06-ديسمبر-2020

أمام مبنى البريد المركزي بالعاصمة الجزائرية (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

بعد تزايد المشاكل بمنطقة الساحل، وظهور لاعبين جدد بالمنطقة، اضطرت الجزائر أن تتحرّك إلى الجنوب وتحاور حتى  من  كانت لا تصنّفهم ضمن أولوياتها بالقارة السمراء، فخلال الأيام الأخيرة، قام وزير الخارجية صبري بوقدوم بمباحثات لأوّل مرة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإكواس"، وبعث المشاورات بشأن خط الغاز الجزائري النيجري.

 الدبلوماسية الجزائرية تلقّت انتقادات كثيرة بسبب إهمال عمقها الأفريقي في السنوات الأخيرة

في هذا السياق، كانت الدبلوماسية الجزائرية تتلقى انتقادات كثيرة بسبب إهمال عمقها الأفريقي في السنوات الأخيرة، واكتفائها ببعض الخطابات التي صارت لا تتماشى مع مستجدات الوقت الراهن.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة مالي.. الجزائر تبحث عن مسكّن لصداعها الجنوبي

وزير الخارجية الجزائري استغلّ الزيارة التي قادته قبل أسبوع إلى نيجيريا، لإجراء مباحثات مع رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإكواس" جان كلود كاسي برو.

وتضم "إكواس" 15 بلدًا هم بنين، وبوركينا فاسو، والرأس الأخضر، وساحل العاج، وغامبيا، وغانا، وغينيا بيساو، وليبيريا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، وسيراليون، وتوغو وغينيا.

سابقة في الجزائر

وحسب بيان للخارجية الجزائرية، فإن هذه الزيارة الرسمية تعد الأولى من نوعها لوزير جزائري إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "الإيكواس"، مضيفًا أن الطرفين قد تبادلا "بشكلٍ مثمر للغاية" وجهات النظر حول القضايا الرئيسية في المنطقة.

وأضاف البيان أن بوقدوم وكاسي برو أجريا "نقاشًا بناء ومنفتحًا حول سبل ووسائل تعزيز التعاون بين الجزائر ومنظمة غرب أفريقيا في المجالات السياسية والأمنية، لاسيما في منطقة الساحل".

ووفق بيان وزارة الخارجية، فقد سجل الطرفان "بارتياح كبير، تقارب وجهات نظرهما حول القضايا الرئيسية التي تخصّ المنطقة.

 واتفقا الجانبان على ضرورة تضافر جهودهما عبر إنشاء آلية للتشاور بين الجزائر و"الإيكواس"، تهدف بشكلٍ خاصٍّ إلى تطوير العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية بينهما".

ورغم علاقاتها المتينة مع بعض أعضاء "إكواس"، إلا أن الجزائر لم تحاول سابقًا الانضمام لهذا التكتّل الذي يعد من أبرز المجموعات الاقتصادية بالقارة السمراء، كما لم تسع للتعاون معه كهيكل موحّد.

وخلال أزمة مالي الأخيرة التي نتجت عن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كايتا، ظهرت الجزائر منافسًا لهذا التكتل ومختلفة معه على عملية الانتقال السياسي في بماكو.

وقال الرئيس عبد المجيد تبون في مقابلة تلفزيونية دون أن يسمّي مجموعة "إكواس"، إن الجزائر لم تتحادث ولم تتشاور مع أيّ طرف دولي خارجي بخصوص المسألة المالية، وأن 90% من الحلّ المالي جزائري، مضيفًا "نؤكّد أنه ليس هناك حلّ بشمال مالي إلا بالرجوع لاتفاق الجزائر 2015".

تحرّك أمني واقتصادي

لا يتعلّق تحرّك الجزائر نحو مجموعة "إكواس" فقط بالجانب الدبلوماسي وبعث العلاقات بين الطرفين، ولكن له أبعاد أخرى في مقدّمتها الاقتصاد والأمن، بالنظر إلى أن الجزائر تربطها ببعض الأعضاء علاقات وطيدة، كنيجيريا ومالي والنيجر على سبيل المثال.

وفي الجانب الأمني، ليس للجزائر ولدول "إكواس" حلّ آخر إلا التعاون فيما بينهم لمحاربة الإرهاب والتشدّد بمنطقة الساحل، بالنظر إلى أن كلّ الدول تتأثر بتبعات تردي الوضع الأمني هناك.

 ولأنّ الأعمال الإرهابية صارت عابرة للحدود، وتتغذّى في المنطقة بوجود جهات خارجية بدول الساحل في مقدّمتها فرنسا التي تسمح عملياتها العسكرية للجماعات الإرهابية بأن تجد مبرّرًا لنشاطها هناك، وهو وضع يحتم على الجزائر توسيع تعاونها، وبالخصوص بعد فشل تكتل دول الساحل الذي تشرف عليه باريس في التقليل من الخطر الإرهابي.

وزادت عملية دفع الفدية للإرهابيين مقابل الإفراج عن رهائن غربيين بمالي والساحل من تخوّفات الجزائر من عودة الاضطراب إلى المنطقة، وبالخصوص بعدما بات واضحًا أن فرنسا سترمي بكل ثقلها ومهما كان الثمن لعدم فقدان نفوذها في المنطقة بعد ظهور لاعبين جدد بالساحل الصحراوي مثل روسيا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، وهو وضع يخيف الجزائر كثيرًا ويستدعي تحركًا على جميع الأصعدة، لأن تبعاته ستصل إلى ليبيا التي ليست في حاجة لتأزم حالتها أكثر، لأن ذلك يعني اشتعال الحدود الجزائرية من كل جانب، وهو ما يتطلب حشدًا عسكريًا كبيرًا على الشريط الحدودي ورصدًا جديدًا لتحرّك الأموال.

