24-يونيو-2022
زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى مدينة وهران (فيسبوك/الترا جزائر)

زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى مدينة وهران (فيسبوك/الترا جزائر)

هي المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ولايات داخلية، إذ قام منذ الخميس بزيارة إلى عاصمة الغرب الجزائري وهران، قبيل الافتتاح الرسمي لألعاب البحر الأبيض المتوسط، إذ سبق هذه التظاهرة زيارة عمل وتفقّد والوقوف على مشاريع كبرى في المنطقة.

الخرجة الأولى للرئيس فتحت الباب أمام تساؤلات حول عدم قيام الرئيس بزيارات للداخل الجزائري منذ 28 شهرًا من حكمه للبلاد

هذه الخرجة الأولى للرئيس، فتحت الباب أمام تساؤلات حول عدم قيام الرئيس بزيارات للداخل الجزائري منذ 28 شهرًا من حكمه للبلاد، وذلك ما أرجعه مراقبون إلى الوضع الصحي الوبائي الذي عاشته الجزائر والعالم بسبب تفشي كورونا، فيما ذكر البعض أن الوضع السياسي الخارجي طغى على السياسة الجزائرية.

رافق استقبال الرئيس في مطار وهران، عرض جوي نفذته أربع مقاتلات تابعة للقوات الجوية الجزائرية، في تقليد جديد ظهر للمرة الأولى عند عودة الرئيس تبون من زيارته الأخيرة إلى إيطاليا، واختار الرئيس تبون أن يستقل مروحية خاصة للتنقل إلى بعض النقاط في زيارته إلى هذه الولاية.

في هذا السياق، نقلت قنوات محلية مشاهد لاستقبال شعبي للرئيس تبون من طرف مجموعة محدودة من المواطنين، خلال تدشينه مرافق رياضية ومنشآت خدمية، من بينها الملعب الكبير لوهران، الذي سيقام فيه حفل الافتتاح للتظاهرة الرياضية المتوسطية.

 وقال بيان للرئاسة الجزائرية، إن الرئيس تبون وضع حجر الأساس لعدد من المشاريع التنموية في الولاية. فعلاوة على المنشآت الرياضية الجديدة، دشّن محطة جوية جديدة بمطار وهران الدولي، وملعب كرة قدم يسع لـ 40 ألف متفرج، إضافة إلى مستشفى للحروق ومحطة لتحلية مياه البحر والقرية المتوسطية، والتي ستكون محلّ إقامة الرياضيين من مختلف الدول المشاركة في فعاليات التظاهرة الرياضية.

الملاحظ أنها لأول مرة يقوم فيها رئيس جزائري عملية تفقد المشاريع عن طريق مروحية رئاسية من إلى الغرب الجزائري، وهي لها دلالة أخرى بعدما كانت زيارات الرؤساء والمسؤولين الجزائريين تسبب إزعاجًا للمواطنين بسبب توقيف حركة السير حتى يمرّ الموكب الرئاسي.

 الفعل السياسي

تراهن السّلطات الجزائرية على هذه التّظاهرة الرياضية كنافذة تطلّ بها على العودة إلى الواجهة الدولية، إذ تبرز زيارة تبون إلى وهران مكان احتضان الفعاليات، له دلالة رمزية وسياسية في آن واحد، إذ زار الولاية يومين قبل الانطلاق الفعلي للتظاهرة، فالبعض يرى أنها رهان كبير وتحدي للجزائر كإطلالة منها على العودة فعليا للمسرح الدولي.

ومن هذا المنطلق، قال الباحث في العلوم السياسية عبد الله سراي، إن الزيارة لوهران التي تحتضن حدثًا مهمًا باعتبارها أكبر حدث رياضي تستضيفه الجزائر منذ بداية التسعينيات، إذ سبق للجزائر أن استضافت القمة الإفريقية عام 1990، في ظرف سياسي وأمني عسير، فيما لم تحتضن أية بطولة رياضية بهذا النّوع وهذا الحجم.

وأضاف محدّث " الترا جزائر" أن البلاد وقتها دخلت عشرية الدم والتشتت الاجتماعي، ومرّت بفترة أمنية رهيبة جعلتها تتأخر عن ركب العالم الخارجي في عدة قطاعات ومنها احتضان تظاهرات بهذا الحجم.

وبالعودة للحدث الرياضي العالمي، اهتمت الدولة بالكثير من الترتيبات، وهو ما دفع بالسلطات أن تقف على كلّ كبيرة وصغيرة ومن الرئيس شخصيًا لتكون الجزائر في مستوى هذا الحدث الرياضي، خاصة وأنه سيكون بمشاركة عدد من الشخصيات الرسمية العربية والدولية.

