة بين الملفين صعبا على الأقل في الوقت الحالي.
لا يستبعد أن يصطدم عمل نزيه برمضان في شقه الجمعوي مع عمل عيسى بلخضر مستشار رئيس الجمهورية
ولا يستبعد أن يصطدم عمل نزيه برمضان في شقه الجمعوي مع عمل عيسى بلخضر مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالحركة الجمعوية. ومع انشغال السلطة بالتصدي لوباء فيروس كورونا، والبحث عن التقليل من تبعاته الاقتصادية والصحيّة وحتى السياسية بتأجيل الاستفتاء على التعديل الدستوري الجديد، يبقى إيجاد حلول حيقية لظاهرة الهجرة السرّية والحد منها مؤجلًا إلى تاريخ يبدو بعيدًا.
اقرأ/ي أيضًا:
ترجمة | الهجرة السرّية إلى الجزائر.. أكبر مما تستقبله أوروبًا يوميًا