لطالما تمّ التعامل مع "فيسبوك" في الفضاء الجزائري، من طرف النّخبتين السّياسية والثقافية، على أنّه لعبة أطفال. لكنّه كان يكرّس، في غفلةٍ منهما، مفاهيمَ جديدةً في التواصل والاتصال، ممّا عزّز انفصال الجيل الجديد عنهما وعن خطابيهما، حتى باتتا تمثلان له مظهرًا من مظاهر العرقلة والقدامة.
لطالما تمّ التعامل مع "فيسبوك" في الجزائر، من طرف النّخبتين السّياسية والثقافية، على أنّه لعبة أطفال
في المجال الأدبي مثلًا، كان الكاتب الجديد لا يستطيع أن يُثبت وجوده إلا عبر تزكية اسم مكرّس أو شلّة نافذة. وقد حدث أن لعبت تلك الأسماء والشّلل البارزة أدوارًا قذرة في تقزيم مواهبَ كبيرة ووأد أخرى، لأنها كانت متحكّمة مباشرة في منافذ الضّوء. أما اليوم فقد بات ممكنًا لكاتب من بقعة نائية أن يتواصل مباشرة مع المنابر المؤهلة لأن تحتفي بنصّه في مشهد عربي أو غربي، مع مراعاة الفارق بين المعرّبين والمفرنسين في هذا الباب بالذات.
اقرأ/ي أيضًا: رسالة إلى الإمام الجزائري
لقد اكتشفتُ في السّنوات الثلاث الأخيرة، من خلال المعرض الدّولي للكتاب، أسماء جديدة تمامًا، نشرت في دور نشر عربية وازنة، من غير أية وساطة تقليدية، وما كان لها أن تظهر بهذه البساطة لولا نعمة فيسبوك. مع العلم أنّ من ثمار فيسبوك أيضًا ظهورَ نخبةٍ مغشوشة ومحدودة الموهبة نسّقت مع تجار النشر والجوائز في الفضاء العربي، وهذا معطى يُناقش في سياق آخر.
أمام هذا الواقع الجديد، انقسمت النخبة التقليدية إلى ثلاثة أقسام. واحد تغلّب على أنانيته وزكّى الواقع الجديد، وثانٍ غلبته نفسه فهاجمه وسفّه أحلامه، معتقدًا أنه يستطيع أن يوقف مجرى النهر، وثالث التزم صمتَه وسمتَه.
لقد لعب فيسبوك، في المشهد الأدبي الجزائري، دور الطريق المزدوج، بحيث يسير كلّ سائق بحسب طاقة مركبته، بعد سنوات متعبة من إكراهات الطريق الأحادي، إذ كان صاحب المركبة المقتدرة يضطرّ إلى الإبطاء، فقط لأن أمامه مركبة عيّانة تحتكر المجال. والحديث قياس على حقول أخرى. ففي السياسة مثلا لم يعد أصحاب الأحزاب المعارضة تحت رحمة الإعلام الحكومي الذي كان يواكب مواقفها ونشاطاتها وفق مزاج السلطة القائمة سخطا ورضا، فيضيئها في المفاصل التي تكون مرضيًا عليها ويوغل في التعتيم في حالات السخط عليها والخوف منها.
إذا ما تداعى الفسابكة الجزائريون على أحد إلا شوهوه أو دفعوا به إلى الإقالة
لقد اكتسب الفسابكة الجزائريون سلطة باتت جديرة بالانتباه، حتى أنهم أسقطوا مشاريع وعدلوا أخرى ودفعوا بمشاريع كانت مؤجلة أو مرفوضة من طرف الحكومة الى التنفيذ. ونقلوا موقع رعب المسؤول السياسي والحكومي من الإعلام الكلاسيكي إلى فيسبوك، إذا ما تداعى الفسابكة على أحد إلا شوهوه أو دفعوا به إلى الإقالة. وهو ما دفع بكثير من الوجوه الحاكمة الى الخروج من جحورها وانشاء حسابات فيسبوكية لها لتدافع عن نفسها وتسويق برامجها ومواقفها ومقولاتها.
اقرأ/ي أيضًا: في زمن خالد صلاح
هنا يصبح هذا السؤال منطقيًا: لماذا فشل الجزائريون في لفت أنظار الحكومة إليهم في الواقع، حتى أنها تتصرف في نتائج الانتخابات كما يحلو لها، مثلما حدث مع الانتخابات التشريعية عامي 2012 و2017، ونجحوا في ذلك على مستوى فيسبوك؟ هل هو مؤشر على انفصام يحتاج أن يدرس ويحلل، أم أن الأمر مؤشر على بداية تشكل وعي مدني سيمضي قدمًا ويصبح له امتداد في الواقع؟
لقد خرج الجزائريون منهكين من عشرية العنف والإرهاب، بما خلفته من قتلى وجرحى ومعطوبين ومهجرين، ومن خوف من العودة اليها إن هم باشروا خطوة في اتجاه الاحتجاج على النظام القائم الذي استغل الوضع وراح يقدم نفسه على أنه صمام الأمام. فمنحهم فيسبوك بصفته سلطة افتراضية نفسًا جديدًا في الواقع، وأدركوا أن التغيير ممكن سلميًا، ولا شك في أن الفترة القادمة لن تكون سهلة على الحكومة القائمة التي تعودت على أن تمرر المشاريع والوجوه والتوجهات من غير أن تحسب للرأي العام حسابًا، مثلما حدث مع التعديل الدستوري الأخير. وستكون الانتخابات الرئاسية عام 2019 هي المحك الذي يتأكد فيه هذا.
اقرأ/ي أيضًا: