مدينة وهران التي تستضيف النسخة التاسعة عشر لألعاب البحر الأبيض المتوسط، في الفترة من 25 حزيران/جوان الجاري، إلى 5 حزيران/جويلية المقبل، فقدت أسماء فنّية لامعة أفنت حياتها في خدمة الفن والثقافة بالجزائر، إلى هنا تستعرض "الترا جزائر"، تزامنًا وألعاب البحر المتوسط.. وهران 2022، ثلة من ألمع وأشهر الفنانين في الموسيقى والغناء والمسرح والسينما الذين فقدتهم الباهية في العقود الأخيرة، فنانون أعطوا بحب للفن الجزائري لسنوات، وخلدوا في الذاكرة الثقافية الجزائرية والعربية.
الشاب حسني كان إنسانًا بسيطًا يلقبه كثيرون بصديق الفقراء والفنانين إذ كان يجيب بخط يده على رسائل بالمئات يرسلها إليه معجبوه
الشاب حسني
في الـ29 أيلول/سبتمبر عام 1994، بحي "قمبيطة" الشعبي بوهران، أسكتت أيادي الغدر، برصاصة في الرأس، صوت عندليب أغنية الراي، حسني شقرون، الذي كسب قلوب العشاق ومحبة الجمهور الجزائري، الذي لا يزال إلى يومنا هذا يسمع أغانيه ويحيي ذكرى رحيله.
الشاب حسني كان إنسانًا بسيطًا ومتواضعًا وحساسًا، يلقبه كثيرون بصديق الفقراء والفنانين، كان يجيب بخط اليد وبمساعدة شقيقته (بحسب حوار قديم له) على رسائل بالمئات يرسلها له المعجبون، من كل أنحاء الجزائر، لا يكلّ ولا يمل، يحترم جمهوره الذي نصبه أميرًا في موسيقى الراي وخاصّة في الأغنية الرايوية العاطفية.
حسني أطبق سيطرته على أغنية الراي في ظرف قصير..سبع سنوات فقط كانت كافية ليصبح نجمًا مشهورًا ومحبوبًا داخل وخارج البلاد رغم الإرهاب والقتل والعنف المنتشر في تسعينيات القرن الماضي.
غنّى حسني للأم، للحب وللحياة، وللأمل وللوطن، فترك عشرات الأشرطة السمعية (الكاسيت) التي تحتوي على مئات الأغاني مثل "طال غيابك يا غزالي"، "قالوا حسني مات"، "عمري عمري"، "طال الصبر طال"، "الشيرة لي نبغيها".. وغيرها.
حقق ألبومه "الفيزا" عند صدوره في 1992، مبيعات فاقت الـ250 ألف نسخة، وحطم ألبومه "البيضا مون أمور" رقم مبيعات خيالي قد بـ 120 مليون نسخة، كما حقق ألبومه "البراكة" 800 ألف نسخة،.. وغيرها من أعماله التي كانت بقعة ضوء وأمل في ظلام العشرية السوداء.
محمد حزيم
ارتبط اسم الفنان حزيم بفرقة "بلا حدود"، الشهيرة التي تضم مصطفى هيمون وحميد ومحمد حزيم. توفي محمد حزيم صانع البهجة والفرحة في سنوات العشرية السوداء في الـ4 ماي/آيار الماضي، عن عمر ناهز 70 عامًا، بعد صراع مع المرض.
ولد حزيم بمدينة سيدي بلعباس المتاخمة لوهران غربي البلاد، عام 1941، امتد مشواره الفني لنحو أربعة عقود كاملة، جعل منه نجمًا فوق العادة في سماء الفن والكوميديا بالجزائر.
في ريبرتوار حزيم مجموعة من الأعمال الكوميدية أشهرها سلسلة "بلا حدود"، إضافة إلى "فيروس في القصر"، "حرّاقة"، "الطبيب"، "بوضو"، "عائلة هايلة".. وغيرها.
هواري بوضو
محمد جديد يعرفه الجزائريون باسمه الفني (هواري) أو هواري بوضو، وافته المنية في الـ15 أبريل/نيسان 2018 عن عمر ناهز 52 عاما بعد معاناة مع مرض السرطان.
بدأ محمد جديد المولود عام 1968 بوهران، مشواره الفني وهو طالب ثانوي نهاية الثمانينيات، الفترة التي كانت تشهد فيها الجزائر انتفاضة شعبية في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، فواصل المسيرة رغم الظروف الصعبة والخطر المحدق بالفنانين والمثقفين والإعلاميين، مقدما عدّة أعمال كتب لها النجاح والرواج.
اشتهر هواري مع فرقة "الأمجاد" التي تضم إلى جانبه كل من الممثلين بوعبد الله نورالدين وعبد القادر وبختة، بحيث تمكن الثلاثي من فرض اسمهم وإبداعهم الذي ينقل الواقع ويوميات الجزائريين بعدّة أعمال فكاهية لطالما أمتعت الجمهور في رمضان.