أما من الناحية الاقتصادية، فالجزائر التي يتحدّث مسؤولوها عن استهداف السوق الأفريقية، والاستفادة من دخول اتفاق منطقة التبادل الحرّ الأفريقية حيز التنفيذ العام المقبل، تشكل دول مجموعة "إكواس" سوقًا جديرة بالاهتمام وتوريد المنتوج الجزائري نحوها، وبالخصوص في حالة تنفيذ مشروع ميناء الحمدانية بتيبازة وبعث مشروع الطريق العابر للصحراء.

وإضافة إلى الجانبين السابقين، فالجزائر مضطرة اليوم للبحث عن عمقها الأفريقي وبناء علاقات مع "إكواس"، خاصّة في إطار تنافسها الدائم مع المغرب حول أحقية كل بلد بأن يكون أساس الشمال الأفريقي.

ومعلوم أن الرباط قدّمت في 2017 طلبا للانضمام إلى "إكواس"، لكن طلبها لا يزال حتى اليوم محل دراسة، كما أن موريتانيا تقدّمت هي الأخرى بطلب العودة إلى المجموعة التي غادرتها في عام 2000، غير أن الموافقة على هذا الطلب يبقى مؤجلًا هو أيضًا.

البداية بالطاقة

ولأن تعزيز العلاقات مع مجموعة "إكواس" يمر عبر نيجيريا التي تحتضن مقرّ هذا التكتّل، أجرى بوقدوم بالعاصمة أبوجا محادثات مع الرئيس محمدو بخاري، ومع نظيره النيجيري جيفري أونياما.

وأجرى بوقدوم وأونياما تقييمًا شاملًا للتعاون الثنائي متعدّد القطاعات بين الجزائر ونيجيريا، وشدّدا على "أهمية تنفيذ المشاريع الثلاثة الرئيسية التي تمّت بلورتها بالفعل، وهي الطريق العابر للصحراء (طريق الوحدة الإفريقية سابقًا) وخط أنبوب الغاز والوصل عن طريق الألياف البصرية".

وبحث الوزيران سبل ووسائل تعزيز المبادلات التجارية وتشجيع مجتمعي الأعمال في البلدين على استكشاف الفرص الاستثمارية التي يوفّرها الجانبان، وشدّدا على ضرورة عقد الدورة الخامسة للجنة العليا المختلطة في أبوجا في أقرب وقت ممكن.

وإذا كانت الجزائر قد أنهت تنفيذ الجانب المتعلّق بها في الطريق العابر للصحراء، وتطلب مشروع الألياف البصرية مجهودات أكبر، فإن مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء المعروف باسم "نيغال" الذي سيربط لاقوس النيجيرية بالجزائر مرورًا بالنيجر وصولًا إلى إسبانيا رغم تكلفته الكبيرة يعد الأقرب للتنفيذ رغم تكاليفه الكبيرة ومصاعبه، غير أن ما قد يوفّره من فوائد اقتصادية وإستراتيجية للبلدين الطاقويين والعضويين بمنظمة "أوبك" يجعل البحث عن آليات تسريع انجازه من أولويات البلدين.

ويمتد أنبوب الغاز نيجيريا الجزائر على طول يقارب 4128 كم، ويستهدف نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًا نحو أوروبا.

ورغم أن فكرة المشروع تعود إلى القرن الماضي، إلا أن بداية الاتفاق عليه تعود إلى كانون الثاني/جانفي 2002، لما وقعت شركة "سوناطراك" البترولية مذكرة تفاهم مع الشركة الوطنية النيجيرية للنفط، وفي 2009 انضمت النيجر إلى المشروع، غير أنه بقي في الغالب مجرد اتفاق، ليعاد بعثه في 2018 لما اتفقت نيجيريا والجزائر على ضرورة أن يدخل المشروع حيّز التنفيذ، خاصة مع التقلبات التي أصبحت تعرفها سوق النفط، والتنافس الدولي الذي صار جاريًا حول سوق الغاز.

غير أن نية البلدين في تنفيذ هذا الأنبوب الغازي يصطدم بتكلفته التي تقارب 20 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم لا يستطيع البلدان المنهكان بمشاكلهما الداخلية تنفيذه لوحدهما، لذا يبقى خروجه إلى النور مرهونًا بإيجاد شركاء غربيين قادرين على الاستثمار في هذا المشروع.

اهتمام الجزائر بعمقها الأفريقي يبقى خطوة في الاتجاه الصحيح إذا كان هذا التحرّك مدروسًا

والأكيد أن اهتمام الجزائر بعمقها الأفريقي حتى ولو فرضته اليوم المتغيرات السياسية الجديدة، إلا أنه يبقى خطوة في الاتجاه الصحيح إذا ما كان هذا التحرّك مدروسًا وبأبعاد وأهداف على كل المستويات

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر ترفض "انقلاب مالي"

أطماع فرنسية في ليبيا.. يدٌ مع الوفاق وأخرى على النفط