23-أكتوبر-2020

وزير الشباب والرياضة سيد احمد خالدي (الصورة: في بلادي)

 
لم تهدأ الزوبعة التّي أثارها والي وهران مسعود جاري بإهانته معلّمة في افتتاح الموسم الدّراسيّ، حتّى ثارت زوبعة شعبيّة أخرى؛ بفعل تصريح وزير الشّباب والرّياضة سيد علي خالدي، في معرض حديثه عن مزايا التّعديل الدّستوريّ، حيث قال إنّه تضمّن دسترة بيان أوّل نوفمبر لأوّل مرّة في تاريخ الجزائر المستقلّة، "واللّي ما عجبوش الحال يخرج من البلاد".
شبّه كثيرون تصريحات وزير الشباب والرياضة سيد احمد خالدي بتصريحات عمارة بن يونس المحسوب على بوتفليقة
لم يعد لقطاع واسع من الجزائريّين من حديث في الواقع والمواقع، غير ما اعتبروه إهانة من عضو الحكومة لجزائريّتهم، وعزفه على وتر حسّاس في ظرف حسّاس ما كان له أن يعزف عليه، بحسب البعض، لو كان يملك ثقافة رجل الدّولة، ولو لم يكن امتدادًا لعصابة بوتفليقة، فانبرى البعض لنشر صوره مع الوزير الأوّل السّابق أحمد أويحي الموجود في السّجن بتهمة الفساد.

كما تمّ استحضار تصريحات لمسؤولين في العهد البوتفليقيّ، تشبه عبارة سيد احمد خالدي، في إشارة إلى غياب الفوارق بين المرحلتين منها عبارة وزير التّجارة؛ يومها، عمارة بن يونس التّي لعن فيها آباء الجزائريّين الذّين لا يُحبّون جماعة عبد العزيز بوتفليقة.

يقول الكاتب عبد الكريم ينّينة، إنّ عبارتَي بن يونس في زمن بوتفليقة والخالدي في زمن تبّون تنتميان إلى حقل دلاليّ واحد "وهما تحملان معنى الإبعاد. فعبارة بن يونس، وهي سباب تقليديّ عند الجزائريّ، وتعني الطّرد من رحمة الله، قد صارت ضمن تراثه الشّفهيّ المرافق لنرفزاته السّرمديّة، أمّا العبارة الثّانية فتحمل صراحةً معاني الطّرد والإبعاد عن الوطن".

ويختم محدّث "الترا جزائر" بالقول: في الحالتين كلتيهما ثمّة محاولة احتكار لحقلين مشتركين هما الحقل الرّبّاني والحقل الوطنيّ. وهو احتكار لا يجوز أن يمارسه المواطن العادي فكيف برجل الدّولة".

هنا يطرح الباحث محمّد بن زيّان معطى عجز الجيل الجديد من رجال الدّولة في الجزائر عن ضبط المصطلحات؛ "بما يُؤدّي حتمًا إلى الوقوع في المحظور الذّي يتحدّد نضج المسؤول بتفاديه". يتساءل: "هل كان وز ير الشّباب والرّياضة سيستعمل تلك العبارة لو كان يملك الوعي الكافي باللّحظة السّياسيّة القائمة؟ إنّه نوع من المسؤولين يضرّ الدّولة من حيث يريد أن ينفعها لأنّه ليس متشبّعًا بقيمها وثقافتها".

فيسبوكيًّا تساءل الأكاديميّ مشري بن خليفة: "ماذا يحدث في هذا البلد؟ هناك انحدار خطير في الخطاب السّياسيّ والنّقاش الفكريّ وممارسات خاطئة لحرّية التّعبير. وعليه حدثت وتحدث الكثير من الانزلاقات على مستوى الواقع، ومن ثمّة كثر خطاب الكراهيّة من دون معالجة ولا رادع. إلى متى ونحن نعيش هذه الفوضى في المفاهيم والتّصوّرات والسّلوكات والمواقف والممارسات؟". بينما قال الكاتب الصّحفيّ المغترب محمّد حسين طلبي: "خرجنا ذات يوم من الوطن. لكنّنا ننتمي إليه أكثر منكم".

في السّياق؛ كتب الممثّل بوحجر بودشيش أنّه حاول دومًا أن يكون مواطنًا صالحًا وفنّانًا منتجًا، حيث أحرز شهادات مهنيّة وفنّيّة، لكنّه بقي بلا سقف ولا سيّارة. ثمّ يُخاطب وزير الشّباب والرّياضة بالقول: "أعترف بأنّني لست راضيًا عن الوضع لكنّني لن أرحل".

وبروح ساخرة قال النّاشط هشام بوسهلة، إنّ النّيابة العامّة التمست في حقّه غرامة ماليّة قدرها عشرة ملايين سنتيم بتهمة إهانة هيئة نظاميّة؛ "فهل أدفع لها المبلغ أم أستغلّه في الهجرة؟".

في سياق الرّأي الآخر كتب النّاشط مراد غزال في تدوينة له أنّ الوزير صرّح أنّه على من أزعجته دسترة بيان أوّل نوفمبر أن يغادر البلاد؛ "ولكنّ الكثيرين الذّين لم يُتعبوا أنفسهم حتّى بمشاهدة الفيديو فهموا أنّ الوزير يوجّه كلامه لكلّ الجزائريّين. لن نكون ممّن يستعمله البعض بمخطّطاته".

ويتوسّع مراد غزال في شرح فكرته: "لا يجوز إخراج كلام الوزير عن سياقه وإطلاق تصريحه جزافًا لضرب شخصه وسياسته التّي تزعج البعض".

يبدو أنّ هناك تشنّجًا غير معلن بين قطاع واسع من الجزائريّين والمنظومة السّياسيّة الحاكمة

يبدو أنّ هناك تشنّجًا غير معلن بين قطاع واسع من الجزائريّين والمنظومة السّياسيّة الحاكمة المنبثقة عن انتخابات كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، بما بات يمنح لأيّ تصرّف أو تصريح غير محسوب من أحد وجوه هذه المنظومة القدرة على إثارة موجة شعبيّة من الانتقاد والسّخريّة. فهل يكفي التّعديل الدّستوريّ القادم وحده لامتصاص هذا التّشنّج، أم أنّ الرّئيس عبد المجيد تبّون سيجد نفسه مطالبًا بإجراءات إضافيّة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

"حراك ميمز".. ثقافة السخرية في مواجهة التعصّب السياسي

كورونا على حسابات الجزائريين.. كثير من السخرية، قليل من الجدّية