لقاء بالمواطنين لأول مرة

بعيدًا عن هذه الزيارة المرتبطة بمناسبة رياضية، يعتبر نزول الرئيس تبون للشارع الجزائري من بوابة عروس البحر المتوسط، الأولى من نوعها إلى العمق المحلي منذ انتخابه على رأس الدولة أي منذ كانون الأول/ ديسمبر 2019، بعدما كانت له خرجات في عديد الدول، آخرها إيطاليا، رغم أن الرئيس فور انتخابه، وفي تصريحات له ردًا على الصحافيين قال إنه ستكون له جولة ميدانية لعدد من الولايات، متعهدًا باهتمامه بالداخل قبل الخارج.

سياسيًا، ومنذ سنة 2019، عرفت الجزائر حراكًا شعبيًا وتوترًا بفعل المظاهرات واستمرارها إلى غاية 2020، إذ جرى السباق الرئاسي في جو" مشحون شعبيًا، ووصل المرشح تبون آنذاك إلى قصر الرئاسة بالمرادية، وهو محمّل بإرث ثقيل من مخلفات سابقه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة وفي يده وعود تضمنها مشروعه الانتخابي وتعهدات من 54 محورًا ينتظر تنفيذها على الأرض، ثمّ الوقوف على المشاريع الحكومية في مختلف الولايات، وإعادة عجلة التنمية لمختلف مناطق الهامش أو ما أطلق عليها شخصيًا بمناطق الظلّ.

زيارات محدودة

خلال الأشهر الأولى من ولايته الرئاسية الأولى، قام الرّئيس تبون بزيارات محدودة إلى عدة مناطق في العاصمة الجزائرية، ومنها معاينة تقدم الأشغال في مسجد الجزائر الأعظم، وافتتاح معرض الإنتاج في الجزائر (2019)، أو زيارته مقر وزارة الدفاع.إضافة إلى تدشين جدارية للجزائريين المنفيين من قبل الاستعمار الفرنسي إلى كاليدونيا (في ساحة الشهيد بوجمعة حمّار وسط العاصمة)،

أما خارج العاصمة الجزائرية، لم يجر الرئيس تبون أية زيارة داخلية للولايات، إذ تأتي الرياح بما لا تشتهيه إرادة المسؤول الأول في البلاد، أمام تفشي وباء كورونا، وتسليط كلّ الإمكانيات الخاصة بمكافحته وتركيز مجهودات السلطة في تطويق أزمة صحية ألمت بالبلاد كما العالم.

الواقعية

يرى بعض المتابعين للشّأن السياسي أن الوضع الوبائي أخلط أجندة الرئيس المحلية أو الداخلية، ولكنه في المقابل باشر زياراته للخارج في إطار سياسي دولي محتدم المصالح والرؤى والتهديدات الإقليمية، بسبب "الضرورة الواقعية" حسب تصريحات وثقتها "الترا جزائر"، حتّمت عليه البدء في الاتصال بعدد من رؤساء الدول والملوك والرؤساء.

وكانت أول زيارة للرئيس تبون، كانت ألمانيا وذلك للمشاركة في مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، إذ عاشت الجارة الشرقية تصعيدًا أمنيًا خطيرًا، وتعتبر الجزائر فاعلًا أساسيًا في العودة للمسار السياسي لهذا البلد، ودولة محورية في مختلف جولات الحوار بين الفرقاء السياسيين.

كما قام الرئيس تبون بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في شهر فبراير/شباط 2020، وهي الزيارة الأولى له لدولة عربية، إذ كانت "فرصة لإعطاء ديناميكية جديدة للتعاون الثنائي وفتح آفاق واعدة للشراكة ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين".

ثم زار كل من تونس ومصر وقطر والكويت وتركيا وايطاليا. غير أن المتابعون يرون أن تفشي وباء فيروس كورونا، هو ما أدى إلى تعطيل تحركات الرئيس للولايات الداخلية، غير أن المعطيات السياسية منذ اعتلاءه الحكم تفيد بضرورة إعادة وضع ترتيبات مهمة على مستوى المؤسسات والأجهزة، في ظلّ ملفات الفساد التي طالت مختلف قطاعات الدولة الحكومية ومحاولة استقطاب الطبقة السياسية ومحاولة إعادة بناء علاقة ثقة مع الشعب .

ملفات الفساد 

لم يجد نزيل قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية، السلطة مهيأة، إذ باشر عمله كرئيس في وسط محموم بمخاطر الهزات الاقتصادية وأهمها ملفات فساد ثقيلة ومحاولة ترتيب بيت القضاء الذي واجه أكبر المحاكمات التي طالت رموزا وشخصيات سياسية سبق لها وأن كانت في دواليب السلطة، في المقابل استدعى الرئيس مسألة الحوار في بداية حكمه قصد بناء المؤسسات السياسية التشريعية ثم المجالس المحلية من بوابة إعادة النظر في الدستور والاستفتاء عليه كخطوة انتخابية أولى، ثم حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات نيابية.