وتألق هواري في عدّة أعمال كوميدية منوعة بين أفلام و"سكاتشات" أبرزها "الطماع"، "عيش تشوف"، "بلا تأشيرة"، "وجه لوجه"،.. وغيرها.
وأطلق اسم "بوضو" على محمد جديد نسبة إلى آخر أعماله الكوميدية سلسلة "بوضو"، التي عرضت أجزاؤها على شاشة التلفزيون الجزائري (الرسمي).
بلاوي الهواري
بلاوي الهواري، علم وهرم من أعلام الموسيقى الجزائرية، ترجل عن صهوة جواده في حزيران/جويلية عام 2017، بعد أن أثرى المكتبة الموسيقية في البلاد بأكثر من 500 أغنية، فضلًا عن عصرنته لطابع الفن الوهراني رفقة رفيق دربه الراحل أحمد وهبي.
في شتاء العام 1926 (شهر كانون الثاني/جانفي)، ولد بلاوي الهواري فنانًا أعطى الكثير للفن الجزائري وبالخصوص لللأغنية الوهرانية التي أضفى عليها طابعًا عصريًا دون أن تفقد وروحها ومعالمها وأسسها.
بداية بلاوي في الفن انطلقت سنوات الأربعينيات، عندما أسس فرقة موسيقية لأوّل مرة، وانخرط فيها فنانون كثيرون من بينهم أحمد وهبي، وتمكن من تسجيل إلى أسطواناته، التي فتحت الباب لإنتاج فنّي غزير بداية الخمسينيات تجلى في أغاني كتبها ولحنّها وغنّاها بنفسه وأخرى أدّاها فنانون آخرون.
ورغم تعيينه في مناصب حكومية من بينها مديرًا للمسرح الوطني الجزائري ومديرًا لإذاعة وهران الجهوية، غير أنّ بلاوي بقي وفيا لعشقه الأوّل الغناء والموسيقى.
وخلال مسيرته كتب ولحّن بلاوي نحو 500 أغنية في الطابع الوهراني والبدوي والملحون، بعضها أدّاها فنانون مثل الشاب خالد، هواري بن شنات، وغيرهم، ولعل أشهر أغانيه التي يحفظها الجزائريون اليوم عن ظهر قلب "بيا ضاق المور"، "يا لوشام"، "المرسم"، "أرسم وهران"، "زبانة" التي تعتبر مرثية لشهيد الثورة الجزائرية أحمد زبانة ابن مدينة وهران الذي استشهد في 19 يونيو/جوان 1956... وغيرها.
صباح الجزائرية
فاطمة الزهراء بن تابت، الشهيرة بـ"صباح الجزائرية"، ولدت بوهران عام 1952، نشأت على حب الموسيقى وكانت ميّالة إلى الأغاني الشرقية فغنّت للراحلة أم كلثوم واللبنانية صباح.
مسيرة صباح الجزائرية بدأت من مشاركتها في الحفلات الموسيقية المدرسية، وذاع صيتها عندما التقت عمالقة الموسيقى أمثال بلاوي الهواري وأحمد هبي، وهذا الثنائي شجّعاها على احتراف الغناء.
سطع نجم صباح عندما أدت رائعة عبد الوهاب الدكالي "ما أنا إلاّ بشر"، وغنّت أغنيتها الشهيرة "يا عمري" التي كتبها عمر البرناوي، وأبدعت في "الخمري"، "ولاد بلادي"، "عن قريب ياما"، "آه يا الاسمر يا زين"..
صباح الجزائرية شاركت في أعمال مسرحية وسينمائية من بينها مسرحية "أدي ولا خلي" لحجوطي بوعلام، مسرحية "لمخاخ " لمحمد أدار.. وغيرها، أمّا سينمائيًا وتلفزيونيًا فمثلّت في فيلم "صمت الرماد" ومسلسل "المصير".
نجاح ونجومية ميّزا مشوار صباح الجزائرية بإحيائها عدّة حفلات داخل الوطن والخارج من بينها حفلات في الكويت، لكن صباح رحلت باكرًا عن عمر 53 سنة، في الـ20 آيار/ماي عام 2005 بعد صراع طويل مع السرطان.
محمد رؤوف إيقاش، أو حديدوان كما يعرفه الجزائريون فنان رسم البسمة على وجوه الأطفال في زمن الموت يتصدر أخبار الصحف ويغلق الشوارع ويوقف الحياة.
حديدوان ممثل في مسرح الأطفال وفكاهي جزائري، ولد بالرباط سنة 1948، وبعد استقلال الجزائر عاد إلى وطنه الأم رفقة عائلته واستقر بوهران إلى غاية وفاته عام 1996.