بالإضافة إلى ما سبق، عين أخرى وجهتها السلطة على الشارع الذي فقد الثقة في المسؤولين، في موازاة مع تجديد الطاقم الحكومي إذ استهلك الجهاز التنفيذي أكثر من ثلاثة تغييرات في الوزراء وتوجيه سهام التقاعس للمسؤولين المحليين في تنفيذ الخيارات السياسية التي اتخذها الرئيس تبون.

في خضم كلّ ذلك تعرض الرئيس تبون إلى وعكة صحية تطلبت نقله للعلاج إلى ألمانيا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وهي المرحلة التي غاب فيها عن الساحة السياسية بسبب فترة العلاج التي تطلبت أربعة أشهر.

بعيدًا عن البهرجة

يبدو أن سلوك الرئيس تبون السياسي، بعيد كلّ البعد عن البهرجة والجماهيرية المعروفة بزخم الشارع والاستقبالات المظهرية، إذ علق الأستاذ في علم الاجتماع السياسي عبد الكريم ايحياتن من جامعة الشلف غرب العاصمة أن الجزائريين تعودوا على رئيس ينزل للشارع ويستقبل بحفاوة في عهدة بوتفليقة، غير أن تبون ينتهج نهجا آخر، إذ جاء في ظرف سياسي صعب بسبب الحراك الشعبي أولا وتراجع المداخيل المالية بسبب كورونا فضلا عن حالة انتقالية من فترة حكم غاب فيها الرئيس كوجه ورمز لسبع سنوات عن الواجهة. 

هناك جملة من الأسباب تجعل من الرئيس يخفت نزوله الجماهيري، إذ قال ايحياتن لـ"الترا جزائر" أن الفترة التي فاز فيها تبون بالرئاسة لم تكن بالمحصلة سهلة، إما سياسيا أو شعبيا أو اقتصاديًا، إذ وجب الاعتراف –حسبه-بأن "الإرث السابق لحصيلة 20 سنة كاملة ثقيل جدا، ويحتاج إلى تفكيك وترتيب".

لم يغامر تبون بالخروج للشارع، خاصة وأن الشعب الجزائري برمته كان لديه انتظارات كبرى بعد استقالة بوتفليقة في أفريل/نيسان 2019، لكن كان سقف الانتظارات والأمنيات عاليًا والحلّ ليس غدًا"، فنزوله للمناطق الداخلية يخالف كثيرًا "،حالة الصدمة التي عاشها الجزائريون بسبب أرقام الفساد الخيالية وحجم البطالة ومشكلات اجتماعية متراكمة فضلًا عن غلاء المعيشة".

كلها ملفات أخلطت أجندة الرئيس، ناهيك عن عدم وضوح الرؤية بسبب ضبابية المشد السياسي وخمول الفاعلين السياسيين من الأحزاب وغليان الشارع الذي حتى وإن خفت صوته ظاهريا إلا أنه يمكن أن ينفجر مرة أخرى وفي أي لحظة.

يعتقد رأي آخر أن هناك مبررات أخرى لعدم تنظيم زيارات ميدانية، أهمها تخصيص غلاف مالي ضخم لإدارة الأزمة الصحية التي وجب مجابهتها وتدحرج مختلف الملفات الأخرى إلى حين معالجتها، وحالة الإغلاق التي عرفتها الجزائر بسببها منعته من الخروج للشارع.

زيادة على الظرف الصحي قال النّاشط السياسي عن حزب جبهة التحرير الوطني كريم زروقي لـ" الترا جزائر" هناك عوامل ضرورية جعلت الرئيس يحجم عن النزول للميدان، أهمها سنّ القوانين وإجراء الانتخابات وتركيز المؤسسات العليا في البلاد وتحقيق استقرار على مستوى أجهزة الدولة.

توقّع النّاشط السياسي عن حزب جبهة التحرير الوطني كريم زروقي أن يباشر الرئيس زيارات ميدانية إلى مختلف الولايات في الفترة المقبلة

وتوقّع زروقي أن يباشر الرئيس بزيارات ميدانية إلى مختلف الولايات في الفترة المقبلة، معللا ذلك باستتباب الوضع الصحي فضلًا عن كسبه لرهان إقناع الطبقة السياسية بضرورة إعادة لمّ شمل الجزائريين وتوجيه التفكير في قادم المناسبات إلى التنمية والرفع من مستوى معيشة الجزائريين.