شكّل محمد إيقاش ثنائية رائعة مع حمزة فغولي الشهير بـ"ما مسعودة"، وقدّما أعمالا خالدة لطالما أمتعا بها الأطفال في زمن العشرية السوداء وأبرزها "الحديقة الساحرة" التي جسد فيها شخصية المهرج "حديدوان" وهي الصفة التي رافقته طوال مسيرته إلى غاية وفاته.
قبل ولوجه الفن، عمل حديدوان في سلك التعليم والتربية وكان معلما لمادة اللغة العربية، ولكن بعد سنوات قضاها في هذا المجال، قرر حديدوان ترك التعليم ليتجه نحو عالم ليس ببعيد عنه، إنّه عالم الأطفال الذي بقي وفيا له بمعية رفيق دربه وصديقه حمزة فغولي.
هواري عوينات
هواري عوينات، مغني وراقص، فقدته الساحة الفنية الجزائرية والوهرانية بعد صراع مع المرض في 28 تموز/جويلية 2017.
برز هواري عوينات المولود سنة 1947 بوهران، في التسعينيات بغنائه ورقصه الفريد من نوعه، ولباسه التقليدي المتمثل في الجلابية الرجالية والشاشية المطرّزة (الطربوش) وحقيبته الصغيرة المعلقة على الكتف،إلى هنا، يعتبر عوينات أحد رموز الثقافة الشعبية الجزائرية والفن الوهراني خاصة، فرض نفسه في تلك الحقبة بعديد الأغاني في اللون المغربي، وكان يصاحبها برقصات أصبحت علامة مسجلة باسمه.
من أشهر أغاني الراحل عوينات رائعة "عيشة" و"سعدية" و"مشمومة ياسمين"، "راشدة"، "فلان وفلان"، "أنا عندي ميعاد".. وغيرها.
أحمد وهبي
"وهران وهران" الأغنية التي رددها الملايين في العالم، وغنّاها المشاهير هي من توقيع أحد أعمدة الأغنية الوهرانية والفن الجزائري المغني والراحل الراحل أحمد هبي (1921-1993)، الذي نقل موهبته ومعارفه الموسيقية لفنانين كثير جاؤوا بعده.
ولد أحمد وهبي واسمه الحقيقي أحمد دريش التيجاني، في مرسيليا عام 1921، فقده أمه وعمره أربعة أشهر فقط، كبر وترعرع في كنف والده الذي كان مؤذنًا، وعاش بالمدينة الجديدة بوهران عاصمة الراي وجوهرة المتوسط.
شغف وهبي بالفن، بدأ مبكرًا، باهتمامه بالموسيقي التي تعلّمها خلال انخراطه في الكشافة الاسلامية الجزائرية نهاية الثلاثينيات، وانضمامه بعدها عام 1942 إلى فرقة موسيقية يقودها الراحل بلاوي الهواري.
في عشرينيات العمر واصل وهبي دراسة الموسيقى بدخوله إلى معهد لتدريس الموسيقى بباريس عام 1947، هناك تلقى مختلف ألوان موسيقى العالم والتقى كبار الفنانين. من هناك انطلقت المسيرة الفعلية لهذا المبدع الذي شغل فنّه الجزائر.
وهبي خلد في ريبرتوار الفن بالجزائر، بعصرنته للأغنية الوهرانية رفقة بلاوي الهواري مع الحفاظ على طابعها وخصوصياتها، والتي تعتبر امتداد لفن البدوي والشعر الملحون.. وغيرها.
لحّن وهبي عدّة أغاني كتبها الراحل عبد القادر الخالدي وأبرزها: "علاش تلوموني"، "يا طويل الرقبة"، و"الغزال".، كما كتب وغنّى روائع "وهران وهران" التي جالت وصالت في مسارح العالم بأصوات نجوم الراي أمثال الشاب خالد ومامي وحسني .. وآخرين.
"وهران وهران" الأغنية التي رددها الملايين في العالم وغنّاها المشاهير هي من توقيع أحد أعمدة الأغنية الوهرانية والفن الجزائري المغني والراحل الراحل أحمد هبي
للاشارة عدد من الفنانين الذين رحلوا، سطع نجمهم في موسيقى الراي وفي فنون أخرى، لكن ينحدرون من ولايات (محافظات) مجاورة لورهان على رشيد طه الذي ينحدر من ولاية معسكر، عبد القادر الخالدي (معسكر)، بلاحة بوزيان الشهير بشخصية النوري في مسلسل عاشور العاشر (معسكر)، الشيخة الريميتي واسمها سعيدة باضيف (سيدي بلعباس)، الشيخة الجنية واسمها الحقيقي فاطمة مباركي ولدت بمدينة بسيدي بلعباس.. وغيرهم.